يزيد معدلات الإصابة بالأمراض.. صلة وثيقة بين تلوث المحيطات وصحة الإنسان

قد توفر الكائنات المجهرية طريقة لرصد اتجاهات التلوث البحري التاريخية، وربما تستخدم للتنبؤ باتجاهات الأمراض في مرحلة الطفولة والأمراض المزمنة التي تصيب البالغين.

توفر الكائنات المجهرية طريقة لرصد اتجاهات التلوث البحري التاريخية (شترستوك)
توفر الكائنات المجهرية طريقة لرصد اتجاهات التلوث البحري التاريخية (شترستوك)

باستخدام عينات من مسح للعوالق البحرية مستمر منذ قرن تقريبا، وجد باحثون في كلية الطب بجامعة كاليفورنيا سان دييغو (University of California San Diego) أن المستويات المتزايدة من المواد الكيميائية التي يصنعها الإنسان، والموجودة في أجزاء كبيرة من محيطات العالم، يمكن استخدامها لرصد تأثير النشاط البشري على صحة النظام البيئي.

وحسب العلماء، فقد تُستخدم هذه النتائج -التي نشرت في دورية "ساينس أوف ذا توتال إنفيرومنت" (Science of the Total Environment)- يوما ما لدراسة الروابط بين تلوث المحيطات والمعدلات المتزايدة لأمراض الطفولة والأمراض المزمنة لدى البالغين.

التغييرات في تعرض العوالق مرتبطة بالنظام البيئي وصحة مصايد الأسماك (غيتي إيميجز)

تلوث المحيطات وصحة الإنسان

يقول الباحثون في بيان صحفي لجامعة كاليفورنيا سان دييغو: "أكدت الدراسات الحديثة الصلة الوثيقة بين تلوث المحيطات وصحة الإنسان. وفي هذه الدراسة، طرحنا السؤال التالي: هل التغييرات في تعرض العوالق (قياس تعرضها لتأثيرات البيئة من صنع البشر طوال عمرها) مرتبطة بالنظام البيئي وصحة مصايد الأسماك؟".

وأضافوا "أردنا أيضا وضع الأساس لطرح سؤال ثان: هل يمكن استخدام قياسات المواد الكيميائية التي يصنعها الإنسان في العوالق كمؤشر لقياس التغيرات في الغلاف الكيميائي الدولي، التي قد تتسبب في أمراض الطفولة والبالغين؟".

وقال كبير المؤلفين روبرت نافيو، الأستاذ في قسم الطب وطب الأطفال وعلم الأمراض في كلية الطب بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو "كان الدافع وراء اكتشاف هذه الأساليب الجديدة هو الزيادة المقلقة في الأمراض المزمنة لدى الأطفال والبالغين التي حدثت في جميع أنحاء العالم منذ الثمانينيات".

توفر العوالق البحرية الغذاء للعديد من الكائنات المائية الأخرى (شترستوك)
توفر العوالق البحرية الغذاء للعديد من الكائنات المائية الأخرى (شترستوك)

العوالق البحرية تروي القصة

يقول الباحثون "بالاستفادة من دراسة استقصائية بريطانية استمرت لقرن تقريبا، وجدنا أن هذه الكائنات المجهرية قد توفر طريقة لرصد اتجاهات التلوث البحري التاريخية. وربما تستخدم للتنبؤ باتجاهات الأمراض المزمنة في مرحلة الطفولة وعند البالغين أيضا".

ويعد مسح مسجل العوالق المستمر "سي بي آر" (CPR) أطول مسح للبيئة البحرية وأكثره شمولا جغرافيا في العالم. ومنذ عام 1931، قطعت ما يقرب من 300 سفينة أكثر من 11.5 مليون كيلومتر، وجمعت عينات من المحيط عن طريق أجهزة سحب العينات التي تلتقط العوالق وتسجل القياسات البيئية في جميع محيطات العالم، والبحر الأبيض المتوسط، وبحر البلطيق وبحر الشمال، وبحيرات المياه العذبة.

يهدف هذا الجهد، جنبا إلى جنب مع البرامج التكميلية في أماكن أخرى، إلى توثيق ومراقبة الصحة العامة للمحيطات، بناء على رفاهية العوالق البحرية، وهي عادة مجموعة متنوعة من الكائنات الدقيقة التي توفر الغذاء للعديد من الكائنات المائية الأخرى، من الرخويات إلى الأسماك والحيتان.

وقالت المؤلفة المشاركة للدراسة سونيا باتن، الحاصلة على درجة الدكتوراه، والمنسقة السابقة للجنة مسجل العوالق المستمر في المحيط الهادي والسكرتيرة التنفيذية لمنظمة العلوم البحرية بشمال المحيط الهادي "توجد العوالق البحرية في جميع النظم البيئية للمحيطات".

وأضافت أن "العوالق تنشئ مجتمعات معقدة تشكل قاعدة الشبكة الغذائية، وتلعب أدوارا أساسية في الحفاظ على صحة المحيطات وتوازنها. والعوالق عموما قصيرة العمر وحساسة جدا للتغيرات البيئية".

يعد مسح مسجل العوالق المستمر أطول مسح للبيئة البحرية وأكثرها شمولا جغرافيا في العالم (يورك أليرت)
يعد مسح "مسجل العوالق المستمر" أطول مسح للبيئة البحرية وأكثرها شمولا جغرافيا في العالم (يورك أليرت)

تقييم عينات العوالق

قام الباحثون بتقييم عينات العوالق المأخوذة من 3 مواقع مختلفة في شمال المحيط الهادي في أوقات متباينة بين عامي 2002 و2020، واستخدموا مجموعة متنوعة من التقنيات لتقييم تعرضها لمختلف المواد الكيميائية، بما في ذلك المستحضرات الصيدلانية، والملوثات العضوية الثابتة مثل المواد الكيميائية الصناعية، ومبيدات الآفات، والفثالات والملدنات (المواد الكيميائية المشتقة من البلاستيك)، ومنتجات العناية الشخصية.

وجد الباحثون أن العديد من هذه الملوثات قد تناقصت من حيث الكمية خلال العقدين الماضيين، لكن ليس على مستوى العالم.

وعلى سبيل المثال، تشير التحليلات إلى انخفاض مستويات الملوثات العضوية الثابتة القديمة والمضادات الحيوية الشائعة أموكسيسيلين على نطاق واسع في شمال المحيط الهادي على مدار العقدين الماضيين.

كانت هناك مستويات أعلى وأعداد أكبر من المواد الكيميائية المختلفة الموجودة في أصناف العوالق التي تعيش في المناطق القريبة من الشاطئ الأقرب إلى النشاط البشري، والتي تخضع لظواهر مثل الجريان السطحي للأرض وتربية الأحياء المائية.

قد يتم استخدام تعرض العوالق للملوثات للحد من التلوث الذي يؤدي إلى الأمراض البشرية (ويكيميديا كومنز)
قد يتم استخدام تعرض العوالق للملوثات للحد من التلوث الذي يؤدي إلى الأمراض البشرية (مواقع إلكترونية)

تزايد المواد الكيميائية المسببة للأمراض

في دراسة العوالق البحرية، وجد الباحثون أن المواد المشبعة بالفلورو ألكيل (المواد الكيميائية المستخدمة بشكل شائع لتعزيز مقاومة الماء في مختلف المنتجات اليومية) كانت بارزة في العوالق. ومن المعروف أن هذه المواد تثبط بعض بروتينات الميتوكوندريا، واستجابات الكائنات الحية للإجهاد.

وتم العثور على مواد كيميائية أخرى تشمل الفثالات من البلاستيك ومنتجات العناية الشخصية، مثل المستحضرات والشامبو.

والفثالات هي مواد كيميائية معطلة للغدد الصماء تتزايد في العوالق لأكثر من 20 عاما، ولها تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على الميتوكوندريا.

وقال الباحثون إن مشروعهم التجريبي يشير إلى أن هناك حاجة لدراسات متابعة من قبل علماء الأوبئة وعلماء البيئة البحرية لاختبار كيفية ارتباط تلوث العوالق بالاتجاهات الطبية المهمة في التجمعات البشرية القريبة مثل وفيات الرضع والتوحد والربو والسكري والخرف.

وقال نافيو "آمل أن يؤدي استخدام أساليبنا من قبل مجموعات البحث في جميع أنحاء العالم إلى تعزيز العلاقة بين صحة النظام البيئي وصحة الإنسان، وتوفير أدوات جديدة لمراقبة كيفية تغير البصمة الكيميائية البشرية خلال القرن الماضي.

وأضاف "إذا تم العثور على روابط وثيقة بما فيه الكفاية، فقد يتم استخدام تعرض العوالق من مواقع المرصد في جميع أنحاء العالم في المستقبل للتتبع والحد من التلوث الذي يؤدي إلى الأمراض البشرية".

المصدر : مواقع إلكترونية