البروفيسور الجزائري يوسف سعد الفائز بجائزة جون فون نيومان يقدم نصائح للنجاح في تخصص الرياضيات
ما أهّل البروفيسور يوسف سعد هو أبحاثه في مجال الرياضيات التطبيقية خاصة النماذج الرقمية التي ظل يعمل عليها طوال 40 عاما والتي لها تطبيقات وحلول للكثير من المشاكل في مجالات عدة
لم يكن تتويج العالم الجزائري يوسف سعد من معهد الإعلام الآلي والهندسة بجامعة مينيسوتا الأميركية بجائزة جون فون نيومان سهلا، لأن التتويج جاء نظير أعماله التي امتدت طوال 40 عاما.
وبات البروفيسور يوسف سعد قدوة للطلبة والباحثين في تخصص الرياضيات من أجل المثابرة والاستمرار في الاجتهاد والعمل دون كلل أو ملل، وهو ما ينصح به الطلبة الشباب الذين خصهم برسائل خلال هذ الحوار مع الجزيرة نت عبر البريد الإلكتروني:
-
أولا، كيف استقبلت إعلان فوزك بجائزة جون فون نيومان يوم 25 مارس/آذار الماضي بصفتك الباحث الأول في الوطن العربي الذي يفوز بها، وما طبيعة الأبحاث التي أهلتك للفوز؟
كان ذلك بالنسبة لي مفاجأة كبيرة لأن الفوز بمثل هذه الجوائز الكبيرة يكون إما بترشيح من أحد العلماء البارزين أو مجموعة من العلماء. لكن في جائزة "جون فون نيومان" هناك لجنة علمية هي التي تختار الفائز دون ترشيح مسبق ولذلك لم أكن أتوقع هذا التتويج.
أما بالنسبة للأبحاث التي أهلتني للفوز بهذه الجائزة فهي أبحاث في مجال الرياضيات التطبيقية وبالضبط ما يعرف بالنماذج الرقمية التي أشتغل عليها منذ 40 عاما والتي لها تطبيقات وحلول للكثير من المشاكل في علوم الهندسة والإعلام الآلي وأيضا في الكيمياء الكمية وعلوم المواد وغيرها من التخصصات.
-
هل يمكن أن تعرفنا أكثر على هذه الجائزة والقيمة العلمية التي تمثلها في المجتمع العلمي الدولي؟
هذه الجائزة تمنحها جمعية الرياضيات الصناعية والتطبيقية (society for the industrial and applied mathematics)، وهي جمعية أميركية مرموقة. وتقول في تعريفها للجائزة إنه تم إطلاقها عام 1959، وهي تمنح نظير المساهمات الاستثنائية والمتميزة في مجال الرياضيات التطبيقية وقدرة الباحث في عرض أفكاره للمجتمع العلمي.
الفائز ينال مكافأة مالية ويقوم بتقديم محاضرة خلال الاجتماع العام للجمعية، ومن هنا يتضح أن المعيار الرئيسي للفوز لا يكمن في نوعية الأبحاث العلمية وإنما في الجهود التي يبذلها الباحث في عرض بحوثه وتقديمها للطلبة والمجتمع العلمي وهذا جانب مهم جدا في توصيل العلوم.
و"جان فون نيومان" هو عالم رياضيات من المجر ذاع صيته على المستوى العالمي في القرن العشرين لكنه لم يعش طويلا حيث ولد في 28 ديسمبر/كانون الأول من عام 1903 وتوفي في 8 فبراير/شباط من عام 1957 لكن له مساهمات كبيرة في مجال الرياضيات والإعلام الآلي والاقتصاد وغيرها من المجالات.
-
بالإضافة إلى أبحاثك.. ما الكتب التي قمت بتأليفها؟
خلال مسيرتي العلمية قمت بنشر كتابين وقد تم ذكرهما في بيان الإعلان عن الجائزة كسبب من الأسباب التي كانت وراء فوزي بالجائزة.
عنوان الكتاب الأول "الطرق التكرارية للأنظمة الخطية المتفرقة" (Iterative Methods for Sparse Linear systems) الذي صدر عام 1996 ثم أعيد نشره عام 2003.
الكتاب الثاني وعنوانه "الطرق العددية لمشاكل القيمة الذاتية الكبيرة" (Numerical Methods for large Eigenvalue problems) الذي صدر للمرة الأولى عام 1990 عن دار النشر التابعة لجامعة مانشستر ثم أعيد نشره عام 2011 من طرف جمعية الرياضيات الصناعية والتطبيقية.
ويمكن لمن يهمه الأمر تحميل الكتابين على الموقع الالكتروني لجامعة مينيسوتا.
-
رحلتك العلمية بدأت من الجزائر مرورا بفرنسا ثم أميركا.. كيف كانت هذه الرحلة وما الصعوبات التي واجهتها والتحديات التي خضتها لبلوغ هذا المستوى؟
بداية مسيرتي كانت من منطقة عين الزاوية بولاية تيزي وزو في الفترة الاستعمارية، ولم يكن الأمر سهلا بالنسبة للجزائريين لكن بفضل الوالد، رحمه الله، تمكنت من مواصلة مشواري بعد الاستقلال حتى دخلت الجامعة في الجزائر العاصمة.
وقبل حيازتي على شهادة الليسانس، كنت قد تابعت دورة في الإعلام الآلي وقد كانت فترة مهمة في حياتي رغم قصرها حيث وجدت نفسي بعدها أتابع دروسي في جامعة غرونوبل الفرنسية، بعدما فزت بمنحة جامعية وهناك التقيت ألمع الأساتذة الفرنسيين في المجال.
وبعد نجاحي في مناقشة شهادة الدكتوراه من الدرجة الثالثة فزت بمنحة لما بعد الدكتوراه في جامعة كاليفورنيا بيركلي لكن للأسف تم في نفس الوقت استدعائي لأداء الخدمة الوطنية بالجزائر ولم يكن باستطاعتي الرفض.
بعد انتهاء فترة الخدمة الوطنية عدت إلى جامعة غرونوبل وأنهيت مشواري الدراسي هناك حيث حصلت على شهادة دكتوراه دولة.
في عام 1978 شاركت في مؤتمر لجمعية الرياضيات الصناعية والتطبيقية بمدينة تينيسي بأميركا وهناك كانت الفرصة كبيرة حيث التقيت البروفيسور أحمد سامح من جامعة إيلينوي وهو من مصر وحامل للجنسية الأميركية حيث عرض علي إنجاز دكتوراه ما بعد التدرج، ومن هنا بدأت رحلتي إلى أميركا، وهنا أوجه الشكر للبروفيسور أحمد سامح الذي يعود له الفضل في فتح صفحة جديدة في مشواري العلمي.
عملت في جامعة بيركلي لمدة عام، ثم في جامعة ييل لمدة عامين ثم عدت إلى الجزائر مضطرا لاستكمال إجراءات التأشيرة، حيث مكثت هناك قرابة العام، درّست خلالها بجامعة واد عيسي في تيزي وزو قبل أن أعود إلى أميركا حيث تقلدت مناصب تدريس في عدة جامعات آخرها كانت جامعة مينيسوتا عام 1980 وأنا فيها إلى يومنا هذا.
وكما تلاحظ فالتحديات التي واجهتها كانت في الكثير خارج الإطار الأكاديمي وكنت دائما أتساءل كيف سيكون مصيري لو التحقت بجامعة كاليفورنيا بيركلي في نهاية السبعينيات، ولكني لست نادما.
-
تخصص الرياضيات هو من بين أصعب التخصصات العلمية، والكثير من الطلبة الجامعيين يتحاشونها.. ما النصائح التي يمكن تقديمها لهم؟
النصيحة الوحيدة التي يمكنني تقديمها هي المثابرة والاستمرار في العمل دون كلل وهذا لسببين رئيسيين، السبب الأول هو أن أغلب التخصصات العلمية اليوم بحاجة إلى الرياضيات، والسبب الثاني أنه لا يجب أن يكون الطالب أو الباحث لامعا أو نجما لكي ينجح بل يكفي أن يعمل الفرد ويجتهد ويثابر ليصل إلى مبتغاه.
كنت أقدم دروسا استدراكية للطلبة من مختلف المستويات وكنت ألاحظ بأن مستوى الكثير منهم كان يتحسن بعد فترة عمل مضنية ومثابرة مستمرة.
إذا كنت تريد التخلي عن إنجاز كنت تتطلع إليه بسبب مستواك الضعيف أو المتوسط في الرياضيات فأغلب الظن أنك ستندم لأن ما كان ينقصك هو الاجتهاد والمثابرة.
-
ما تقييمك لمستوى الطلبة في تخصص الرياضيات بالمنطقة العربية؟
بصراحة ليست لديّ معلومات وافية حول واقع الرياضيات في العالم العربي لكني أعرف أنه في الجزائر كان مستوى الطلبة والأساتذة في السابق جيدا على العموم وكان الطلبة الجزائريون الذين يتنقلون إلى الخارج لا يجدون صعوبة في الدراسة وفرض أنفسهم.
لكن المستوى اليوم، انحدر كثيرا، عندما أرى جنسيات طلبة الدكتوراه هنا في أميركا سواء في الرياضيات أو العلوم أجد قليلا منهم من الطلبة العرب، اليونان مثلا وهو بلد صغير يوفد طلبة أكثر من الدول العربية مجتمعة.
أما ما يجب فعله لمعالجة هذا الوضع السيئ فأعتقد أنه يجب على الخبراء والمهتمين بطرق التدريس تشريح الوضع وفهم الأسباب للخروج بحلول.
أنا أعرف مثلا أن إنشاء جامعات صغيرة مختصة في الرياضيات من العوامل التي تساعد على رفع مستوى الطلبة في هذا التخصص.
فيما يخصني، أعتقد أن أساتذة الرياضيات الذين درست عندهم في الثانوية وحتى في الجامعة كان لهم دور كبير في زرع حب هذه المادة في نفسي. أعتقد أن طريقة التدريس التي يعتمدها الأساتذة مهمة جدا في توصيل الرسالة.
-
في الجزائر تم فتح المدرسة العليا للرياضيات في أكتوبر/تشرين الأول 2021، كيف ترى هذه المبادرة، وما أهميتها في دعم تخصص الرياضيات؟
هي مبادرة جيدة من دون شك لأنها تهدف إلى تكوين نخبة من الباحثين والطلبة في هذا التخصص لكن ذلك لا يكفي لأن العمل على مستوى القاعدة أي ما قبل الثانوية ضروري جدا.
-
هل فكّرت يوما في العودة إلى الجزائر؟
نعم فكرت سابقا في العودة إلى أرض الوطن لكن الظروف لم تكن مواتية أما اليوم فالوقت متأخر فقد تقدمت كثيرا في السن.
-
كلمة أخيرة؟
أريد توجيه كلمة للطلبة الشباب في الجزائر وفي الوطن العربي لأقول لهم إن العالم قد انفتح عليهم منذ عدة سنوات. عندما كنت طالبا في فرنسا كان من الصعب علينا اقتناء نسخة من ورقة بحث علمية، اليوم كل شيء متوفر على الإنترنت، والطالب يمكنه الوصول إلى الكثير من الكتب والبحوث العلمية بطرق سهلة وسريعة جدا.
مثلا، أبحاثي وكتبي والكثير من الدروس التي أقدمها هي موجودة على الإنترنت، وهذا يعني أن هناك فرصا كبيرة لتطوير مستوى الطلبة والبحوث العلمية في الدول النامية والتي في طريق النمو، وهناك دول في أفريقيا وخارجها استفادت كثيرا من ذلك.