أكثر دراسات الجينوم تعمقا.. أعراق ولغات أفريقيا امتزجت بفضل الإمبراطوريات القديمة

كانت ولا تزال الجينومات الأفريقية ممثلة تمثيلا ناقصا في الدراسات الجينية مقارنة بمناطق أخرى في العالم (شترستوك)
الجينومات الأفريقية كانت ولا تزال ممثلة تمثيلا ناقصا في الدراسات الجينية مقارنة بمناطق أخرى في العالم (شترستوك)

منذ سنوات طويلة خلت كانت أفريقيا مركزا للعديد من الحضارات القديمة، فبجانب الحضارة المصرية كانت هناك إمبراطورية كانم-برنو ومملكتا أكسوم وماكوريا وغانا وكوش وبلاد بونت وقرطاج وغيرها، ولكن لم يصلنا كثير عن تلك الممالك.

ولسبر أغوار تلك الحضارات، تعاون فريق بحثي من تخصصات شتى من داخل قارة أفريقيا وخارجها يشمل علماء الوراثة وعلماء الأنثروبولوجيا وعلماء الآثار والمؤرخين واللغويين، وقد وجدوا أن الحمض النووي لبعض سكان القارة يحمل آثار إمبراطوريات أفريقيا القديمة، وأن ثمة دليلا على اختلاط أعراق القارة، وقد نشروا نتائج البحث في دورية "ساينس أدفانسز" (Science Advances) في 29 مارس/آذار الماضي.

حتى الآن تعدّ هذه الدراسة من أكثر الدراسات تعمقا في الجينوم الأفريقي؛ فمن خلال تحليل جينوم 1333 فردا من أكثر من 150 مجموعة عرقية أغلبها من الكاميرون وجمهورية الكونغو وغانا ونيجيريا والسودان وجنوب أفريقيا، توصل الباحثون إلى أن الهجرة داخل القارة كانت مرتبطة بإمبراطوريات شاسعة مثل كانم-برنو ومملكتي أكسوم وماكوريا، فضلًا عن انتشار مجموعة لغات البانتو التي يتحدثها الآن ما يقرب من واحد من كل 4 أفارقة.

Close-up portrait of a witch from the indigenous African tribe, wearing traditional costume. Make-up concept.
الهجرة داخل قارة أفريقيا كانت مرتبطة بإمبراطوريات شاسعة مثل كانم-برنو ومملكتي أكسوم وماكوريا (شترستوك)

الهجرة إلى إمبراطورية كانم-برنو

ظهرت إمبراطورية "كانم-برنو" (Kanem-Bornu) في سنة 700 ميلادية تقريبا، وامتدت على مسافة نحو ألفي كيلومتر عبر شمال ووسط أفريقيا، وظلت قائمة طوال أكثر من ألف عام، وكانت لديها شبكات تجارية واسعة تربط شمال أفريقيا وشرقها وغربها، وقد أدى ذلك إلى بقاء آثار وراثية من جميع أنحاء القارة في الحمض النووي لشعب الكاميرون الحالي.

قالت نانسي بيرد الباحثة في معهد علم الوراثة بجامعة كاليفورنيا، والمؤلفة الأولى للدراسة، في البيان الصحفي المنشور على موقع "فيز دوت أورغ" (Phys.org)، "منذ ما يقرب من 600 عام كانت إمبراطورية كانم-برنو جاذبة لأبناء القارة، فقد وجدنا دليلا على أن سكان شمال وشرق أفريقيا هاجروا إليها، وهذا يعكس -على الأرجح- تأثيرها الجغرافي الواسع النطاق عبر أفريقيا، بدرجة قد تجعل أشخاصا يقطعون مسافة ألف كيلومتر للوصول إليها".

الهجرة إلى مملكة أكسوم

تسلط الدراسة الضوء أيضا على مملكة أكسوم (Aksum) التي شملت شمال شرق أفريقيا وجنوب شبه الجزيرة العربية، وكانت تعد إحدى القوى العظمى الأربع في العالم في القرن الثالث، إلى جانب الإمبراطوريات المعاصرة في الصين وبلاد فارس وروما، وكذلك مملكة المقرة التي امتدت على طول نهر النيل في السودان بين القرنين الخامس والـ16، ووقّعت واحدة من أطول معاهدات السلام الدائمة في التاريخ مع الحضارة المصرية.

Credit: Unsplash
تغير المناخ أثر على البيئة منذ نحو 3 آلاف عام وقلص مساحات الغابات في القارة (أنسبلاش)

وقالت نانسي "وجدنا أدلة على هجرة السكان من شبه الجزيرة العربية إلى السودان في عهد مملكة أكسوم، مما يبرز أهميتها كمركز عالمي منذ حوالي 1500 عام، ومن الجدير بالذكر أن البيانات الجينية بينت أن تلك الهجرات حدثت بالكامل تقريبا بعد أن بدأت معاهدة السلام بين المقرة ومصر تنهار".

تغير المناخ والهجرة

وبينما اهتمت الدراسات السابقة بالتأثير الجيني لهجرة متحدثي البانتو من الكاميرون إلى شرق وجنوب أفريقيا فحسب، تقدم هذه الدراسة أدلة دامغة على أن الهجرات ربما امتدت أيضا إلى غرب القارة، وربما كانت مرتبطة بتغير المناخ.

توضح نانسي بيرد أن "الدراسات السابقة أثبتت أن تغير المناخ أثر على البيئة منذ نحو 3 آلاف عام، وقلص مساحات الغابات في القارة، وهذا يتوافق مع توقيت بعض الهجرات القديمة التي اكتشفناها، ويعني أن تغير المناخ ربما كان مسؤولا عن النزوح الكبير لسكان القارة حينئذ".

الحمض النووي لبعض سكان القارة يحمل آثار إمبراطوريات أفريقيا القديمة، وثمة دليل على اختلاط أعراق القارة (شترستوك)
الحمض النووي لبعض سكان القارة يحمل آثار إمبراطوريات أفريقيا القديمة وثمة دليل على اختلاط أعراق القارة (شترستوك)

الاستعمار وطمس التاريخ

وقال المشرف العام على الدراسة والباحث في معهد علم الوراثة في جامعة كاليفورنيا، غاريت هيلينثال، إن "القارة الأفريقية لها تاريخ هائل ومعقد، طمسه الاستعمار عن عمد وغفلت عنه المناهج الأوروبية، وهذا يشمل نطاق الإمبراطوريات الأفريقية التاريخية وتأثيرها".

كانت ولا تزال الجينومات الأفريقية ممثلة تمثيلا ناقصا في الدراسات الجينية مقارنة بمناطق أخرى في العالم لا سيما أوروبا، وقد بينت تلك الورقة البحثية أن ثمة تنوعا كبيرا في جينات الأفارقة يحتاج إلى دراسات أخرى كثيفية وعميقة.

وقال فوركا ليبي ماثيو فومين المؤلف المشارك في الدراسة والأستاذ في جامعة بويا بالكاميرون إنه "لا يزال هناك كثير من المجموعات العرقية الأفريقية -على سبيل المثال في الكاميرون- لم يُجر عليها أي أبحاث جينية، ومن المحتمل أن تحتوي جينوماتها على العديد من الأسرار الأخرى".

وأضاف "لدينا القدرة على جمع عينات عرقية أخرى، ونبحث عن متعاونين مهتمين بدراستها".

المصدر : فيز دوت أورغ + مواقع إلكترونية