باستخدام الألياف الضوئية.. شبكة عالمية منخفضة التكلفة للتنصت على الأرض

يمكن أن يكون هذا مرصدا عالميا يغير قواعد اللعبة لعلوم المحيطات والأرض، حيث ستستخدم شبكات الألياف الضوئية بهدف مراقبة الحيتان والعواصف والزلازل والسفن وغيرها.

تمتد كابلات الألياف الضوئية التي تتقاطع حول كوكب الأرض لأكثر من 1.2 مليون كيلومتر (شترستوك)

تمتد كابلات الألياف الضوئية التي تتقاطع حول كوكب الأرض لأكثر من 1.2 مليون كيلومتر، تحمل المكالمات الهاتفية العالمية وإشارات الإنترنت والبيانات، ولكن يبدو أن هذه الشبكة قد تكون ذات فائدة أخرى لعلوم الأرض والمحيطات.

شبكة عالمية منخفضة التكلفة

عن طريق ربط شبكة الألياف الضوئية مع أنظمة الاستشعار عن بعد الحالية مثل الأقمار الاصطناعية، يمكن خلق شبكة عالمية للمراقبة في الوقت الفعلي منخفضة التكلفة، "ويمكن أن يكون هذا مرصدا عالميا يغير قواعد اللعبة لعلوم المحيطات والأرض"، حسب ما أفاد مارتن لاندرو، الأستاذ في قسم الأنظمة الإلكترونية في الجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا (NTNU) ورئيس مركز التنبؤ الجيوفيزيائي.

أندرو هو المؤلف الرئيسي لبحث حول كيفية عمل هذا النظام نُشر في دورية "نيتشر ساينتفيك ريبورتس" (Nature Scientific Reports)، ويدور حول استخدام شبكات الألياف الضوئية لمراقبة الحيتان والعواصف والزلازل والسفن عن طريق الأدوات الجديدة التي يمكن استخدامها لاستخراج المعلومات من هذه الشبكات، وتحديدا الأداة المسماة "بالمستجوب".

تمكن الباحثون من اكتشاف أكثر من 800 نطق للحيتان الزرقاء وحيتان الزعانف (شترستوك)

أدوات جديدة للتنصت

يمكن توصيل "المستجوب" (The interrogator) بشبكة كابلات الألياف الضوئية لإرسال نبضة ضوئية عبر الكابل، وفي أي وقت تضرب فيه موجة صوتية أو موجة فعلية الكابل الموجود تحت الماء، تنثني الألياف قليلا، وعندها يمكن قياس الامتداد النسبي للألياف بدقة بالغة.

ويشرح لاندرو في البيان الصحفي الذي نشر على موقع الجامعة قائلا "لقد كانت هذه التكنولوجيا موجودة منذ فترة طويلة، لكنها قطعت خطوة كبيرة إلى الأمام في السنوات الخمس الماضية، لذلك نحن الآن قادرون على استخدام هذا لمراقبة وقياس الإشارات الصوتية عبر مسافات تصل إلى ما بين 100 و200 كيلومتر. هذا هو الشيء الجديد".

استخدم فريق لاندرو، بالتعاون مع باحثين من الوكالة النرويجية للخدمات المشتركة في التعليم والبحث (Sikt)، و"شبكات الغواصات ألكاتيل النرويج" (Alcatel Submarine Networks Norway  AS) -التي ورّدت أدوات المستجوب- كابل ألياف ضوئية بطول 120 كيلومتر بين لونجييربين (أكبر مستوطنة في سفالبارد) وني-أليسوند (موقع بحثي على الساحل الجنوبي الغربي لأكبر جزيرة في الأرخبيل)، وراقبوا الكابل لمدة 44 يوما في عام 2020، وسجلوا أكثر من 800 صوت للحيتان.

احتار الباحثون من سلسلة من الموجات وبسبب التقنية الجديدة أدركوا أنها موجات أرسلتها العواصف البعيدة (شترستوك)

نظام مراقبة الحيتان

يذكر البيان الصحفي أيضا أن تجربة استشعار ومراقبة الحيتان ( Distributed Acoustic Sensing (DAS)) تظهر استخداما جديدا تماما لهذا النوع من البنية التحتية للألياف الضوئية، مما أدى إلى علم ممتاز وفريد من نوعه.

يقول أولاف شيلديروب رئيس شبكة البحث والتطوير الوطنية في "سيكت" في مقال سابق حول مشروع المراقبة "كان الهدف من كابل الألياف بين لونجييربين وني-أليسوند، الذي تم إنتاجه في عام 2015 بعد 5 سنوات من التخطيط والعمل المسبق، هو خدمة مجتمع البحث والمحطة الجيوديسية في ني-أليسوند".

ورغم جودة التقنية، فإنها لا تزال محدودة بنطاق التغطية المتاح لها، والتي يأمل الباحثون أن تتطور في المستقبل لتتخطى محطات التقوية، يشرح لاندرو قائلا "رغم أن المستجوبين الحاليين ليسوا قادرين بعد على الإحساس بما هو أبعد من أجهزة التقوية المستخدمة عادة في كابلات الألياف الضوئية الطويلة، فإن التكنولوجيا تتطور بسرعة كبيرة ونتوقع أن نكون قادرين على التغلب على هذه القيود قريبا".

تمكن الباحثون أيضا من اكتشاف السفن التي تمر فوق الكابل أو قريبا منه (شترستوك)

تتبع السفن

يذكر الباحثون في البيان أيضا أنه في أثناء عملية اكتشاف نداءات الحيتان تمكن الباحثون أيضا من اكتشاف السفن التي تمر فوق الكابل أو قريبا منه وسلسلة من الزلازل ونمط غريب من الموجات التي أدركوا في النهاية أنها كانت بسبب عواصف بعيدة، وقال لاندرو إن القياسات كانت دقيقة بما يكفي بحيث يمكن ربط قياساتها بكل حدث وقع، بما في ذلك زلزال كبير في ألاسكا.

ويضيف لاندرو "لقد رأينا الكثير من حركة السفن بالطبع، وكذلك الكثير من الزلازل، كان أكبرها من ألاسكا. لقد كانت كبيرة، رأيناها على كل قناة (في الكابل) لكل 120 كيلومتر. ورأينا أيضا أنه يمكننا اكتشاف العواصف البعيدة".

وكان أحد الأمثلة على كيفية تمكن النظام من اكتشاف السفن المشاركة في نوربيورن، وهي سفينة شحن عامة تم اكتشافها وهي تعبر كابل الألياف الضوئية على بعد حوالي 86.5 كيلومترا من لونجييربين، وتمكن الباحثون من تقدير سرعة السفينة من مسارها عبر الكابل، ثم تمكنوا من التحقق من ذلك باستخدام مسار نظام التعرف التلقائي للسفينة (AIS).

التقنية الجديدة يمكنها كذلك المساعدة في اكتشاف الزلازل وأماكن وقوعها (شترستوك)

مراقبة العواصف والزلازل

كان الباحثون في حيرة من سلسلة من الموجات التي اكتشفوها خلال فترة المراقبة، واستمر كل حدث ما بين 50 و100 ساعة، حيث زاد تواتر الموجات بشكل رتيب خلال الحدث، لكنهم أدركوا في النهاية أن الإشارات الغامضة كانت عبارة عن الموجات التي أرسلتها العواصف البعيدة، وباستخدام الحسابات حدد فريق لاندرو العاصفة الاستوائية إدواردو في خليج المكسيك، التي كانت تبعد 4100 كيلومتر عن سفالبارد، كما حددوا عاصفة كبيرة قبالة البرازيل على بعد 13 ألف كيلومتر من كابل سفالبارد.

يمتلك الجيولوجيون بالفعل شبكة من أجهزة الاستشعار التي تساعدهم في مراقبة وقياس الزلازل، وهي أدوات حساسة وتوفر قدرا كبيرا من المعلومات التفصيلية، إلا أنها أجهزة باهظة الثمن، كما أنها ليست موزعة على نطاق واسع مثل شبكة كابل الألياف البصرية في العالم، والعيب الوحيد لشبكة الألياف الضوئية هو أن لديها نسبة إشارة إلى ضوضاء أقل، مما يعني أنه قد يكون هناك الكثير من الضوضاء في الخلفية، وأن الإشارات الزلزالية لن تكون واضحة أو قوية في مقابل هذه الضوضاء.

لكن ميزة شبكة الألياف هي أنها منتشرة وموجودة بالفعل، مما يعني أنها يمكن أن توفر معلومات إضافية لمقاييس الزلازل الموجودة، ولن تكون الفكرة استبدال النظام الحالي ولكن استكماله.

تؤثر خطوط أنابيب النفط والغاز في طبيعة الحياة البحرية تأثيرًا واضحًا
هناك محاولات لاستخدام شبكات الألياف الضوئية لمراقبة خطوط الأنابيب تحت سطح البحر (شترستوك)

مراقبة أنابيب الغاز تحت الماء

هناك أيضا محاولات لاستخدام شبكات الألياف الضوئية الحالية لمراقبة خطوط الأنابيب تحت سطح البحر، خاصة بعد الانفجار الذي حدث في أواخر سبتمبر/أيلول الماضي وألحق أضرارا بخط أنابيب نورد ستريم 1 و2.

ويتساءل الباحثون عن استخدام تقنية الألياف الضوئية هذه لمراقبة وحماية البنية التحتية في قاع البحر، لكن التحدي مع خطوط الأنابيب هو أنها تحدث ضوضاء، حيث يتدفق الغاز عبر الأنبوب.

يقول لاندرو "مع ضوضاء الخلفية، علينا أن نميز التباين الطبيعي. ثم إذا كان لديك شيء يقترب من خط الأنابيب هذا، فما الحدود الآمنة لهذا الاقتراب؟ متى تتصرف وما الذي يمكنك اكتشافه؟ نحن لا نعرف. لذا فإن الخطة هي إجراء اختبارات مخصصة في هذا الشأن".

وفي النهاية قد تكون الفكرة هي المراقبة في الوقت الفعلي لخطوط الأنابيب للتأكد من أنها آمنة، خاصة أن الباحثين يمتلكون تيارا حقيقيا من البيانات الصوتية من شبكة ألياف سفالبارد.

المصدر : مواقع إلكترونية