مصر في عام 2006
رغم النشاط الملحوظ لدعاة الإصلاح السياسي في مصر خلال عام 2006 والذي تمثل في مظاهرات قامت بها جماعة الإخوان المسلمون وحركة كفاية وبعض التنظيمات اليسارية والناصرية للمطالبة بإلغاء قانون الطوارئ وقانون الأحزاب ورفض محاولات توريث الحكم وصد موجات الفساد وتعديل المادة 77 من الدستور التي تتيح عمليا للرئيس البقاء في منصبه مدى الحياة عن طريق ترشحه للرئاسة دون تحديد لعدد المرات، وإعادة النظر في القيود التي وضعتها الحكومة أثناء تعديل المادة 76 من الدستور والتي تحول دون ترشح المستقلين لرئاسة الجمهورية…إلخ، لكن القليل من هذه المطالب التي من شأنها إحداث تغييرات جوهرية في الحياة السياسية هو الذي تحقق وأعلن عنه الرئيس مبارك في تعديلاته الدستورية أثناء خطابه في الأسبوع الأخير من العام.
الخلاف بين السلطتين القضائية والتنفيذية
" أبرز عناوين عام 2006 في مصر تركزت في قضايا الإصلاح السياسي ومظاهرات القضاة وكوارث غرق العبارة وتصادم القطارات وتسمم مياه الشرب وانتشار فيروس أنفلزنزا الطيور " |
وكان الخلاف بين الحكومة والمؤسسة القضائية أحد أبرز مشاهد عام 2006، حيث نظم قضاة مصر مظاهرات تطالب بإقرار قانون "السلطة القضائية" الذي يضع حدا لتدخل السلطة التنفيذية في أعمال جهاز القضاء، وهددوا بامتناعهم عن الإشراف على أي انتخابات قادمة سواء أكانت تشريعية أو رئاسية، معتبرين ذلك بمثابة "شهادة زور تضفي شرعية على انتخابات لا تتوافر لها ضمانات النزاهة".
ولفت النظر في أحداث مصر خلال عام 2006 أيضا العديد من الكوارث الناجمة عن ضعف كفاءة أجهزة الدولة لا سيما المختصة منها بالتفتيش على إجراءات الأمن والسلامة، وقد تسبب ذلك في وقوع ضحايا كثر.
أما أحداث الفتنة الطائفية المتكررة فلم يخلو منها عام 2006، فقد شهدت مدينة الإسكندرية اشتباكات بين بعض المسلمين والمسيحيين أسفرت عن قتلى وجرحى على خلفية مسرحية عرضت داخل الكنيسة بها مشاهد اعتبرها المسلمون مسيئة لمقدساتهم وطالبوا بابا الكنيسة الأرثوذكسية الأنبا شنودة الذي "بارك هذا العمل المسرحي" بالاعتذار لكنه رفض.
وعلى الرغم من أن عام 2006 شهد ارتفاعا ملحوظا لسقف حرية الرأي والتعبير فإن هذا لم يمنع من أن يشهد العام أيضا ملاحقات قضائية لبعض الأقلام التي اشتهرت بجرأتها على انتقاد الأوضاع القائمة لا سيما ما يتعلق منها بقضيتي التوريث والفساد وهو ما حدث لرئيس تحرير صحيفة الأسبوع مصطفى بكري ورئيس تحرير صوت الأمة وائل الإبراشي ورئيس تحرير الدستور إبراهيم عيسى .
" علماء الاجتماع في مصر يلاحظون ضعف وترهل أجهزة ومؤسسات الدولة التي تتعامل مع الجماهير في مقابل تضخم قوة ونفوذ الأجهزة الأمنية المخصصة للتعامل مع دعاة الإصلاح السياسي والرافضين لمحاولات فرض التوريث وجعله أمرا واقعا " |
شهد المجتمع المصري كذلك هذا العام تنامي ما أسماه بعض علماء الاجتماع "العنف المجتمعي" حيث لم يعد العنف صادرا فقط عن الدولة أو بعض التنظيمات السياسية المعارضة ولكنه بات واضحا في سلوك بعض شرائح وفئات المجتمع غير المسيسة، ويتبدى في المكان والزمان الذي تضعف فيه قبضة الدولة، وفي هذا السياق كانت الحادثة الأبرز تلك التي وقعت أول أيام عيد الفطر أمام إحدى دور السينما في قلب القاهرة وما تعرضت له بعض الفتيات من تحرشات على يد مجموعة من الشباب، وهي حادثة أثارت دلالتها المجتمعية قلق الكثيرين على منظومة القيم في مصر .
وفي إطار التحرك الشعبي شهد العام فعالية ملحوظة لطلاب وأساتذة الجامعات، حيث بادر الطلاب إلى تكوين اتحاد مستقل يمثلهم أطلقوا عليه "الاتحاد الحر" بعيدا عن الاتحاد الذي وصفوه بـ "الحكومي" وارتفع صوت أساتذة الجامعات المطالبين بوقف التدخل الأمني في شؤون الجامعة، ولا تزال نتائج إحدى مظاهرات الطلاب (جامعة الأزهر) تلقي بظلالها على المشهد السياسي في مصر وتفجر قضايا كبيرة متعلقة بكيفية التعامل مع "المسألة الإخوانية" والاعتراف القانوني بهم كقوة سياسية أسوة باليساريين والليبراليين.
ولم يكد العام يوشك على الانتهاء حتى فوجئ الرأي العام المصري بدعوة الحكومة لإعادة الحياة للبرنامج النووي والذي توقف بصورة متدرجة منذ السبعينات ثم تجمد تماما منذ أواسط الثمانينات. وقد تردد فجأة أن مصر بحاجة إلى الدخول في عصر الطاقة النووية السلمية نظرا لحاجتها الماسة للطاقة الكهربائية.
وكان عام 2006 لافتا في أعداد الفنانين والأدباء الذين وافتهم المنية بدءا من المخرج علاء كريم ونجمي الكوميديا عبد المنعم مدبولي وفؤاد المهندس والممثلة ماجدة الخطيب والممثلة والمطربة هدى سلطان، أما على صعيد الأدباء والنقاد فكانت الوفاة الأبرز للروائي الأشهر صاحب جائزة نوبل نجيب محفوظ وللناقد الأدبي الدكتور سمير سرحان.
وأخيرا على صعيد السياسة الخارجية حاولت مصر خلال عام 2006 الاستمرار في أداء دور "الوساطة" وهو الدور الذي رسمته لنفسها بعد خروجها من دائرة الصراع العربي الإسرائيلي عام 1979 بتوقيع معاهدة السلام وتراجع دورها المؤثر في محيطها الإقليمي، غير أن هذه الوساطة التي تمت طوال أشهر العام الذي يوشك على الانقضاء سواء بين فتح وحماس أو بين الفرقاء في لبنان والعراق والسودان لم تسفر بعد عن نتائج تحسب في رصيد الدبلوماسية المصرية.