اكتشاف حاسة مدهشة لدى البعوض تمكنه من الوصول إلى جسمك بسهولة
كيف يمكن للبعوض أن يكتشف وجود إنسان من على بعد عدة أمتار، ويقترب منه ثم يهبط على جلده بدقة؟ اعتقد العلماء لسنوات طويلة أن الإجابة هي أن البعوضة تلتقط رائحتك من بعيد وتستشعر حرارتك ورطوبة جلدك من قريب قبل الانقضاض عليك في المكان الأفضل لامتصاص دمك.
لكن دراسة جديدة، أجراها باحثون من جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا ونشرت مؤخرا في دورية نيتشر، تظهر أن للبعوض "حاسة" إضافية تمكنه من تحديد مصادر الأشعة تحت الحمراء وتساعده في هذه المهمة.
ويعتقد العلماء أن هذا الاكتشاف سيساهم في تطوير طرق مكافحة هذه الكائنات الناقلة للأمراض وفي اتقاء لدغاتها المزعجة، خاصة في فصل الصيف.
بعوض خارق
قد لا تكون لدغة البعوض في كثير من الأحيان أكثر من مجرد إزعاج مؤقت، غير أنها قد تتحول في بعض الأحيان إلى كابوس مخيف لكون هذه الحشرة من الناقلات الرئيسية للفيروسات إلى البشر. وينشر أحد أنواعها المعروف بالزاعجة المصرية، والمنتشر في عديد من مناطق العالم، الفيروسات التي تتسبب في أكثر من 100 مليون حالة من حمى الضنك والحمى الصفراء وأمراض أخرى كل عام. وهذه القدرة على نقل الأمراض أكسبت البعوض لقب الحيوان الأكثر فتكا على وجه الأرض.
ولئن كانت ذكور البعوض غير ضارة، فإن إناثها تحتاج إلى الدم لنمو البيض، وقد أثارت مهارتها في العثور على ضحيتها فضول الباحثين على مدى قرن من الزمن تقريبا. ومكّن هذا الاهتمام من اكتشاف أنها لا تعتمد على حاسة واحدة، بل تدمج المعلومات من عديد من الحواس المختلفة عبر مسافات مختلفة.
يقول البروفيسور كريغ مونتيل الذي أشرف على إنجاز الدراسة -في حوار خاص مع الجزيرة نت عبر البريد الإلكتروني- إن "البعوض، مثل الزاعجة المصرية، يعتبر ماهرا للغاية في العثور على البشر، ويعود ذلك جزئيا لأنه يستخدم عديدا من الإشارات البشرية في الوقت نفسه للعثور علينا (التكامل متعدد الحواس)".
وأوضح مونتيل أن هذه الكائنات "يمكنها من مسافة تتراوح بين 5 و10 أمتار استشعار ثاني أكسيد الكربون المنبعث من أنفاسنا والروائح البشرية. وعندما تقترب جدا وتحوم بجوار بشرتنا، يمكنها الشعور بالرطوبة وحرارة الحمل الحراري المنبعثة من أجسامنا".
وبما أن هذا النوع من البعوض يتميز بضعف البصر، فإن فعالية هاتين الخاصيتين في العثور على هدفها قد تتأثر بسبب التيارات الهوائية أو الحركة السريعة للشخص المستهدف. لذلك فقد تساءل مونتيل وفريقه عما إذا كانت هناك أي إشارات بشرية إضافية يستخدمها البعوض للعثور علينا.
يقول مونتيل، الذي يشغل منصب أستاذ مميز في علم الأحياء الخلوية والجزيئية التنموية في جامعة سانتا كلارا في كاليفورنيا، "من حيث المبدأ، إذا تمكنت من استشعار الأشعة تحت الحمراء المنبعثة من أجسامنا، فيمكنها اكتشاف حرارة أجسامنا على مسافة أكبر بكثير مما لو كانت تعتمد فقط على اكتشاف حرارة الحمل الحراري المنبعثة من أجسامنا، والتي لا يمكن استشعارها إلا على مسافات تقل عن 10 سنتيمترات".
"حاسة" جديدة
للتحقق من ذلك، أجرى الباحثون -وفق بيان نشر على موقع الجامعة- تجربة سلوكية على بعوض الزاعجة المصرية من خلال وضع 80 أنثى في قفص، على بُعد بضع سنتيمترات من لوحين.
تبلغ درجة الحرارة المحيطة باللوح الأول 29.5 درجة مئوية، وهي درجة حرارة نموذجية للبلدان الحارة، في حين تبلغ درجة حرارة الثاني 34 درجة مئوية وهي درجة حرارة جلد الإنسان. كما سمح هذا الجهاز بانبعاث سحابة خفية من ثاني أكسيد الكربون وانتشار رائحة العرق البشري المنبعثة من قفاز قديم.
ومن خلال الجمع بين هذه العناصر وتصوير سلوك البعوض، وجد الفريق أن تعرّض البعوض لإشارة واحدة، مثل ثاني أكسيد الكربون، أو الرائحة، أو الأشعة تحت الحمراء الصادرة من اللوح الثاني أدت إلى استجابة ضعيفة للغاية.
لكن هذه الاستجابة كانت أكثر وضوحا عند تعرضه لمزيج من الإشارات من الرائحة وثاني أكسيد الكربون. وسجل الحد الأقصى لاستجابة البعوض عند الجمع بين الأشعة تحت الحمراء والرائحة وثاني أكسيد الكربون.
الملابس الفضفاضة تقي من لدغات البعوض
كما أظهرت النتائج أن الزاعجة المصرية تستطيع اكتشاف الأشعة تحت الحمراء من الجلد حتى مسافة 70 سنتيمترا على الأقل من الهدف، وهي مسافة دون تلك التي يتمكن منها البعوض من اكتشاف رائحة الجسم وغاز ثاني أكسيد الكربون (حوالي 10 أمتار) وأكبر من مسافة التي تصبح فيها قادرة على الإحساس بحرارة الجلد ورطوبته (10 سنتيمترات).
ويفسر الباحثون هذه القدرة بقيام الأشعة تحت الحمراء بتسخين أطراف الخلايا العصبية الموجودة على هوائيات الحشرة. وينشّط هذا الاحترار -بدوره- المستقبلات الحساسة لدرجة الحرارة لديها .
ويشرح مونتيل في حديثه هذه النتائج بقوله: "لقد اكتشفنا أن فعالية البحث عن المضيف تتضاعف بوجود الأشعة تحت الحمراء مع الإشارات الأخرى"، مشيرا إلى أن الباحثين لم يتمكنوا في الدراسات السابقة من اكتشاف هذه "الحاسة" الإضافية لدى البعوض، لأنهم "قاموا باختبار الأشعة تحت الحمراء بشكل منعزل عن بقية الإشارات، ولا تحدث عملية تحفيز نشاط البحث عن المضيف بكفاءة عند البعوض إذا تعرض البعوض لإشارة واحدة فقط، مثل ثاني أكسيد الكربون، أو رائحة الإنسان، أو الأشعة تحت الحمراء".
في هذا السياق، توضح الدراسة أيضًا سبب فعالية الملابس الفضفاضة بشكل خاص في منع العضات. ويقول مونتيل في حديثة مع الجزيرة نت "إن البعوض يكتشف الأشعة تحت الحمراء الحرارية المنبعثة من الأجزاء غير المغطاة من أجسامنا أو المغطاة بملابس ضيقة. وإذا كنت ترتدي ملابس فضفاضة، فإن حرارة الجسم تتبدد بين الجلد والملابس ولا يتم اكتشاف الأشعة تحت الحمراء بشكل فعال. لذا، فإن ارتداء الملابس الفضفاضة مفيد".