العالم رشيد اليزمي: المغرب لديه مؤهلات لصناعة بطاريات الليثيوم ذات الجودة العالية

الدكتور اليزمي على الجائزة تحت اسم البروفيسور "ستانلي ويتينغهام" (Stanley Whittingham) الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء لعام 2019 منتدى الاستدامة في الطاقة والبيئة بتايلاند 2022 ( رشيد اليزمي) مواقع التواصل
الدكتور رشيد اليزمي يتسلم جائزة البروفيسور "ستانلي ويتنغهام" بمنتدى الاستدامة في الطاقة والبيئة بتايلند 2022 (فلوريان كونغولي، فلوجن ستارز أوتريتش)

تبدو مسيرة العالم المغربي رشيد اليزمي استثنائية لحد كبير، فهو الملقب بـ "أبو البطاريات " ويعود له الفضل باختراع الطابق الناقص في البطاريات الذي أطلق عليه "لانود كرافيك" بين عامي 1979و1980 لتطوير بطاريات الليثيوم القابلة للشحن، هذه الشريحة التي توجد الآن ضمن مكونات بطاريات الهواتف النقالة.

ويعتبر الدكتور اليزمي من الأسماء البارزة في مجال تطوير بطاريات الليثيوم القابلة للشحن في العالم، وقد توصل مؤخرا إلى اختراع جديد يسمح بشحن بطاريات السيارات الكهربائية في وقت قياسي.

وكان من أبرز الباحثين بالمعهد الوطني الفرنسي في باريس، قبل أن ينتقل إلى أميركا للعمل بمعهد "كالتك" لمدة 10 سنوات متعاونا مع وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" لتوظيف البطاريات القابلة للشحن في المركبات الفضائية. وكانت أول بطارية ذهبت للمريخ تتضمن اختراع هذا العالم المغربي "لانود كرافيك".

ورغم التزاماته الكثيرة، ما زال اليزمي يكرس وقته لتطوير مجموعة الاختراعات والمشاريع البحثية والصناعية بمجال الطاقة وتطبيقاتها في كل من سنغافورة والمغرب، فضلا عن حضوره القوي بالمؤتمرات والمنتديات العالمية، وكان آخرها منتدى "الاستدامة في مجال الطاقة والبيئة" في تايلند يوم 29 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

وخلال هذه المسيرة العلمية الحافلة للدكتور اليزمي، تم تكريمه بالعديد من الجوائز العالمية المرموقة بمجال الطاقة، وكان آخرها حصوله على جائزة باسم البروفيسور "ستانلي ويتنغهام" (Stanley Whittingham) الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء لعام 2019، نظرا لعمله المتميز بمجال البطاريات على هامش منتدى تايلند.

حول مسيرته العلمية واختراعاته ومشاريعه القادمة في مجال تطوير بطاريات الليثيوم، كان للجزيرة نت هذا الحوار مع العالم المغربي اليزمي.

مغتربون- رشيد اليزمي عالم الكيمياء
لدى الدكتور اليزمي شركات في سنغافورة تهتم بالبحث التكنولوجي حول البطاريات (الجزيرة)
  • بداية عرفنا بانشغالاتك المهنية والعلمية والأكاديمية الحالية؟

لدي شركات في سنغافورة نهتم فيها بالبحث التكنولوجي حول البطاريات والتحكم فيها، خصوصا ما يتعلق بالشحن السريع، ولدي أيضا عمل مع مراكز البحث العلمي الأكاديمي، ومنها معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (كالتك) ومع مختبر كبير تابع لوكالة ناسا، ولدينا مشاريع بحث علمي بميدان تحديث بطاريات جديدة يمكن استعمالها في ظروف مناخية خاصة.

بالإضافة إلى ذلك لدي عمل مع جامعة خاصة بمدينة فاس بالمملكة حول مشروع المركز المتميز للبطاريات، وأنا أستاذ زائر متميز بجامعة في كازاخستان.

  • كيف تم اختيارك للفوز بجائزة الطاقة التي تحمل اسم البروفسور ويتنغهام؟

الجائزة جاءت مفاجأة بالنسبة لي، ولم أكن أعرف أنني سأفوز بها، وهذا أفضل ما يمكن لأحد أن يعلمه، وهو أن يتم ترشيحك للجائزة ويتم اختيارك للفوز بما أطلق عليها اسم البروفيسور ويتنغهام الذي أعرفه منذ 40 سنه لأنه من الأوائل الذين استعملوا مواد الاندماج لتطوير بطارية قادرة على الشحن في الليثيوم.

  • عرفنا بطبيعة هذه الجائزة والمؤسسة التي تمنحها؟

هذه الجائزة تحت اسم البروفيسور ويتنغهام، وأنا أول من يفوز بها، والمنظمة التي نظمت المنتدى في تايلند اسمها" فلوجين ستارت آوتريتش" FLOGEN Stars Outreach، وكل عام تقوم بتنظيم المؤتمر لكن مع جائحة كورونا توقف تنظيمه لمدة عامين.

وتكمن خصوصية هذا المنتدى العالمي في أن "فلوريان كونغولي" Florian Kongol المشرف على المنتدى استطاع جذب 9 علماء من الفائزين بجائزة نوبل لحضور المنتدى، ومستوى المنتدى عال جدا، وهذه أول مرة أحضر مؤتمرا دوليا بحضور هؤلاء الفائزين بجائزة في مساري العلمي، وهذا عمل كبير يقوم به كونغولي، ونتمنى أن تتم استضافة هذا المؤتمر بالمغرب السنوات القادمة إن شاء الله.

  • حدثنا عن أهم الجوائز التي حصلت عليها في مسارك المهني وأقربها اليك؟

أهم جائزة فزت بها هي "درايفر" Driver Award التي تمنحها الأكاديمية الوطنية للمهندسين بالولايات المتحدة في واشنطن عام 2014، وهي تعتبر بمثابة جائزة نوبل، وبما أن مستواها عال جدا، بدأ الناس يتعرفون علي خصوصا في المغرب.

وفي نفس السنة حصلت على وسام الكفاءة الفكرية من قبل الملك محمد السادس، وعام 2016 حصلت على أخرى من قبل الحكومة الفرنسية، وهي أعلى جائزة يمكن أن تقدمها لأي شخص.

وهناك جوائز أخرى حصلت عليها في باريس والكويت وبلدان أخرى يصعب علي أن أقدم لك لائحة الجوائز كلها، لكن الحمد لله المتخصصون في مجال الطاقة يعترفون بالعمل الذي أقوم به، خصوصا اختراع مادة "الغراتفيك" التي تستعمل كطابق سالب في البطاريات الليثيوم القابلة للشحن أو ما يسمى "أنود" التي توجد في كل هاتف نقال يحتوي على بطارية، والتي تتضمن اختراعي، ولهذا فالناس يعرفونني في جميع أنحاء العالم.

  • كم عدد براءات الاختراع لديك حتى الآن؟

حسب موقع المكتب العالمي لبراءة الاختراع في جنيف، لدي 180 براءة اختراع، والأولى التي لم تسمح الظروف لإخراجها هي اختراع مادة "الغراتفيك" وحتى الآن -على حسب سوق بطاريات الليثيوم- هذا الاختراع قيمته على الأقل 50 مليار دولار، ولدي اختراعات جديدة خصوصا في تطوير طرق شحن البطاريات في زمن قصير، وقد اخترعت طريقة أطلقت عليها "إن إل في" (NLV) لشحن البطاريات في أقل من 10 دقائق.

  • أين وصلت براءة اختراعك للجهاز الذي لا يستغرق 5 دقائق لشحن البطاريات؟

نعمل عليه، ولدي الآن شركة جديدة سنقوم بتمويلها في سنغافورة، والهدف منها هو تطوير الشاحن السريع لبطارية الليثيوم، خصوصا في السيارات الكهربائية، وإن شاء الله هذا العام سنطور نماذج من هذا الشاحن في شراكة مع صناع السيارات الكهربائية بآسيا، لأنهم مهتمون بهذه التكنولوجيا ونحن نعمل سويا على تطويرها خلال هذه السنة أو السنتين المقبلتين.

خلال تكريم الدكتور رشيد الزمي في منتدى الاستدامة في مجال الطاقة والبيئة الذي نظم تحت اسمه في تايلاند في 29 نوفمبر 2022 ( رشيد اليزمي) مواقع التواصل
الدكتور اليزمي من الأسماء البارزة في تطوير بطاريات الليثيوم القابلة للشحن (فلوريان كونغولي، فلوجن ستارز أوتريتش)
  • يواجه المخترعون المستقلون تحديات كبيرة بالمغرب فماذا تقترح للتغلب عليها؟

هذا طبيعي لأن الاختراع عبارة عن مرحلة في تطوير منتوج صناعي ويحتاج إلى وقت، وأعطيك مثالا باختراع المواد التي تستعمل في بطاريات الليثيوم ولتسويق بطاريات الليثيوم، فالفارق الزمني كان 11 سنة.

وإذا من الطبيعي أن الاختراع يحتاج إلى الوقت، فأن تخترع لا يعني أنك ستبدأ في التسويق، فالمخترع يلزم عليه أن يكون مقاولا أو يبحث عن مقاولات يطور معها مشروعه، لأن المهم هو التمويل، والتمويل يكون من طرف المستثمرين والحكومة لتطوير هذه التكنولوجيا لتصل إلى السوق.

  • ما طبيعة ونوعية الأبحاث التي تجريها الآن في مجال تخصصك؟

لدي مشاريع في الشركات التي أشرف عليها، وفي الجامعات وأميركا والإمارات وكازاخستان، وهذا كله يتطلب مني العمل يوميا لكي يبقى لدي اهتمام بالبحث النظري والعلمي في المجال الأكاديمي، ولتطوير بعض التكنولوجيات في شركات هنا في سنغافورة، ومنها تطوير الشاحن السريع للسيارات الكهربائية، وكذلك الإلكترونيات النقالة مثل الهواتف النقالة والحساب وباور بنك.

  • قمت بتأسيس مركز التميز في البطاريات بالجامعة الخاصة بمدينة فاس فما أدواره وأهدافه؟

مشروع المركز المتميز للبطاريات بالجامعة الخاصة في مدينة فاس مهم جدا، ولدي محادثات مع مستثمرين في جميع أنحاء العالم لإنشاء معمل لصناعة البطاريات التي يطلق عليها "غيغا فاكتوري" (Gigafactory) بالمغرب، وكذلك هناك يجري إنشاء معمل آخر لصناعة الشاحن السريع للسيارات الكهربائية بالمملكة، وهذه كلها مشاريع جار العمل عليها بالتواصل وعقد اجتماعات مع مستثمرين مهتمين بهذه التكنولوجيا.

وهذا المشروع جاء في إطار جامعي لتهيئة التقنيين والمهندسين والباحثين المغاربة وغيرهم حول البطاريات، نظرا لعدم وجود أي مركز في المغرب أو أفريقيا لديه اختصاص أولي بالبطاريات، وبالتالي نريد تكوين المهندسين والباحثين المغاربة لمعرفة إشكاليات البطاريات وكيفية إيجاد حلول للمشاكل المطروحة، وكيف تستعمل في إطار خاص لتخزين الطاقة، أو في السيارات الكهربائية أو الإلكترونيات النقالة، إضافة إلى تهيئة المهندسين والباحثين للحصول على الدكتوراه بشراكة مع جامعة سيدي محمد بن عبد الله في فاس وجامعة مولاي إسماعيل في مكناس.

وهؤلاء المهندسون والباحثون الذين سيتم تدريبهم سيكون لديهم اختصاص في تدبير البطاريات بعدد كبير من الاستعمالات، مثل تخزين الطاقة في السيارات الكهربائية، بالإضافة لتطبيقات بطاريات الليثيوم، وخصوصا إذا كانت لدينا بطاريات "غيغا فاكتوري" (Gigafactory) بالمغرب والتي ستكون لها الأولوية من الناحية التكنولوجية.

Said سعيد - ساهم رشيد اليزمي منذ ثمانينات القرن الفائت في الأبحاث التي أدت لابتكار بطاريات الليثيوم – سكرين شوت من فيديو منشور - لماذا لم يحصل المغربي "رشيد اليزمي" على جائزة نوبل؟
حسب موقع المكتب العالمي لبراءة الاختراع في جنيف لدى الدكتور اليزمي 180 براءة اختراع (الجزيرة)
  • أين وصل مشروع الشاحن الكهربائي للبطاريات المغربي الذي تشرفون عليه؟

حتى الآن، لم نبدأ أي مشروع ممول في إطار تطوير الشاحن السريع لبطاريات الليثيوم بالمغرب، الآن نحن في مرحلة البحث عن مستثمرين مغاربة وأجانب للبداية في التطوير الصناعي للشاحن السريع، ونتمنى أن يكون بالمغرب، ولدي شركة في سنغافورة ستطور الشاحن السريع للسيارات الكهربائية في آسيا.

  • ما الفرص المتاحة لصناعة البطاريات بالمغرب في ظل المنافسة بين الدول الصناعية؟

المغرب لديه مؤهلات مهمة جدا لكي يتمكن من صناعة بطاريات الليثيوم ذات الجودة العالية بثمن منافس بالمقارنة مع البطاريات المصنوعة في الصين، والمملكة لديها أكبر مخزون من الفوسفات في العالم، وهو يستعمل في بطاريات الليثيوم خاصة في الطابق الزائد والإلكترونيك، والآن البطاريات التي يوظف فيها الفوسفات تصنع في الصين، وأعتقد أن 80% من الفوسفات المستعمل فيها يأتي من المغرب.

إذن عوض تصدير الفوسفات للخارج يمكن استعماله في المغرب لصناعة بطاريات مغربية مئة بالمئة، والمملكة أيضا تمتلك الكوبالت، وهذه المادة مهمة جدا في القطب الزائد للبطاريات، وكل هذه المؤهلات التي يمتلكها المغرب جد مهمة، ينقصنا فقط الليثيوم ويمكن الحصول عليه من شيلي أو أستراليا، أما الغراتفيك فيمكن الحصول عليه من طرف الشركات العظمى التي لديها مناجم خاصه به.

وزيادة على ما قلت بخصوص المؤهلات هناك سوق الشركات التي تربط المغرب وأوروبا، وأميركا، وتركيا، ودول شمال غرب أفريقيا، وهي أسواق كبيرة يمكن للمملكة أن تصدر إليها البطاريات المغربية بدون رسوم جمركية، وستكون أرخص بنسبة 20% من البطاريات المصنوعة بالصين، زيادة على القرب الجغرافي. فمثلا المغرب يبعد عن إسبانيا حوالي 14 كيلومترا، مع وجود اتصال مع دول غرب أفريقيا عبر الطرق والبواخر، وبالتالي فحجم هذا السوق هائل جدا وهو يعني مليارا من السكان.

  • كيف يمكن التغلب على التحديات التي تواجه صناعة البطاريات بالمغرب؟

اعتقد أنها نفسية، لأن الدعم المالي موجود والتقنية موجودة والمؤهلات متوفرة، وما نحتاجه أن يبادر المستثمرون من الخارج، لهذا أنا الآن في إطار الحديث معهم، وسيأتي مستثمر من الخارج وسيساهم بقدر هائل جدا من التمويل لصالح مشروع "غيغا فاكتوري" (Gigafactory) بالمغرب، وتبلغ تكلفته على الأقل مليار دولار، ومن الأفضل أن يكون المبلغ 4 أو 5 مليارات دولار لكي يكون هناك إنتاج كبير حسب حجم السوق.

المصدر : الجزيرة