ماذا يحدث عند تجاوز سرعة الضوء؟ دراسة تضع إجابة افتراضية

ماذا يحدث إذا تم تجاوز سرعة الضوء (من غيتي إيمدجز)
إذا انطلقت جسيمات بسرعة أعلى من سرعة الضوء، فإنها ستواجه معضلات تتعلق بعكس الزمن، وستقلب مفاهيم السببية رأسا على عقب (غيتي)

"لا شيء أسرع من الضوء"، تلك هي القاعدة الفيزيائية المطلقة التي تنحني لها كل قواعد الفيزياء الحديثة، وتمثل جوهر نظرية "النسبية الخاصة" لأينشتاين، فكلما زادت سرعة جسم ما، تجمد الوقت بالنسبة له من منظور هذا الجسم حتى يصل إلى السكون والتوقف التام.

نهاية السببية

إذا انطلقت جسيمات بسرعة أعلى من سرعة الضوء -مثل جسيمات "تاكيونات" (Tachyon)- فإنها ستواجه معضلات تتعلق بعكس الزمن، وستقلب مفاهيم السببية رأسًا على عقب.

والسببية هي المبدأ الأساسي في الفيزياء، فإذا كانت هذه الجسيمات قادرة على إرسال المعلومات بسرعة تفوق سرعة الضوء، وفقًا لنظرية النسبية الخاصة، فإن التاكيونات ستكسر علاقة السببية.

لتبسيط الأمر، إذا كان هناك حدثان أحدهما يمثل إرسال الإشارة من مكان ما، والثاني يمثل استقبال تلك الإشارات في مكان مختلف، فما دام أن الإشارة تتحرك بسرعة الضوء وأقل، فإن رياضيات الوقت تؤكد أن كل اللحظات المرجعية تتفق على أن حدث الإرسال قد حدث قبل الاستقبال.

أما بافتراض إشارة تتحرك بسرعة فوق ضوئية، فإن علاقة السببية ستنعكس، وستحدث النتيجة قبل السبب! وستكون هناك لحظات تم فيها استقبال الإشارة قبل إرسالها، لذا فإن هذه الإشارات تسافر إلى الماضي لأن إحدى الفرضيات الأساسية لنظرية النسبية الخاصة تقول "إن قوانين الفيزياء يجب أن تعمل بالطريقة نفسها بكل لحظة، وإذا كان من الممكن للإشارات أن تسافر للماضي في لحظة ما، فيجب أن يكون ذلك ممكنا في كل اللحظات".

فإذا كان المراقب (أ) يرسل إشارة للمراقب (ب)، وكانت هذه الإشارة تسير بسرعة فوق ضوئية، فإنها ستصل إلى المراقب (ب) في لحظة سابقة في الزمن، وحينها سيرسل المراقب (ب) إشارة أخرى كـ"رد" ستتحرك أيضا بسرعة فوق ضوئية لتصل إلى المراقب (أ) في لحظة أسبق من الزمن أيضًا. باختصار، سيستقبل المراقب (أ) الرد قبل إرسال الإشارة الأصلية.

"لا شيء أسرع من الضوء" المبدأ الأساسي في نظرية النسبية الخاصة لأينشتاين (شترستوك)
"لا شيء أسرع من الضوء" المبدأ الأساسي في نظرية النسبية الخاصة لأينشتاين (شترستوك)

نظريات فيزيائية جديدة

لكن باحثين من جامعة وارسو في بولندا وجامعة سنغافورة الوطنية قرروا فتح حدود جديدة في نظرية النسبية للوصول إلى قواعد لا تتعارض مع الفيزياء الحالية، بل تمهد كذلك الطريق أمام نظريات فيزيائية جديدة، ونشروا دراستهم البحثية في دورية "كلاسيكال آند كوانتم غرافيتي" (Classical and Quantum Gravity) يوم 30 ديسمبر/كانون أول الماضي.

ووفقا لما جاء في البيان الصحفي للدراسة -المنشور على موقع "فيز دوت أورغ" (Phys.org)- فقد قدم الباحثون تصورا يدفع نظرية النسبية الخاصة لآفاق جديدة يقوم على 3 أبعاد زمنية وبعد مكاني واحد (زمكان 3 +1)، وذلك بخلاف ما قدمته نظرية النسبية التي تقوم على 3 أبعاد للمكان وبعد واحد للزمان.

وحتى لا تكون سببًا في تناقضات منطقية صارخة، قدمت الدراسة الجديدة مزيدا من الأدلة التي تعزز تصور أن الأجسام قد تتجاوز سرعة الضوء من دون أن تكسر قوانين الفيزياء الحالية.

تعتمد هذه الدراسة الجديدة على الدراسات السابقة لبعض الباحثين المشاركين، التي تفترض أن مفهوم تجاوز سرعة الضوء قد يسهم في مد جسور التوافق بين ميكانيكا الكم ونظرية النسبية الخاصة لأينشتاين، وهما فرعان من الفيزياء لا توجد نظرية شاملة موحدة توفق بينهما وتصف الجاذبية كما تصف القوى الكونية الأخرى.

ووفقا للإطار الذي تطرحه الدراسة الجديدة، لن يتم تصوير الجسيمات أو وصفها كعناصر تشبه النقط كما هي الحال في التصورات الحالية الشائعة ثلاثية الأبعاد للكون (بالإضافة إلى الوقت). وبدلًا من ذلك، لفهم ما قد يراه المراقب وسلوكيات الجسيمات الأسرع من الضوء، تستعين الدراسة بأنواع نظريات المجال أو الحقل الكمي التي تقوم عليها فيزياء الكم.

وفي إطار النموذج الجديد، ستبدو للمراقب (الناظر) الأجسام الأسرع من الضوء مثل جسيمات تتسع وتتمدد مثل فقاعة في الفضاء، وهي في ذلك لا تختلف عن الموجات التي تمر في مجال معين. ومن ناحية أخرى، فإن هذا الجسم الأسرع من الضوء سيشهد العديد من المسارات أو الخطوط الزمنية المختلفة.

وفي الوقت نفسه، وبالرغم من ذلك، فإن سرعة الضوء في الفراغ ستبقى ثابتة حتى للمراقبين الذين سيتفوقون على سرعة الضوء، وهو ما يحافظ على أحد المبادئ الأساسية لأينشتاين، وهو مبدأ نشأ تصوره من منظور المراقبين الذين يتحركون بسرعات أقل من سرعة الضوء (كما هي حالنا جميعًا).

يقول عالم الفيزياء أندريه دراغان، أحد الباحثين المشاركين في الدراسة، "يحافظ تعريفنا الجديد على افتراض أينشتاين بثبات سرعة الضوء في الفراغ حتى بالنسبة للمراقبين الذين يجتازون سرعة الضوء، وهو ما يجعل تصورنا لتوسيع حدود النظرية الخاصة ليس شطحة مبالغا فيها".

أسئلة جديدة

رغم أن التحول إلى نموذج البعد الواحد للمكان والأبعاد الثلاثة للزمن يجيب على بعض الأسئلة -حسبما يقر الباحثون- فإنه يفجر بدوره بعض الأسئلة الجديدة، ويؤكدون ضرورة توسيع نظرية النسبية الخاصة لدمج الإطارات المرجعية (المراقبين) الأسرع من الضوء.

قد يتضمن ذلك الاستعانة ببعض المفاهيم من نظرية المجال الكمي، وهي عبارة عن مزيج من المفاهيم من النسبية الخاصة، وميكانيكا الكم، ونظرية المجال الكلاسيكية (التي تهدف إلى التنبؤ بتفاعل المجالات الفيزيائية مع بعضها بعضا).

وإذا كان باحثو الدراسة على صواب، فإن جسيمات الكون ستحظى جميعًا بخصائص فائقة في المفهوم الجديد لتوسيع نطاق نظرية النسبية الذي تقترحه الدراسة. وأحد الأسئلة التي أثارها البحث هو ما مدى قدرتنا على مراقبة هذا السلوك الجديد للجسيمات، لكن الإجابة عن ذلك ستتطلب من الباحثين كثيرا من الوقت.

لم تحسم الدراسة السؤال المتعلق بالوجود الفعلي لجسيمات التاكيون، وهي جسيمات افتراضية تتحرك دومًا بسرعة تفوق سرعة الضوء. وفي الوقت الحالي، يظن أغلب العلماء أن الجسيمات الأسرع من الضوء لا يمكن أن توجد في الطبيعة، لأن ذلك لا يتوافق مع قوانين الفيزياء، وإن وجدت فقد تُستخدم لبناء جهاز تشويش تاكيوني، وإرسال إشارات أسرع من الضوء، وسوف تؤدي إلى خرق الطبيعة، حسب نظرية النسبية الخاصة.

وفي المقابل، فإن بعض النظريات المنسجمة مع الطاقة الكامنة للجسيمات ما فوق الضوئية لا ترى في هذه الجسيمات ما يخرق الطبيعة، على عكس نظرية "ثابت لورنز" المماثلة لنظرية النسبية الخاصة، ولذلك فإن سرعة الضوء ليست عائقا أمام وجود هذه الجسيمات بالضرورة. ورغم المجادلات النظرية المعارضة لوجود الجسيمات ما فوق الضوئية، فلم تجرَ التجارب العلمية حتى الآن للتأكد من وجود التاكيونات، كما لا يوجد أي برهان قاطع على وجودها.

المصدر : فيز دوت أورغ + مواقع إلكترونية