آمنة وصديقة للبيئة.. إعادة تدوير الفضلات البشرية لتسميد التربة
أظهرت دراسة جديدة نشرت يوم 16 يناير/كانون الثاني الجاري في دورية "فرونتيرز إن إنفيرومنتال ساينس" (Frontiers in Environmental Science) أن المنتجات "الخضراء" الحديثة المعاد تدويرها من الفضلات البشرية هي أسمدة ممتازة -والأهم من ذلك أنها آمنة- للزراعة، لمعالجة أزمة المناخ وفقدان التنوع البيولوجي والتلوث، وتلبية حاجة البشرية للانتقال إلى اقتصاد دائري، حيث تتم إعادة تدوير جميع الموارد.
وتؤكد الدراسة على الجدوى البيئية والاقتصادية لإعادة تدوير فضلات أجسامنا كسماد، بشرط ألا يكون هناك خطر من أن الميكروبات الضارة أو آثار الأدوية تنتهي في المحاصيل المستهلكة.
فصل المصدر
توجد معظم العناصر الغذائية اللازمة لنمو النبات في البول والبراز البشريين، إذ يكون البول غنيا بالنيتروجين والبوتاسيوم بشكل خاص، ويحتوي أيضا على كميات ضئيلة من المعادن مثل البورون والزنك والحديد. كما يمكن للبراز من الناحية النظرية أن يمد التربة بالعناصر الغذائية الأخرى مثل الفوسفور والكالسيوم والمغنيسيوم أو الكربون العضوي الثمين للتربة.
وقالت المؤلفة الرئيسية للدراسة، أريان كراوس، الباحثة في معهد لايبنيتس لمحاصيل الخضر والزينة (Leibniz Institute of Vegetable and Ornamental Crops) في جروسبيرن بألمانيا، إن بول الإنسان يحتوي على العديد من العناصر الغذائية الضرورية لنمو النباتات، مثل النيتروجين أو الفوسفور أو البوتاسيوم. ويمكننا جمع البول ومعالجته من أجل إعادة تدوير العناصر الغذائية بأمان وإزالة الملوثات مثل الأدوية ومسببات الأمراض واستخدامها كسماد.
وأوضحت كراوس في تصريح للجزيرة نت أن الفريق وجد أن إعادة تدوير الأسمدة المنتجة من بول الإنسان مناسبة لإنتاج الملفوف (الكرنب)، كمثال على البستنة، لأن "الأسمدة توفر العناصر الغذائية الكافية ويمكننا أن نحقق حصادا مشابها للإنتاج بالأسمدة التقليدية، ولم تظهر أي مخاطر فيما يتعلق بانتقال مسببات الأمراض أو الأدوية".
وعن كيفية استخدام الفضلات البشرية لتغذية النباتات، أشارت الباحثة إلى أن كلمة السر في ذلك هي "فصل المصدر"، حيث "يمكننا جمع النفايات البشرية -من المصدر- عن طريق فصل المراحيض عن باقي المصادر المنزلية الأخرى. هذه متوفرة مع أو دون نظام تدفق. ثم نقوم بمعالجة الموارد الصفراء والبنية بشكل فعال لإزالة الملوثات وتعطيل مسببات الأمراض وتحويل المادة إلى أسمدة آمنة قابلة لإعادة التدوير".
وأوضح الباحثون أن خلط أسمدة البول النيتروجينية والسماد البرازي يؤدي إلى انخفاض طفيف في غلة المحاصيل، ولكنه قد يزيد محتوى الكربون في التربة على المدى الطويل، مما يعزز إنتاج الغذاء المقاوم للمناخ. وإذا تم تحضيرها بشكل صحيح مع مراقبة الجودة، فيمكن استبدال ما يصل إلى 25% من الأسمدة المعدنية الاصطناعية التقليدية في ألمانيا بإعادة تدوير الأسمدة من البول والبراز البشريين.
وإلى جانب التحول الزراعي الذي يشمل الحد من تربية الماشية وزراعة النباتات من أجل الأعلاف، سيكون من الضروري تقليل استخدام الأسمدة الاصطناعية، مما يؤدي على سبيل المثال إلى انخفاض استهلاك الغاز الطبيعي الأحفوري.
حماية النبات من مسببات الأمراض
قارن المؤلفون إنتاجية المحاصيل القابلة للتسويق من الملفوف الأبيض المزروع في الفترة بين يونيو/حزيران وأكتوبر/تشرين الأول 2019 في معهد لايبنيتس لمحاصيل الخضر والزينة على قطع أرض بها تربات رملية أو طينية أو طينية غنية بـ4 أسمدة معاد تدويرها، يتم تطبيقها تدريجيا على مدار موسم النمو.
وكسماد معياري، استخدم الباحثون النبيذ العضوي المتاح تجاريا، والذي يتم إنتاجه من خلال تخمير بقايا الكتلة الحيوية من إنتاج الإيثانول الحيوي، وفقا للبيان الصحفي المنشور على موقع "يوريك ألرت" (EurekAlert).
لحماية النباتات من مسببات الأمراض أو الأدوية الموجودة في النفايات البشرية، يعتبر إبطال مفعول هذه المواد جزءا من عملية المعالجة عند تحويل النفايات إلى أسمدة قابلة لإعادة التدوير. ويجب أن تكون العملية المطبقة فعالة، كما يجب أن يكون المنتج مضمون الجودة.
ووفقا للمؤلفة "يشمل ضمان الجودة أيضا تحليل مؤشر إثبات نظافة السماد من هذه الملوثات، فنحن لا نخصب النفايات البشرية. نحن نستخدم الأسمدة المعاد تدويرها مضمونة الجودة والمنتجة من النفايات البشرية، من بين أمور أخرى، وهي غنية بالمغذيات وآمنة صحيا".
وأشارت كراوس أن هناك العديد من الفرص لجمع النفايات البشرية كمورد. في المراحيض المؤقتة في المهرجانات، وفي مراحيض الحدائق، والمراحيض العامة؛ وفي المنزل أيضا. وهناك أمثلة مختلفة للمشاريع التجريبية التي نفذت بالفعل أنظمة الصرف الصحي الموجهة نحو الموارد مع فصل المصدر، والمعالجة اللامركزية للنفايات البشرية.
وكما تقول كراوس "يمكن استخدام الأسمدة المعاد تدويرها في الزراعة، ولكن أيضا في البستنة، لتخصيب الحدائق والعشب، أو لإعادة زراعة الأشجار ومحاصيل الطاقة".