بعد أكثر من 3 عقود من الكارثة النووية.. كلاب تشرنوبل أصبحت مختلفة جينيا

هل تسببت اشعاعات تشرنوبيل في طفرة جينية للكلاب التي تعيش هناك ؟
بعض الكلاب الأليفة نجت من كارثة تشرنوبل وعاشت داخل منطقة الحظر المحيطة بالمفاعل النووي (شترستوك)

أظهرت دراسة علمية جديدة، هي الأولى من نوعها، أن الكلاب -التي تعيش حول مفاعل تشرنوبل حيث وقع انفجار نووي كبير أواسط ثمانينيات القرن الماضي- أصبحت مختلفة جينيا عن نظيراتها التي تعيش في أماكن أخرى.

هذا الاكتشاف -الذي نشرت نتائجه مؤخرا بدورية "ساينس أدفانسز" العلمية (Science Advances)- يعتبره العلماء مهما لفهم العلاقة بين الإشعاع والصحة بشكل أفضل.

آثار الإشعاع لدى العديد من الكائنات الحية حول تشيرنوبيل كشفتها العديد من الدراسات
محطة تشرنوبل للطاقة النووية شهدت انفجارا نوويا عام 1986 أدى لإطلاق كمية كبيرة الإشعاعات (شترستوك)

كلاب سائبة بموقع الكارثة

عام 1986، انفجر أحد مفاعلات محطة تشرنوبل للطاقة النووية في أوكرانيا، مما أدى إلى إطلاق كمية كبيرة من التلوث الإشعاعي في الغلاف الجوي الذي انتشر بجميع أنحاء أوروبا وأميركا الشمالية.

واضطر السكان حينها إلى مغادرة المنطقة على عجل الساعات الأولى التي أعقبت الانفجار، وأصدرت الحكومة الأوكرانية لاحقا تعليمات بقتل الحيوانات الأليفة التي تخلى عنها السكان.

لكن بعض الكلاب الأليفة نجت من العملية وعاشت داخل منطقة الحظر المحيطة بالمفاعل بقُطر 30 كيلومترا. ومع مرور الوقت قام أعضاء فرق التدخل -العاملة في مشروع عزل محطة الطاقة النووية بعد الكارثة- بإطعام هذه الحيوانات والعناية بها، ثم تركت بعد ذلك لتدبر أمرها بنفسها.

وتشير التقديرات حاليا إلى أن أكثر من 800 من "أحفاد" هذه الكلاب يعيشون داخل المفاعل وحوله.

اليوم وبعد مرور حوالي 4 عقود، لا تزال العناصر المشعة التي تم إطلاقها عقب الكارثة تتخلل التربة والمياه، وتحمل آثارها الحيوانات التي تعيش في منطقة الحظر، بما في ذلك كلاب تشرنوبل.

لكن كيف أثرت الإشعاعات على جينات هذه الكائنات مع مرور الوقت؟

يعتقد العلماء أن الإجابة عن هذا السؤال -من خلال دراسة حمضها النووي- يمكن أن تساعدهم على فهم أفضل الآثار التي تتركها على وظائف الأعضاء والصحة.

مجموعة الكلاب تعيش حول محطة الطاقة النووية لأصبحت تشكل عائلة منفصلة وراثيا
مجموعة الكلاب التي تعيش حول محطة الطاقة النووية تشكل عائلة منفصلة وراثيا (شترستوك)

اكتشاف اختلاف جيني

بحسب تقرير نشر على موقع "ديلي جيك شو" (Daily Geek Show) قام باحثون من المعهد الوطني الأميركي لأبحاث الجينوم البشري (National Human Genome Research Institute) بين عامي 2017 و2019 بأخذ عينات دم لأكثر من 300 كلب طليق يعيش بالقرب من محطة تشرنوبل لتحديد التسلسل الجيني الخاص بها.

تنقسم هذه العينة إلى 3 مجموعات، تعيش الأولى داخل منشأة تشرنوبل أو بالقرب منها وتتكون من 132 كلبا، والثانية على بعد حوالي 15 كيلومترا من المحطة وتتكون من 154 كلبا، والثالثة على بعد 45 كيلومترا من موقع الانفجار وتضم 16 كلبا.

ومن خلال دراسة التغيرات الطفيفة بالحمض النووي، تمكن الفريق من قياس التشابه الجيني لهذه المجموعات. وبمقارنة التركيبة الجينية لها بتلك الخاصة بالكلاب التي من نفس النوع وتعيش في مناطق بعيدة، كشف الفريق أن مجموعة الكلاب التي تعيش حول محطة الطاقة النووية تشكل عائلة منفصلة وراثيا ومغلقة.

ورغم أن الباحثين توصلوا إلى أن الطفرة المكتشفة لدى هذه المجموعة لم تنتقل وراثيا بين الأجيال المتعاقبة، فإن الدراسة لا تؤكد بشكل قاطع أن الإشعاع بمنطقة الكارثة كان سببا في هذه التغيرات، خاصة وأن العزلة والتزاوج بين أفراد من نفس العائلة القريبة يمكن أن يسبب تغييرات مثل تلك التي لاحظها الفريق في الحمض النووي للمجموعة.

محطة تشيرنوبيل للطاقة النووية شهد انفجارا نوويا عام 1986 أدى إلى إطلاق كمية كبيرة الإشعاعات
آثار الإشعاع لدى العديد من الكائنات الحية حول تشرنوبل كشفتها العديد من الدراسات (شترستوك)

تطوير الحماية من الإشعاع لدى الإنسان

ومع أن نتائج الدراسة لم تكن قاطعة حول علاقة الإشعاع بالطفرات التي وجدت لدى الكلاب كأول الثدييات التي تمت دراستها حول تشرنوبل، فإن أبحاثا سابقة توصلت إلى الكشف عن آثار الإشعاع لدى العديد من الكائنات الحية المختلفة في المنطقة، من الحشرات إلى الطيور.

فعلى سبيل المثال، أظهرت ورقة بحثية نشرت عام 1997 أن طيور السنونو -التي تعرضت للإشعاع حول تشرنوبل- لديها المزيد من الطفرات وجعلت لونها يميل أكثر للبياض. وأظهرت دراسات أخرى انخفاضا في التنوع البيولوجي بالمناطق الملوثة وفق تقرير نشره موقع "سي نت" (CNET).

كما اكتشف العلماء نوعا من الفطريات يحتوي على مستويات عالية من الميلانين، وهو صبغة قادرة على امتصاص الإشعاع وتحويله إلى طاقة. ويمكن أن يعمل إنتاج مستويات عالية من الميلانين كنوع من واقي الشمس أو "درع" وقائي لرواد الفضاء المعرضين للإشعاع الكوني، وفق نفس المصدر.

وبحسب المؤلفين، فإن الدراسات المستقبلية -التي ستعتمد على نتائج هذه الدراسة الجديدة- سوف تساهم في الكشف عن كيفية تأثير البيئات المشعة على التركيبة الجينية للحيوانات، وبالتالي في تحديد المتغيرات الجينية التي تزيد من مقاومة السرطان أو تساعد في تطوير الحماية من الإشعاع لدى الإنسان أو الكائنات الأخرى.

المصدر : مواقع إلكترونية

إعلان