بعد أكثر من 4 آلاف عام.. فك رموز الكتابة الإيرانية القديمة

كان فك رموز حجر رشيد أحد أهم الاكتشافات الأثرية التي ساعدت على فهم الحضارة المصرية القديمة. غير أن هناك كتابة قديمة أخرى تنتمي إلى الحضارة الإيرانية القديمة لم تفك رموزها منذ أكثر من 4400 عام.

اكتشفت الكتابة العيلامية الخطية أول مرة في سوسة الإيرانية (ويكيبيديا – جين-فينسينت سشيل)
اكتشفت الكتابة العيلامية الخطية أول مرة في سوسة الإيرانية (ويكيبيديا – جين-فينسينت سشيل)

قام فريق من العلماء بفك رموز إحدى أنظمة الكتابة القديمة -المعروف باسم "العيلامية الخطية" (Linear Elamite)- الذي استخدم في إيران قبل حوالي 2300 إلى 1800 عام قبل الميلاد.

ونشرت نتائج الدراسة في "مجلة علم الآشوريات وآثار الشرق الأدنى" (Zeitschrift für Assyriologie und vorderasiatische Archäologie) في الأول من يوليو/تموز الماضي.

لغة قديمة منقرضة

والجدير بالذكر أن الكتابة العيلامية الخطية (نسبة إلى إيلام أو عيلام، إحدى الحضارات الإيرانية القديمة) اكتشفت أول مرة في سوسة الإيرانية (مدينة شوشان الحديثة) عام 1903.

وكانت عيلام من أولى المدن في العالم التي استخدمت الرموز المكتوبة لإدارة مجتمع معقد من البشر.

وتاجر العيلاميون الأوائل مع مملكتي بلاد ما بين النهرين في الغرب وحضارة نهر السند التي ازدهرت فيما يعرف اليوم بالهند وباكستان. ووضع العيلاميون الأوائل الأساس للممالك الفارسية اللاحقة، بما في ذلك الأسرة الأخمينية (Achaemenid dynasty) التي أخضعت في النهاية الكثير من مناطق الشرق الأدنى القديم.

وتعتبر الكتابة المسمارية البدائية (كالسومرية والأكادية) التي ازدهرت في بلاد ما بين النهرين والكتابة الهيروغليفية المصرية والكتابة العيلامية من أقدم نظم الكتابة القديمة.

إعلان

واستطاع العلماء في القرن الـ19 فك رموز الكتابة المسمارية مما ساعدهم على فهم الكثير من تفاصيل الحياة في بلاد ما بين النهرين.

بعض الكؤوس والمزهريات الفضية التي تحتوي على الكتابة العيلامية محفوظة اليوم في المتحف الوطني الإيراني (ويكيبيديا – ديسيه ورفاقه)
كؤوس فضية تحتوي على الكتابة العيلامية في المتحف الوطني الإيراني (ويكيبيديا-ديسيه ورفاقه)

تشابه مع الكتابة المسمارية

ومع مطلع القرن الماضي، اكتشف علماء الآثار -في المنطقة التي امتدت من سهل بلاد ما بين النهرين إلى الهضبة الإيرانية- أدلة جديدة على وجود نظام كتابة بدا قديما قدم الكتابة المسمارية، غير أنه استخدم مجموعة مختلفة من الرموز. وأطلق عليه العلماء اسم الكتابة العيلامية. واستخدمت الكتابة العيلامية بين نهاية الألفية الثالثة وبداية الألفية الثانية قبل الميلاد في مملكة عيلام القديمة (إيران حاليا).

ولم يتمكن العلماء من فك شفرة هذه الكتابة العيلامية الخطية منذ ما يقرب من 4400 عام.

وعام 2017 بدأ فرانسوا ديسيه -المؤلف الأول للدراسة الحالية التابع لفريق "سي إن آر إس اركيوأورينت" (CNRS Archéorient) في فرنسا والمنتسب لجامعة طهران (University of Tehran)- في فهم ما تعنيه بعض هذه النصوص. وعام 2020، استطاع ديسيه فهم 96% من رموز هذه الكتابة.

وحتى الآن، فإن هناك ما يزيد قليلا على 40 قطعة أثرية -ما بين ألواح طينية وآثار حجرية وبعض الأواني المعدنية الأخرى- تحتوي على نقوش الكتابة العيلامية.

وتُحفظ بعض هذه المقتنيات التاريخية في متحف طهران الوطني ومتحف اللوفر بباريس. ومن بين هذه المقتنيات بعض الكؤوس والمزهريات الفضية التي حفظت في المتحف الوطني الإيراني والتي استخدمها العلماء في فهم معان النقوش العيلامية.

هناك حوالي 3.7% من الرموز العيلامية الخطية غير المعروفة حتى الآن (ويكيبيديا – فرانك كارل)
هناك حوالي 3.7% من الرموز العيلامية الخطية غير المعروفة حتى الآن (ويكيبيديا-فرانك كارل)

فك اللغز

ومن خلال تحليل سلسلة من النصوص الموجودة على 8 مزهريات فضية (التي يعتقد أنها ارتبطت ببعض الشعائر الجنائزية)، تمكن الفريق من تحديد بعض التكرارات والعلامات والأسماء المعروفة. وقارن الفريق هذه العلامات المتكررة ببعض النصوص المسمارية التي فك شفرتها والتي يعود تاريخها إلى الفترة نفسها تقريبا وتحتوي على العبارات ذاتها التي تستخدم لوصف الحكام، الأمر الذي ساعدهم في النهاية في التعرف على اسم اثنين من الحكام وكذلك العديد من الشخصيات الأخرى.

إعلان

ورغم ذلك، فإن هناك حوالي 3.7% من الرموز العيلامية الخطية غير المعروفة حتى الآن.

كما ذكر الفريق في دراسته البحثية أن هناك أكثر من 300 رمز عيلامي خطي تمثل أصواتا مختلفة. وتشير الدراسة الحديثة إلى أن الكتابة العيلامية ازدهرت في بلاد ما بين النهرين القديمة ووادي نهر السند.

ورغم ذلك، فإن هناك بعض العلماء يشككون في صحة هذه الدراسة.

ويقول جاكوب دال أستاذ علم الآشوريات بجامعة أكسفورد -في التقرير الذي نشره موقع "لايف ساينس (Live Science) عن الدراسة في 31 أغسطس/ آب الماضي- إنه "غير متأكد حيال هذا الأمر. فلبعض هذه النقوش سمات مشبوهة تدل على التزوير".

المصدر : لايف ساينس + مواقع إلكترونية

إعلان