حدد شروطا للتعافي.. تقرير أممي يحذر من مشهد كارثي بسبب التغيرات المناخية

تعميم استخدام الطاقات النظيفة من أساسيات التأقلم مع التغيرات المناخية والتخفيف منها (بيكسابي)

أكدت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) -في تقريرها الصادر اليوم الاثنين بشأن التأقلم مع آثار التغيرات المناخية والتخفيف منها والموجه لصناع القرار- ضرورة دعم مزيد من العمل البيئي وتسريعه لضمان الوصول إلى الحد الأدنى من انبعاث الغازات الدفيئة.

ومزج مؤلفو تقرير الهيئة التابعة للأمم المتحدة -الذين ناهز عددهم 100 عالم وباحث- بين التخويف من مشهد كارثي مستقبلا في حالة بقاء الوضع على ما هو عليه، وبين وجود أمل كبير في التعافي إذا تمكنت دول العالم من توفير الشروط الضرورية لتحقيق ذلك.

وجاء هذا التقرير بعد عدة أيام من توقيع حكومات دول العالم على اتفاق تاريخي لمسودة قانون أعالي البحار الذي سيضمن تسيير الموارد البيئية للبحار والمحيطات التي لها دور محوري في التخفيف من آثار التغيرات المناخية.

كما يُعتبر هذا التقرير الذي تمت المصادقة عليه ومناقشته في مدينة إنترلاكن السويسرية، خلال الاجتماع 58 للهيئة بين 13 و17 مارس/آذار الجاري، الإصدار الأخير من سلسلة تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التي بدأت عام 2015، والتي عرفت إصدار 6 تقارير بيئية.

ويتشكل التقرير من 3 محاور أساسية: المحور الأول تناول الوضع الحالي وآخر الأرقام بشأن التغيرات المناخية وتأثيرها السلبي، والمحور الثاني تم تخصيصه للتوقعات وما يمكن أن يحدث مستقبلا في حال بقاء الوضع على ما هو عليه، واستعرض المحور الأخير الحلول وما يمكن للحكومات القيام به للتعافي من هذا الوضع المقلق.

وتجدر الإشارة إلى أن الهيئة ستتوقف عن إصدار تقارير لسنوات، إذ من المنتظر أن تبدأ في العمل على السلسلة السابعة بداية من العشرية القادمة.

مطالبة الحكومات بمزيد من العمل البيئي

وقال رئيس الهيئة الكوري الجنوبي هاوسونغ لي -في البيان الصحفي الصادر حول التقرير- إن "ضمان مزيد من العمل البيئي وتوحيد جهود الحكومات سيضمن ليس فقط وضع حد لفقدان التنوع البيولوجي، ولكن حتى البشر سيعود عليهم ذلك بكثير من الفائدة. هذا التقرير الملخص الموجه لصناع القرار يشكل نداء عاجلا لدعم العمل البيئي، وإذا انطلقنا في مزيد من العمل حاليا يمكننا ضمان مستقبل آمن للعيش على هذا الكوكب".

وأضاف البيان "في عام 2018، كانت الهيئة الدولية الحكومية للتغيرات المناخية قد دعت إلى العمل على تخفيف متوسط درجة حرارة كوكب الأرض بـ1.5 درجة. لكن بعد مرور 5 سنوات، أصبح هذا المطلب بعيد المنال، لأن مستوى انبعاث الغازات الدفيئة لا يزال في أعلى مستوياته".

وأشار إلى أنه "طوال أكثر من قرن من النشاط الصناعي غير العادل الذي يعتمد أساسا على المحروقات واستغلال الموارد بطرق غير مستدامة، والذي كان سببا في ارتفاع مستوى حرارة الأرض مقارنة بالفترة ما قبل الثورة الصناعية كانت النتيجة وخيمة على الطبيعة وعلى البشر على حد السواء".

الظواهر المناخية المتطرفة زادت 15 مرة خلال العشرية المنصرمة (بيكسابي)
الظواهر المناخية المتطرفة زادت 15 مرة خلال العشرية المنصرمة (بيكسابي)

من جهتها، قالت أديتي موخرجي من النيبال -وهي إحدى المشاركات في إعداد التقرير- في البيان الصحفي "تطبيق العدالة المناخية مهم جدا، لأن الذين لم يتسببوا في هذه الظاهرة يعانون أكثر من غيرهم من تأثيراتها في مختلف أصقاع العالم".

وأضافت أن "نصف سكان العالم يعيشون في مناطق متضررة من التغيرات المناخية، فخلال السنوات العشر الأخيرة، زاد عدد الوفيات بسبب الفيضانات والجفاف والأعاصير بمعدل 10 مرات".

وحسب ما جاء في التقرير، فإن ارتفاع درجة حرارة الكوكب تسبب أيضا في ارتفاع مستوى سطح البحر، فمن 0.6 ملم إلى 2.1 ملم في الفترة الممتدة من 1901 إلى 1971، أصبح مقدار الارتفاع ما بين 0.8 إلى 2.9 ملم بين عامي 1971 و2006.

كما تسببت التغيرات المناخية في زيادة تفشي الأمراض النفسية والتنفسية وزيادة انتشار بعض الأمراض المعدية وتقلص مساحات بعض الجزر التي أصبح بعضها مهددة بالاختفاء في المستقبل البعيد.

لكن العشرية المقبلة تُعتبر جد حاسمة وفي غاية الأهمية من أجل تحديد وجهة السفينة وقيادتها نحو برّ الأمان، وفق التقرير الذي استعرض عديدا من النشاطات والسياسات التي يمكن اعتمادها وتسريع تنفيذها لتحقيق كل ذلك.

ضرورة الاعتماد على البحوث العلمية والمعارف التقليدية في إرساء سياسات التأقلم والتخفيف من التغيرات المناخية (بيكسابي)
ضرورة الاعتماد على البحوث العلمية والمعارف التقليدية لإرساء سياسات التأقلم مع التغيرات المناخية والتخفيف منها (بيكسابي)

مفاتيح التنمية المستدامة والتخفيف من انبعاث الغازات الدفيئة

وعرض التقرير ما يمكن لحكومات دول العالم دعمه والعمل عليه من سياسات من شأنها التخفيف من انبعاث الغازات الدفيئة وإرساء قواعد متينة للتنمية المستدامة، والمتمثلة أساسا في الاعتماد على الطاقات النظيفة، وتقليص الاعتماد على وسائل النقل الملوثة للهواء مقابل دعوة الناس إلى الاعتماد أكثر على المشي واستعمال الدراجات الهوائية قدر الإمكان لأن المدن تُعتبر مصدرا مهما في انبعاث الغازات الدفيئة.

كما دعا التقرير إلى الاعتماد أكثر على المعارف والبحوث العلمية في تخصصات التنمية المستدامة والطاقات النظيفة وتطبيقها على أرض الواقع والاستفادة من الموروث المعرفي والثقافي للشعوب الأصلية في استغلال الموارد البيولوجية بطريقة مستديمة.

يضاف إلى ذلك أن تغيير طرق إنتاج الغذاء، وإعادة تهيئة الأراضي الجافة وإحيائها، والاستغلال العقلاني للموارد المائية بطرق مستدامة من بين مفاتيح تخفيف انبعاث الغازات الدفيئة التي ركز عليها التقرير.

وفي البيان الصحفي، قال كريستوفر تريسوس -أحد معدي التقرير- إن ضمان التمويل الكافي هو حجر أساس لتطبيق كل السياسات التي جاء بها التقرير، إذ إن "تفعيل وتسريع العمل البيئي يتطلب أساسا توفير الموارد المالية اللازمة؛ وبدونها لا يمكننا تحقيق الكثير".

وأوضح التقرير أنه حتى تكون السياسات التي تضعها الحكومات فعالة وناجحة يجب إشراك المجتمع المدني في إعدادها وتنفيذها واستقطاب القطاع الخاص الذي يُعتبر رافدا مهما في تمويل برامج التنمية وتخطيط المشاريع.

المصدر : مواقع إلكترونية