أمطار غزيرة في الجزيرة العربية.. هل السبب تغيّر المناخ؟
ضربت عواصف رعدية شديدة عدة دول في الجزيرة العربية، وسجلت الإمارات الثلاثاء الماضي هطول أمطار غزيرة مثّلت حدثا مناخيا تاريخيا تجاوز الرقم القياسي لهذه المنطقة منذ قرابة ثلاثة أرباع القرن.
وفي عُمان قررت السلطات المعنية استمرار تعليق الدراسة نظرا لاستمرار تساقط أمطار غزيرة أدت إلى سيول راح ضحيتها 19 شخصا، وفي السعودية استمرت موجة التقلبات الجوية العنيفة من رياح نشطة وأمطار غزيرة.
اقرأ أيضا
list of 2 itemsالاقتصاد الدائري.. نموذج إنتاج واستهلاك مستدام يحمي الأرض
وتتعرض أجزاء من الجزيرة العربية حاليا لمنخفض جوي عميق، وفي هذه الحالة فإن كتلا هوائية رطبة دافئة من المحيط الهندي تنسحب إلى مركز المنخفض الجوي، ويُشبه الأمر انجراف ماء النهر الجاري مثلا من مكان مرتفع لمكان منخفض.
وما إن تصل تلك الكتل الدافئة من الهواء إلى مركز المنخفض الجوي حتى ترتفع لأعلى لأنها أقل كثافة من كتل الهواء الباردة في الأعلى، وعندما يصل الهواء الصاعد إلى درجة برودة محددة يتكثف بخار الماء في قطرات الماء، وفي أثناء ذلك تَنتج العواصف الرعدية عن الحركة التصاعدية السريعة لذلك الهواء الدافئ الرطب.
خزانة ماء هائلة أعلى الرؤوس
وفي حالة الظواهر المناخية المتطرفة كتلك، فإن أصابع العلماء غالبا ما تشير إلى التغير المناخي كعنصر فاعل فيما يحدث حاليا لعالمنا، وبالطبع لا يمكن الربط مباشرة بين ظاهرة بعينها والتغير المناخي، إلا أن النتائج البحثية في هذا النطاق تشير إلى علاقة واضحة بين ضربات الأمطار الغزيرة الكثيفة والاحترار العالمي.
والسبب الرئيسي لذلك أنه مع احترار المناخ العالمي تتبخر كمّيات أكبر من المياه من المحيطات والبحار والبحيرات والتربة نفسها والنباتات، كما تزداد قدرة الهواء على الاحتفاظ بتلك المياه، إذ يمكن للهواء الاحتفاظ بنحو 7% رطوبة أكثر لكل درجة مئوية ترتفع بها الحرارة. وهذه العملية تُحوّل هواء الأرض إلى خزانة مياه هائلة جاهزة في أية لحظة لتُدلي بدلوها.
ويظهر ذلك الأثر بصورة متنوعة للغاية، بمعنى أنه يعيد تشكيل توزيعات المطر في جميع أنحاء الكوكب تقريبا، فتجد أن الكمية الكلية للأمطار قد تنخفض في عدة مناطق، لكنها رغم ذلك تتعرض لموجات قصيرة من الأمطار الزائدة بصورة متطرفة.
وفي هذه الحالة تزداد فرصة حدوث السيول والفيضانات، وذلك لأن الاحترار العالمي يجفف التربة بدرجة أكبر من المعتاد، وهو ما يُسهل جريان الماء عليها، مما يُعظّم من أثر السيول والفيضانات خاصة في حالة موجات المطر الاستثنائية.
وكما أوضحت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في تقريرها الخاص عن الظواهر المتطرفة، فإنه بات من الواضح بشكل متزايد أنّ تغير المناخ أثّر بشكل ملحوظ في العديد من المتغيرات المرتبطة بالمياه مثل هطول الأمطار ونشاط الرياح الشديدة، وهي ظواهر ترفع من شدة وتردد الفيضانات.
وأشارت دراسة أجراها باحثون من معهد "بوتسدام" لأبحاث تأثير المناخ نُشرت في "جورنال أوف كلايمت" في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إلى أن شدة وتواتر هطول الأمطار الغزيرة تتزايد بشكل كبير مع كل زيادة في ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية. وتُحذر تلك الدراسة من أن هذه التغيرات في شدة وتواتر موجات المطر الغزير قد تكون أسوأ بكثير مما كان العلماء يعتقدون سابقا، ويمكن لتلك التغيرات أن تؤثر في الاقتصاد، وبالتبعية في الاستقرار الاجتماعي على مستوى العالم، خاصة مع ارتباطها بالفيضانات.
وتشير دراسة أخرى نشرت بدورية نيتشر، إلى أن علماء قدروا أنه مقابل كل ارتفاع للحرارة بمقدار درجة مئوية واحدة، فإن معدلات هطول الأمطار الغزيرة تزيد بمقدار 15%، وبشكل خاص في المناطق المرتفعة مثل الجبال، ووجدت الدراسة زيادة ملحوظة متوقعة في قوة المطر.
وفي هذا السياق، تشير "وكالة حماية البيئة الأميركية" إلى أن السنوات الأخيرة شهدت نسبة أكبر من الأمطار المتطرفة التي سقطت بشكل كثيف خلال يوم واحد.
وفي الولايات المتحدة كنموذج بحثي، ظل تواتر هذه النوعية من الظواهر المناخية المتطرفة ثابتا إلى حد ما بين مطلع القرن الماضي وعقد الثمانينيات، ولكنه ارتفع بشكل كبير منذ ذلك الحين، وزادت النسبة المئوية لمساحة الأرض التي تشهد ضربات المطر الكثيفة.
مشكلة عالمية
وتتفق أكثر من 90% من الأعمال البحثية في نطاق التغير المناخي؛ على أن النشاط الإنساني يلعب دورا في الاحتباس الحراري الذي تعاني منه الأرض حاليا.
ومع استخدام الوقود الأحفوري في السيارات والطائرات ومصانع الطاقة، ينفث البشر كمّا هائلا من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، مما رفع تركيزه بشكل لم يحدث منذ مئات الآلاف من السنين، وهو الغاز الذي يتمكن من حبس حرارة الشمس داخل الغلاف الجوي.
وبات واضحا للعلماء يوما بعد يوم أن معدلات تطرف الظواهر المناخية من أمطار غزيرة وعواصف قاسية وموجات حارة وضربات جفاف تستمر لسنوات طويلة؛ باتت تتزايد بشكل يكسر الأرقام القياسية عاما بعد عام، الأمر الذي يتطلب اتفاقا عالميا عاجلا، على الأقل لمنع المشكلات من التفاقم.