كيف تقوم النباتات بتحسين التمثيل الضوئي في ظروف الإضاءة المتغيرة؟
يتعين على النباتات تكييف نشاطها الضوئي باستمرار مع ظروفها البيئية من أجل الحصول على أقصى قدر من الضوء من ناحية، وتجنب التعرض للأذى بسبب كثرة الضوء من ناحية أخرى

بعد سلسلة من التجارب على تكيف النباتات مع ظروف الإضاءة المتغيرة، ومحاكاة التفاعل الطبيعي للضوء والظل، كشف فريق بحثي دولي بقيادة معهد ماكس بلانك لفسيولوجيا النبات الجزيئي (Max Planck Institute of Molecular Plant Physiology)، أهمية اثنين من البروتينات الرئيسية للتحكم الديناميكي في عملية التمثيل الضوئي.
ووفقا للبيان الصادر من جمعية ماكس بلانك لدعم العلوم (Max-Planck-Gesellschaft) في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ستفيد هذه الدراسة في فهم كيفية التكيف مع ظروف الإضاءة المتغيرة، والتي يمكن أن تؤدي إلى نمو النباتات بشكل جيد في المختبرات والصوب الزراعية، وكذا زيادة المحاصيل الزراعية.

التمثيل الضوئي في ظروف طبيعية
من المعروف أن نمو النباتات يتم بواسطة عملية التمثيل الضوئي، والتي تستخدم فيها الطاقة من ضوء الشمس وتطلق الأكسجين، وينتج عن ذلك الكربوهيدرات، وهي السكريات والنشويات والألياف، التي تعتبر مصدر الغذاء الأساسي لجميع الكائنات الحية ومنها البشر وجميع الحيوانات على وجه الأرض تقريبا.
وبحسب الدراسة التي نشرت نتائجها في دورية "نيو فايتولوجيست" (New Phytologist)، فإنه وفي ظل الظروف الطبيعية يمكن أن يتغير توافر الضوء بسرعة وفي وقت قصير جدا، وسبب هذا التغير، هو السحب التي توفر الضوء والظل أثناء مرورها أمام الشمس، كما يمكن أن توفر أوراق وأغصان النباتات الظل بشكل مؤقت عندما تحركها الرياح.
ومن ناحية أخرى، تقول الدراسة إنه لا يمكن للنباتات الانتقال من الظل إلى الشمس عندما يكون الضوء محدودا، وعلى العكس من ذلك، لا يمكنها التهرب من الشمس إلى الظل عند تعرضها للكثير من ضوء الشمس، وبالتالي يجب عليها الاستجابة لظروف الإضاءة المتغيرة بطرق أخرى.
والكثير من ضوء الشمس ضار بالنباتات، إذ تستخدم النباتات جزيئات في أوراقها لالتقاط جزيئات الضوء عندما يكون الضوء منخفضا، وتكون هذه بمثابة مصائد ضوئية فعالة جدا في التقاط أكبر قدر ممكن من الإضاءة المنخفضة.

التكيف مع ظروف الإضاءة المتغيرة
وبحسب الدراسة، فإنه إذا تغيرت ظروف الضوء فجأة، قد تصل طاقة ضوئية كبيرة جدا إلى النباتات، ويمكن أن تؤدي هذه الطاقة إلى زيادة التحميل أو إتلاف جهاز التمثيل الضوئي الحساس داخل الخلايا النباتية. وفقًا لذلك، يتعين على النباتات تكييف نشاطها الضوئي باستمرار مع ظروفها البيئية من أجل الحصول على أقصى قدر من الضوء من ناحية، وتجنب التعرض للأذى بسبب كثرة الضوء من ناحية أخرى.
حتى الآن، تزرع النباتات في البيوت الزجاجية والمختبرات بشكل شبه حصري في ظل ظروف إضاءة ثابتة وموحدة. لذلك، فإن فهم كيفية عمل التكيف مع ظروف الإضاءة المتغيرة محدود للغاية، وفي أسوأ الحالات، يمكن أن يؤدي هذا إلى نمو النباتات بشكل جيد في المختبرات والصوبات الزراعية، ولكنها فجأة تؤدي بشكل أسوأ بكثير مما كان متوقعا عند زراعتها في الحقل.
تنظيم التمثيل الضوئي
قام الفريق البحثي الدولي، بفحص نبات رشاد أذن الفأر، واسمه العلمي "أرابيدوبسيس ثاليانا" (Arabidopsis thaliana)، وذلك في ظل مجموعة متنوعة من الظروف بما في ذلك الضوء الساكن والمتقلب والطبيعي.
وقد ركزت الدراسة على اثنين من بروتينات النقل الأيوني في النبات، وهما بروتين "في سي سي إن 1" (VCCN1) وبروتين "كيه إي إيه 3" (KEA3)، واللذان يلعبان دورا رئيسيا في ضبط أداء التمثيل الضوئي ديناميكيا.

وبحسب البيان الصحفي، فإنه من المعروف من الدراسات السابقة أن (VCCN1) ينشط الحماية من أشعة الشمس، إذا أصبح الضوء فجأة قويا جدا. وعندما تنخفض شدة الضوء، يقوم البروتين الثاني (KEA3) بتقليل هذه الحماية من الشمس بسرعة حتى يتمكن النبات من التقاط المزيد من الضوء مرة أخرى. وقد أظهرت الدراسة والتحليل أن أنشطة البروتينات (VCCN1) و(KEA3) تعتمد على ظروف الإضاءة التي نشأت فيها النباتات.
ولهذا فقد ركز الباحثون على عاملين ضوئيين مرتبطين بالنمو في التحليل وتمكنوا من إظهار أن كلا من كمية الضوء التي يتلقاها النبات وتواتر تقلبات الضوء لها تأثير قوي على وظيفة الناقلين الأيونيين، إذ تعتبر الوظيفة الوقائية لـ(VCCN1) مهمة فقط في النباتات التي نمت سابقا تحت الإضاءة المنخفضة. أما (KEA3) فهو يلغي الحماية، إذ إنه كان نشطا حتى في فترات الإضاءة العالية عندما نمت النباتات في ظل ظروف ذات كثافة إضاءة مرتفعة.
ووفقا لنتائج الدراسة فإن حماية النباتات من ضوء الشمس تعتمد على درجة تقلبات الضوء التي تتعرض لها النباتات، يقول المؤلف الرئيسي للدراسة تكلا فون بسمارك "تُظهر دراستنا أننا يجب ألا ننظر بشكل منفصل إلى تأثير ضوء النمو والاستجابات السريعة لتقلبات الضوء".
وأضاف بسمارك "تكامل المقاييس الزمنية المتعددة ومستويات التمثيل الغذائي في النباتات بطريقة معقدة بشكل متزايد سوف يشكل تحديا كبيرا في المستقبل لبحوث المحاصيل، وسيوفر هذا أفكارا رئيسية لتحسين غلة المحاصيل في هذا المجال".