تداعيات أحداث سبتمبر على باكستان

undefined

* إعداد: إسماعيل محمد

شكلت زيارة الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون إلى منطقة شبه القارة الهندية في أبريل/ نيسان 2000 منعطفا هاما في العلاقة الأميركية الباكستانية، إذ بدا واضحا أن الإدارة الأميركية بدأت تركز على الهند -دون محاولة تجاهل باكستان بشكل كامل- في إنشاء شراكة عسكرية واقتصادية وسياسية بعد أن مثلت باكستان حليفا مرحليا إبان الحرب الباردة وتداعياتها العسكرية في أفغانستان.

وقد وعى المسؤولون الباكستانيون بدورهم هذا التحول في السياسة الأميركية مبكرا خاصة بعد أن أقدم الجيش على مجموعة خطوات عاكست الاتجاه الأميركي في عدة قضايا أهمها:

  • التجارب النووية الباكستانية الناجحة عام 1998.
  • الدخول في مواجهات عسكرية واسعة مع الهند في مرتفعات كارغيل.
  • الانقلاب الأبيض على نواز شريف ومخالفة الوصية الأميركية بعدم الإطاحة به وربما كان الانقلاب إجراء عسكريا لمحو آثار التقارب الباكستاني الهندي الذي توج بزيارة رئيس الوزراء الهندي أتال بيهاري فاجبايي إلى باكستان عبر الحدود البرية في إقليم البنجاب.

وقد انتهت ردة فعل الولايات المتحدة وحلفائها (أوروبا واليابان) بعدة إجراءات أهمها:

  • فرض عقوبات اقتصادية ومنع المساعدات المالية عن باكستان كرد فعل على التجارب النووية.
  • تعليق عضوية باكستان في مجموعة دول الكومنولث ردا على انقلاب الجيش على رئيس الوزراء نواز شريف.

غير أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول واتهام أسامة بن لادن الرابض في أفغانستان بالمسؤولية عن الحادث أعاد للقيادة العسكرية الباكستانية الحاكمة فرصة إنعاش تلك العلاقة وذلك للحاجة الأميركية للدعم الباكستاني في حملتها على ما أسمته الإرهاب.

باكستان تدعم الحملة الأميركية في أفغانستان


كانت الخيارات معدومة سياسيا وإستراتيجيا أمام باكستان التي تعاني مشاكل اقتصادية وسياسية متفاقمة

لم تتردد حكومة الجيش بباكستان في الانضمام إلى الحملة الأميركية ضد حركة طالبان وتنظيم القاعدة رغم ما توقعته من معارضة سياسية وشعبية واسعة، وهو ما تم بالفعل إذ شهدت مدن وقرى باكستان حشود المتظاهرين ومن ثم المتطوعين للقتال إلى جانب طالبان والقاعدة. غير أن الخيارات ربما كانت معدومة سياسيا وإستراتيجيا أمام باكستان التي تعاني مشاكل اقتصادية وسياسية متفاقمة مثل:

  • اقتصاد راكد وديون خارجية تجاوزت 37 مليار دولار.
  • أزمة سياسية حادة بسبب انقلاب الجيش وفقدانه الشرعية السياسية وتعطل العملية الديمقراطية.
  • مشاريع التطوير العسكري الباهظة التكاليف.

وقد حاول جنرالات باكستان استغلال الظرف للخروج ببعض المكاسب وأقل الخسائر وهو ما عبر عنه قائد الجيش الباكستاني السابق أسلم بيك في لقائه مع قناة الجزيرة.

المكافآت الأميركية والدولية لباكستان
بدت الإدارة الأميركية مدركة للمشكل "والشرط" الباكستاني فبادرت بعد أيام من تفجيرات سبتمبر/ أيلول برفع العقوبات الاقتصادية على باكستان والمفروضة منذ 1998، ثم تبع ذلك مجموعة من الإجراءات قصد بها دعم الاقتصاد الباكستاني الذي توقع له البنك الدولي في شهر أكتوبر/ تشرين الأول خسائر تزيد عن ملياري دولار بسبب انضمام باكستان للتحالف الأميركي ضد طالبان والقاعدة ويمكن ذكر أهم تلك الإجراءات وفق التسلسل الزمني التالي:

سبتمبر/أيلول 2001

  • رفعت أميركا عقوباتها الاقتصادية المفروضة على باكستان.
  • أعادت اليابان جدولة ديون باكستان بقيمة نصف مليار دولار.

أكتوبر/تشرين الأول 2001

  • منح البنك الدولي باكستان قرضا بقيمة 300 مليون دولار لدعم القطاع المصرفي.
  • منح صندوق النقد الدولي باكستان دينا بقيمة 100 مليون دولار.
  • رفعت اليابان عقوباتها الاقتصادية المفروضة عن باكستان.
  • استأنفت ألمانيا مساعداتها الاقتصادية إلى باكستان بإرسال 20 مليون دولار.

نوفمبر/ تشرين الثاني 2001

  • منحت أميركا باكستان 600 مليون دولار مساعدات مالية.
  • وعد الرئيس الأميركي جورج بوش باكستان بمساعدات مالية تصل إلى مليار دولار وخفض الديون الباكستانية.
  • منحت اليابان باكستان معونات مالية بقيمة 300 مليون دولار.

ديسمبر/ كانون الأول 2001

  • قدمت أميركا 100 مليون دولار مساعدة لباكستان لمراقبة المدارس الدينية التي تدعي أميركا أنها محضن رئيسي للإرهاب.
  • منحت أوروبا باكستان امتيازات تجارية خاصة تمثلت في خفض الرسوم الجمركية على الصادرات الباكستانية
  • وافق صندوق النقد الدولي على منح باكستان قرضا يزيد عن مليار دولار قيل إنه جزء من دين سيمنح لباكستان يزيد عن تسع مليارات دولار.

أبريل/ نيسان 2002

  • وافق البنك الآسيوي للتنمية على تقديم مساعدة مالية لباكستان بقيمة مليار دولار.
  • أعادت مؤسسات أميركية تنموية فتح مكاتبها في باكستان بعد غياب استمر سنوات طويلة.

يوليو/ تموز 2002

  • أعادت أميركا جدولة دين باكستاني تبلغ قيمته أكثر من 300 مليون دولار.

كما وافقت أميركا على بيع ست طائرات مقاتلة من نوع سي 130 إلى باكستان وإن أصرت على رفضها تسليم طائرات إف 16 المدفوع قيمتها منذ سنة 1988 وهي ما تمثل إحدى قضايا ما بعد تفجيرات 11 سبتمبر/ أيلول بالنسبة لباكستان.

قضايا ما بعد 11 سبتمبر


رغم وجود معوقات مستعصية في العلاقة الأميركية الباكستانية فإن أميركا ليس أمامها من بد سوى المحافظة على العلاقة معها خوفاً من تعاونها النووي مع دول إسلامية أخرى

لعل باكستان تمثل حالة مستعصية في العلاقات الخارجية الأميركية وذلك لعدة أسباب وعوامل أهمها:

  • قيام باكستان أساسا على أيدولوجية دينية (إسلامية).
  • امتلاك باكستان السلاح النووي الذي يعتبر أهم أسلحة الردع في العالم.
  • التوتر الدائم في علاقة باكستان مع الهند التي تميل أميركا إلى إقامة علاقة ستراتيجية معها.
  • العلاقة الإستراتيجية بين باكستان والصين خاصة في مجالي الأمن والتسلح.
  • عدم اعتراف باكستان بإسرائيل.

ورغم وجود القضايا السابقة كمعوقات في العلاقة الأميركية الباكستانية فإن أميركا وكما يرى العديد من المحللين والمراقبين الأميركيين ليس أمامها من بد سوى المحافظة على العلاقة، ولعل إصرار الرئيس الأميركي بيل كلينتون على تضمين باكستان (رغم عدم اعتراف أميركا بالنظام العسكري) إلى جدول زيارته لدول المنطقة والذي أغضب الهند إشارة إلى ذلك، والسبب كما يرى أولئك المحللون يكمن في خوف أميركا من ردة فعل باكستانية على تجاهلها قد تؤدي إلى تعاون عسكري نووي بينها وبين دول إسلامية أخرى مثل إيران. وفي ما يلي عرض سريع لأهم القضايا الباكستانية في ما بعد 11 سبتمبر/ أيلول:

1- كشمير والعلاقة مع الهند
تمثل كشمير مفصل العلاقة بين الهند وباكستان ليس فقط لرغبة باكستان في تحرير الأغلبية المسلمة في كشمير ولكن أيضا لإيجاد فاصل طبيعي (جغرافي) بينها وبين الهند في جزء من حدودها الشرقية وللتعبئة القومية ضد الهند التي تحمي النسيج الاجتماعي الهش بتعدديته العرقية والمذهبية. ولذا يرفض الجيش أي تقارب مع الهند يضر بتلك المصالح.

والإستراتيجية الباكستانية تقوم على رفض وسم المقاومة الكشميرية بالإرهاب، وتسعى الهند منذ أحداث سبتمبر/ أيلول إلى كسب تأييد أميركي دولي ضد المقاومة الكشميرية غير أن الموقف الأميركي لا يزال حذرا حيال ذلك إذ جاءت كل تصريحات المسؤولين الأميركيين في هذا الصدد فضفاضة تحتمل العديد من التفسيرات.

2- التطرف الديني وتجفيف منابعه
يقال إن حاكم باكستان الجنرال برويز مشرف عسكري ليبرالي يكره التطرف الديني لكن الحقيقة أن الجيش الباكستاني منذ أن أعاد الجنرال ضياء الحق بناءه بعد انفصال باكستان الشرقية (بنغلاديش) بدعم هندي بات يؤمن بالأيدولوجية الإسلامية وتمثل ذلك في استلام مجموعة من مؤيدي هذا الاتجاه قيادات الجيش والأجهزة الأمنية التابعة له. ويعتبر الجنرال محمد عزيز الكشميري الأصل من أهم تلك الشخصيات وهو مهندس أحداث كارغيل وانقلاب مشرف عام 1999.

وقد اعتاد الجيش الباكستاني والقيادة السياسية على تجنب أي صدام مع أميركا بشأن الجماعات الكشميرية والتيار الديني العام وقامت بإغلاق مدارس دينية وحظرت منظمات كشميرية وباكستانية مقاتلة، لكن كل هذا لا يدل على حقيقة الواقع إذ لم تتوقف العمليات العسكرية ضد الهند سواء من الجيش الباكستاني أو من أعضاء تلك التيارات والعابرين عبر باكستان ولعل أميركا تدرك هذا الأمر ولا تجد إجراء مناسبا يمكن أن يتخذ ضد باكستان حيال ذلك غير ممارسة بعض الضغوط السياسية والاقتصادية.

3- أفغانستان


باكستان استمرت في دعم حركة طالبان حتى أكتوبر/ تشرين الأول 2001

تتمثل أهمية أفغانستان بالنسبة لباكستان فيما يلي:

  • تشكل أفغانستان فاصلا طبيعيا بين باكستان والاتحاد السوفياتي سابقا، والآن بينها وبين إيران ذات الاتجاه المذهبي والعرقي المختلف.
  • وجود الأغلبية العرقية البشتونية في أفغانستان في الحدود مع باكستان حيث الوجود البشتوني الباكستاني الحالم بإقامة دولة تقوم على أساس عرقي تجمع كل بشتون الدولتين.
  • ادعاء الحكومات الأفغانية تبعية إقليم سرحد الباكستاني (مكان وجود البشتون الباكستانيين) لدولتهم.
  • اتصال باكستان عبر أفغانستان بمنطقة دول وسط آسيا الغنية بالنفط والموارد الطبيعية والأسواق الكبيرة.

ولعل هذا ما يفسر دائما الفتور الباكستاني في قبول أي اقتراح بشأن أفغانستان لا يشكل حماية لمصالحها، وهو أيضا ما يفسر الدعم الدائم للاتجاهات والحركات البشتونية حتى إن بعض التقارير أشارت إلى أن باكستان استمرت في دعم حركة طالبان حتى أكتوبر/ تشرين الأول 2001. والإدارة الأميركية تدرك بوضوح تلك الأهمية ولذا فإنها لجأت إلى أن يكون حاكم أفغانستان بشتونيا إلى جانب أهمية ذلك للوضع الداخلي الأفغاني.

4- العلاقة مع الصين
تعتبر الإدارات المدنية والعسكرية في باكستان بأن الصين حليف إستراتيجي لا يمكن الاستغناء عنه ولعل سبب تلك العلاقة المميزة هي حجم المصالح بينهما والتهديدات ضد باكستان، فالصين عاشت وإلى زمن قريب حالة عداء مع الاتحاد السوفياتي السابق والهند والولايات المتحدة الأميركية مما فرض عليها ضرورة تأمين حليف عسكري قوي فكانت أن أسهمت الصين في عمليات بناء الجيش الباكستاني وإيجاد الدعم السياسي الدائم لباكستان. وبالرجوع إلى تاريخ العلاقة نرى أن باكستان تنازلت في الستينيات من القرن المنصرم على منطقة من شمال كشمير لصالح الصين كما دفعت العقوبات الأميركية على باكستان إثر حرب سنة 1965 بينها وبين الهند إلى تسارع التقارب الصيني الباكستاني واستمر هذا التعاون ليثمر في نهاية القرن الماضي امتلاك باكستان للسلاح النووي إلى جانب تطورات مهمة في الصناعات الباكستانية النوعية والتي تمثلت في طائرات قتالية وصواريخ بعيدة المدى ودبابات وغيرها.

5- السلام في الشرق الأوسط


التشدد الأميركي من قضية كشمير قد يقود باكستان إلى تبني مواقف أكثر تشددا من إسرائيل

لعل المخاوف الإسرائيلية الأميركية تزداد من باكستان بسبب امتلاكها السلاح النووي، وهو ما يشكل تهديدا مباشرا لإسرائيل الأمر الذي دفعها لتمتين علاقتها مع الهند بعد تجارب باكستان النووية خاصة في المجال العسكري والأمني، ورفع ميزان التبادل التجاري مع الهند بنسبة تزيد عن 50% سنة 1999. ويبدو أن باكستان غير مستعدة حاليا للاعتراف بإسرائيل مما يقربها حتما إلى موقف إيران التي تعتبر إسرائيل كيانا صنيعا على أرض إسلامية مغتصبة الأمر الذي قد يطور التقارب إلى تعاون عسكري نووي وإن كان الخلاف المذهبي وصراع النفوذ على أفغانستان ومناطق آسيا الوسطى يعوق هذا التقارب. ويضاف إلى ذلك أن التشدد الأميركي من قضية كشمير قد يقود باكستان إلى تبني مواقف أكثر تشددا من إسرائيل والقضية الفلسطينية سعيا لجلب دعم اقتصادي وسياسي من منظومة دول العالم الإسلامي وخاصة العربي منه.

6- الاقتصاد الباكستاني
يعاني الاقتصاد الباكستاني من مشاكل جمة مثل الديون الخارجية التي تبلغ أكثر من 37 مليار دولار وفساد إداري ومشاكل تشريعية وعدم ثبات سوق الاستثمار وهو ما مثل ممسكا سهلا ضد الحكومات الباكستانية إذ لم تتوقف حاجتها إلى المساعدات الخارجية (الأميركية والأوروبية والآسيوية والعربية) وقد ذكر تقرير بنك باكستان المركزي لعام 2001 أن مستقبل الاقتصاد الباكستاني غامض ولا يمكن التنبؤ به كما توقع أن ينخفض معدل النمو إلى 2.5% بدلا مما كان متوقعا وهو 4%.

وقد حاول قادة باكستان استغلال المصلحة الأميركية من دعمهم في الحرب على حركة طالبان وتنظيم القاعدة فنجحوا في الحصول على مساعدات مالية عاجلة ووعود بقروض كبيرة. غير أن كل ذلك لن يحل الأزمة الاقتصادية الخانقة خاصة حجم الديون المتزايد وزيادة نسبة السكان تحت خط الفقر من 18% إلى أكثر من 30% من مجموع عدد السكان.

وأخيرا بقي أن نذكر أن الولايات المتحدة لم تنس لباكستان العديد من القضايا مثل حقوق الإنسان إذ انتقد تقرير الخارجية الأميركية الجديد باكستان في ملف حقوق الإنسان ومسألة عودة المسار الديمقراطي وقضايا الإرهاب والاتجاهات الدينية في باكستان والسلاح النووي وتطوير صواريخ بعيدة المدى ومشكلة عمالة الأطفال التي ترتب عليها منع استيراد العديد من المنتجات الباكستانية للأسواق الأميركية والأوروبية وغيرها من الملفات التي ستظل عالقة في العلاقة بين الدولتين ربما أبعد من المستقبل المنظور.
_______________
* قسم البحوث والدراسات – الجزيرة نت

المصدر : غير معروف