كيف تتكون البحيرات الجليدية ولماذا تعرّض حياة 15 مليون شخص للخطر؟

المناطق الأكثر خطورة ليست تلك التي بها البحيرات الجليدية الأكبر أو الأكثر عددًا أو الأسرع نموًّا كما قد يتوقع. ولكن بدلا من ذلك، فإن عدد الأشخاص داخل المنطقة وقدرتهم على التعامل مع الكوارث هو الأمر الأساسي لتحديد الخطر

فيضان البحيرات الجليدية يهدد حياة أكثر من 15 مليون شخص (غيتي)

توصلت دراسة حديثة نشرت في دورية "نيتشر كومينكيشن" (Nature Communications) العلمية في فبراير/شباط الجاري، إلى أن 15 مليون شخص يواجهون خطر حدوث فيضانات كارثية بسبب البحيرات الجليدية.

ويتركز هؤلاء الأشخاص المعرضة حياتهم للخطر في 4 بلدان فقط؛ هي الهند، وباكستان، وبيرو، والصين، حيث تنتشر البحيرات الجليدية، ما يؤدي إلى تعرض السكان للكوارث المناخية نتيجة الفيضانات المفاجئة.

وبحسب موقع "هيئة الإذاعة البريطانية" (BBC)، فإن البحيرات الجليدية تتكون من تراجع الأنهار الجليدية حيث تتجمع المياه الذائبة منها بسبب ارتفاع درجة حرارة المناخ، لتشكل هذا النوع من البحيرات. وعلى الرغم من أنه لم يتم بعد تحديد تأثير الاحتباس الحراري على فيضانات البحيرات الجليدية، فإنه تسبب في زيادة حجمها وعددها في جميع أنحاء العالم.

وتعد الدراسة التي قام بها باحثون من جامعة نيوكاسل بالمملكة المتحدة، هي الأولى من نوعها في العالم لأنها لم تقيّم الظروف المادية الخاصة بالبحيرات الجليدية فحسب، بل قامت أيضًا بقياس مدى خطورتها على المجتمعات المحيطة.

وتعد الدراسة محاولة أولى لرسم خريطة للنقاط الساخنة المحتملة لمثل هذه الفيضانات.

ذوبان الأنهار وتشكّل البحيرات الخطيرة

تتكون الأنهار الجليدية على مدى ملايين السنين من الثلج المضغوط، وهي حساسة جدًّا للتغيرات المناخية، إذ تعد مؤشرًا واضحًا للاحترار المناخي على مدى العقود الثلاثة الماضية، فقد لوحظ انخفاض كبير في كتلتها عالميًّا، ومن المرجح أن يستمر هذا الانخفاض.

ويتوقع العلماء ذوبان واختفاء نصف الأنهار الجليدية في العالم والتي يقدر عددها بـ215 ألف بوتيرة أسرع مما كان يعتقد سابقًا، بالنظر إلى ارتفاع درجات الحرارة بحلول نهاية هذا القرن.

وقد توصلت الدراسة الجديدة بقيادة كارولين تايلور، باحثة المخاطر الطبيعية من جامعة نيوكاسل إلى أنه بذوبان تلك الأنهار ستتعرض حياة الملايين حول العالم لخطر الفيضانات المفاجئة.

ووفقا لموقع "إنفيرس" (Inverse)، فإنه نتيجة لذوبان الأنهار، تتجمع المياه الذائبة وتشكل البحيرات الجليدية. وعندما تفيض المياه من هذه البحيرات وتتدفق فجأة بسبب الانهيارات الثلجية أو الظواهر الأخرى، فإن المياه تغمر المنطقة المحيطة لتسبب أضرارًا شبيهة بأضرار انهيار السدود.

ويشير العلماء إلى هذه الظاهرة باسم "فيضانات البحيرات الجليدية" (GLOF).

البحيرات الجليدية تتسبب بأضرار شبيهة بأضرار انهيار السدود عندما تتدفق مياهها فجأة بسبب الانهيارات الثلجية أو الظواهر الأخرى، لتغمر المناطق المحيطة بها (غيتي)

ووفقا للعلماء، فإنه من الصعب للغاية التنبؤ بالوقت الذي ستفيض فيه البحيرات الجليدية؛ فغالبًا ما يحدث هذا النوع من الفيضانات المدمرة فجأة ودون تحذير مسبق تقريبا، ليكتسح البلدات ويقتل المئات إن لم يكن الآلاف من الناس ويدمر أي بنية تحتية في طريقه كما أن مسار التدمير الذي تسلكه الفيضانات يمكن أن يمتد لأكثر من 120 كيلومترًا.

ويختلف تأثير الفيضانات على مستوى العالم، ففي السنوات الـ70 الماضية، قتل عدة آلاف من الأشخاص بسبب فيضانات البحيرات الجليدية في كورديليرا بلانكا في بيرو وحدها، في حين أن 393 حالة وفاة فقط في جبال الألب الأوروبية يمكن ربطها مباشرة بنشاط فيضانات البحيرات الجليدية خلال ألف عام.

وبالتالي، فإن استمرار ذوبان الجليد والتوسع في البحيرات الجليدية بسبب تغير المناخ، يمثل خطرًا طبيعيًّا عالميًّا مهمًّا يتطلب اهتمامًا عاجلاً لتقليل الخسائر بالأرواح في المستقبل.

الباحثون لاحظوا أن البحيرات الجليدية كبرت في الحجم والعدد على مدى العقود الثلاثة الماضية (غيتي)

السكان الأكثر تعرضًا للخطر

ويذكر موقع "ساينس ألرت" (Science Alert)، أن تايلور وزملاءها قاموا بتقييم المخاطر التي تشكلها البحيرات الجليدية على مستوى العالم للأشخاص الذين يعيشون في مجراها، من أجل مساعدة الأشخاص الأكثر تعرضا للخطر.

وجمع الباحثون معلومات عن ظروف البحيرات الجليدية التي كانت تزداد في الحجم والعدد على مدى العقود الثلاثة الماضية، وحول المجتمعات التي تعيش في اتجاه مجرى النهر. وقد أخذ الباحثون في الحسبان قرب المجتمعات من فيضان محتمل ومدى احتمالية تأثرهم إذا انفجرت البحيرة.

وأظهر التحليل أن المناطق الأكثر خطورة ليست تلك التي بها البحيرات الجليدية الأكبر أو الأكثر عددا أو الأسرع نموا كما قد يتوقع. ولكن بدلا من ذلك، فإن عدد الأشخاص داخل المنطقة وقدرتهم على التعامل مع الكوارث هو الأمر الأساسي لتحديد الخطر.

ووفقا للدراسة، يعيش 90 مليون شخص بـ30 دولة في 1089 حوضًا تحتوي على بحيرات جليدية. وتشير الدراسة إلى أن 15 مليونا أي 16.6% من هؤلاء يعيشون على بُعد 50 كيلومترا من بحيرة جليدية، وعلى بُعد كيلومتر من مسارات نفاذ فيضانات البحيرات الجليدية المحتملة. كما وجدت الدراسة أن 62% أي 9.3 ملايين من السكان المعرضين عالميًّا للخطر يقعون في جبال آسيا العليا.

وعلى الصعيد العالمي، تختلف نسبة السكان المعرضين بشكل كبير للخطر بين البلدان، حيث تحتوي الهند وباكستان على أكبر عدد من الأشخاص المعرضين للخطر بحوالي 3 ملايين، ومليوني شخص على التوالي، بينما تحتوي آيسلندا على أقل عدد بـ260 شخصًا.

4 دول فقط ذات كثافة سكانية عالية تمثل أكثر من 50% من السكان المعرضين للخطر عالميًّا (غيتي)

وتمثل 4 دول فقط ذات كثافة سكانية عالية أكثر من 50% من السكان المعرضين عالميا للخطر وهي الهند، وباكستان، وبيرو، والصين.

وبينما توجد بحيرات جليدية في أماكن مثل سويسرا أو شمال غرب المحيط الهادي للولايات المتحدة، فإن الفيضانات من هذه البحيرات لا تشكل تهديدًا كبيرًا لأنها تقع في مناطق ريفية قليلة السكان.

وفي منطقة الأنديز، لوحظ ارتفاع عدد البحيرات الجليدية بنسبة هائلة بلغت 93% في العقدين الماضيين بسبب ذوبان الأنهار الجليدية. وشكل اقتراب الناس أكثر من تلك البحيرات للسكن، زيادة في خطر تعرض المنطقة للفيضانات.

وتوصلت الدراسة كذلك، إلى أن الأشخاص الذين يعيشون بالقرب من جبال الأنديز في أميركا الجنوبية في بوليفيا وبيرو معرضون للخطر بشكل خاص بسبب الفقر والفساد الحكومي، فقد تبين أن حجم البحيرات ليس هو العامل الأهم، ولكن عوامل أخرى مثل عدد الأشخاص والعوامل الاجتماعية والاقتصادية هي التي تحدد مدى خطر الفيضانات.

المصدر : بي بي سي + ساينس ألرت + مواقع إلكترونية