تطبيقات مستقبلية عديدة.. بكتيريا تجمع العناصر الأرضية النادرة من مياه الصرف الصحي
اكتشف العلماء أن بعض أنواع البكتيريا الزرقاء يمكنها جمع العناصر الأرضية النادرة من مياه الصرف الصحي، مما يجعلها مصدرا محتملا لإعادة تدوير هذه العناصر الضرورية لإنتاج منتجات عالية التقنية.

اكتشف العلماء أن بعض أنواع البكتيريا الزرقاء تمتص العناصر الأرضية النادرة بكفاءة من مياه الصرف الصحي، حتى عند التركيزات المنخفضة للمعادن، التي زاد عليها الطلب بشكل مطرد نظرا لأنها باهظة الثمن ولا غنى عنها في التكنولوجيا الحديثة.
اكتشف علماء ألمان أن بعض أنواع البكتيريا الزرقاء يمكنها جمع العناصر الأرضية النادرة والضرورية لإنتاج منتجات عالية التقنية من مياه الصرف الصحي، بطريقة سلبية دون الحاجة لبذل أي طاقة أو مغذيات إضافية، مما يجعلها مصدرا محتملا لإعادة تدوير هذه المواد القيمة.
اقرأ أيضا
list of 1 itemويمكن أن يؤدي هذا الاكتشاف المنشور في دورية "فرونتيرز إن بيوإنجينيرنغ أند بيوتكنولوجي" (Frontiers in Bioengineering and Biotechnology) يوم 28 فبراير/شباط الماضي إلى طرق أكثر استدامة وفعالية، من حيث التكلفة للحصول على العناصر الأرضية النادرة، والتي يكون الحصول عليها في الغالب من خلال ممارسات التعدين الضارة بالبيئة.

إمكانات الامتصاص
وفي هذه الدراسة قاس الباحثون إمكانات الامتصاص الحيوي للعناصر الأرضية النادرة بواسطة 12 سلالة جديدة من البكتيريا الزرقاء في المختبر.
وجمع الباحثون العينات البكتيرية من موائل عالية التخصص مثل التربة القاحلة في الصحاري الناميبية، وبحيرات النطرون في تشاد، وشقوق الصخور في جنوب أفريقيا، والجداول الملوثة في سويسرا.
ووجدت الدراسة أن سلالات معينة من البكتيريا الزرقاء يمكنها أن تمتص كميات من العناصر الأرضية النادرة من مصادر المياه الملوثة بشكل فعال، وتمكن الباحثون من استعادة ما يصل إلى 90% من العناصر الأرضية النادرة من الكتلة الحيوية للبكتيريا الزرقاء باستخدام عملية معالجة بسيطة.
واستخدم الباحثون تقنية تسمى التحليل الطيفي بالأشعة تحت الحمراء لتحديد المجموعات الكيميائية الوظيفية في الكتلة الحيوية، ووجدوا أن نوعا جديدا من النوستك (Nostoc)، وهو جنس من البكتيريا الزرقاء يوجد في شكل مستعمرات، كان يتمتع بأعلى قدرة على الامتصاص الحيوي لأيونات العناصر الأرضية النادرة من المحاليل المائية حتى عند التركيزات المنخفضة للمعادن.
وعلى سبيل المثال، تم امتصاص معظم السيريوم في المحلول بيولوجيا في غضون 5 دقائق من بدء التفاعل، ومن ثم يقدم الامتصاص الحيوي عملية مُحسَّنة اقتصاديا وبيئيا لاستعادة وإعادة استخدام المعادن الأرضية النادرة من مياه الصرف الصناعي المخففة من التعدين، والإلكترونيات، وغيرها من القطاعات.
وقال المؤلف الأول للدراسة مايكل بيبر، وهو عالم في جامعة ميونخ التقنية (Technical University of Munich) الألمانية، في بيان صحفي لناشر الدورية العلمية، "كانت العملية أكثر فاعلية عندما لم تكن هناك منافسة على سطح الامتصاص الحيوي للكتلة الحيوية للبكتيريا الزرقاء من الأيونات الموجبة لمعادن أخرى غير العناصر الأرضية النادرة".
وأضاف "وجدنا أن الكتلة الحيوية المشتقة من البكتيريا الزرقاء لها خصائص امتصاص ممتازة، وتجذب هذه المكونات السالبة الشحنة أيونات المعادن الموجبة الشحنة مثل العناصر الأرضية النادرة، وتدعم ارتباطها بالكتلة الحيوية".

عناصر وأهمية
والعناصر الأرضية النادرة مجموعة من 17 فلزا متشابها كيميائيا، حصلت على اسمها لأنها تحدث عادة بتركيزات منخفضة (بين 0.5 و67 جزءا في المليون) داخل قشرة الأرض.
ولأنها لا غنى عنها في التكنولوجيا الحديثة مثل الهواتف المحمولة، والمحركات الكهربائية، وتوربينات الرياح، والأقراص الصلبة، والكاميرات، والمصابيح المنخفضة الطاقة، والمعدات العسكرية، فقد زاد الطلب عليها بشكل مطرد في العقود القليلة الماضية، ومن المتوقع زيادة الطلب أكثر بحلول عام 2030.
وعلى الرغم من اسمها، فإن العناصر الأرضية النادرة ليست نادرة في قشرة الأرض، ولكن من الصعب استخراجها وصقلها. ونتيجة للطلب عليها، فهي باهظة الثمن، وتحتكر الصين تقريبا تعدين العناصر الأرضية النادرة، ولهذا أدت المخاوف بشأن تأمين سلسلة التوريد إلى زيادة الاهتمام بتطوير مصادر بديلة من العناصر الأرضية النادرة للكيانات الاقتصادية الغربية.

التطبيقات المستقبلية
ويستكشف الباحثون طرقا لاستخراج العناصر الأرضية النادرة من مصادر غير تقليدية مثل نفايات الفحم والنفايات الإلكترونية. بالإضافة إلى ذلك، فالجهود جارية لتطوير طرق إعادة تدوير أكثر كفاءة لتقليل الاعتماد على التعدين وتقليل التأثير البيئي.
ولهذا، فإن فكرة استخدام البكتيريا الزرقاء في المعالجة الحيوية واستعادة العناصر الأرضية النادرة هو نهج جديد له إمكانات كبيرة، وقدمت الدراسة الحالية شرحا تفصيليا لكيفية عمل هذه العملية التي لا تشتمل على أي مواد كيميائية أو عمليات يمكن أن تضر بالبيئة، والفوائد التي يمكن أن تجلبها هذه الطريقة المستدامة والصديقة للبيئة.
وهذا يجعلها حلا مثاليا للتعامل مع المشكلة المتزايدة للتلوث، ومن المتوقع أن يصبح هذا النظام مجديا اقتصاديا في المستقبل القريب، حيث من المرجح أن يؤدي استخدام هذه البكتيريا أيضا إلى تقليل كمية النفايات الناتجة أثناء استخراج العناصر الأرضية النادرة، وأن يقلل من الأثر البيئي للتعدين على هذه العناصر.
وفي حين أن اكتشاف هذه البكتيريا أمر مثير للغاية، فلا يزال هناك الكثير من الأبحاث التي يجب القيام بها قبل أن نتمكن من استخدام هذه البكتيريا على نطاق واسع. ومن المهم المضي بحذر لتجنب أي عواقب غير مقصودة لإدخال هذه البكتيريا في أنظمة معالجة مياه الصرف الصحي.
وقد لا يؤدي استخدام هذه البكتيريا إلى القضاء تماما على الحاجة إلى طرق الاستكشاف التقليدية، حيث قد لا تتمكن من استخراج جميع العناصر الأرضية النادرة من مياه الصرف الصحي، لكن هذه الدراسة تسلط الضوء على إمكانية ظهور حلول مبتكرة من مخرجات البحث العلمي وتؤكد أهمية الاستثمار فيه.