الحليب "الصناعي".. هل يؤدي إلى تغيير جذري في إنتاج الألبان؟

الحليب الصناعي له مذاق حليب الألبان العادي وشكله وملمسه، وله التركيب الكيميائي نفسه، لكنه لا يتطلب حيوانات وينتج باستخدام تقنية "التخمير الدقيق" التي تنتج الكتلة الحيوية المستزرعة من الخلايا.

قطاع الألبان التقليدي يجب أن يدرك أنه على أعتاب تغيير محوري (بيكسابي)

يستهلك أكثر من 80% من سكان العالم منتجات الألبان بانتظام، ومن المتوقع أن تكون هناك زيادة في الطلب على هذه المنتجات في المستقبل، ولكن في المقابل هناك دعوات متزايدة من ناشطي البيئة لتجاوز النظم الغذائية القائمة على الحيوانات إلى أشكال أكثر استدامة لإنتاج الغذاء.

ويوصف الحليب الصناعي بأن له مذاق الحليب العادي وشكله وملمسه، وله التركيب الكيميائي نفسه، لكنه لا يتطلب حيوانات وينتج باستخدام تقنية التكنولوجيا الحيوية الناشئة المعروفة باسم "التخمير الدقيق" التي تنتج الكتلة الحيوية المستزرعة من الخلايا.

شركة "بيرفكت داي" توفر بروتينا خاليا من منتجات الحيوانات يستخدم في صنع الآيس كريم (شركة بيرفكت داي)

من الولايات المتحدة إلى أستراليا

وتقول الباحثة ميلينا بوغوفيتش طالبة الدكتوراه بجامعة ماكواري (Macquarie University)، في مقالها المنشور على موقع "ذي كونفرسيشن" (The Conversation) يوم 29 أغسطس/آب المنصرم، إن "بحثي الأخير فحص الاتجاهات الكبرى في قطاع الألبان العالمي، وظهرت الألبان النباتية، وربما الألبان الصناعية، على أنها تسبب اضطرابا رئيسا".

والحليب "الصناعي" متاح حاليا بالفعل في الولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال، توفر شركة "بيرفكت داي" (Perfect Day) البروتين الخالي من منتجات الحيوانات المصنوع من النباتات الذي يستخدم بعد ذلك في صنع "الآيس كريم" (المثلجات) والحليب.

وفي أستراليا، تعمل شركة "إيدن برو" (Eden Brew) الناشئة على تطوير الحليب "الصناعي"، وتستهدف الشركة المستهلكين القلقين بشأن تغير المناخ ولا سيما تأثير غاز الميثان الناتج من الأبقار.

وطوّرت هيئة البحوث الأسترالية (CSIRO) -أكبر هيئة دستورية أنشأتها الحكومة الاتحادية في أستراليا وتضم أكثر من 7 آلاف موظف ثلثهم من العلماء- منتج شركة "إيدن برو"، وتستخدم "التخمير الدقيق" لإنتاج البروتينات الموجودة في حليب البقر.

وتوضح الهيئة -في بيان لها على موقعها الإلكتروني- أن هذه البروتينات تمنح الحليب العديد من خصائصه الأساسية، وتسهم في قوامه الكريمي، وأن الباحثين يضيفون المعادن والسكريات والدهون والنكهات إلى البروتين لإنتاج المنتج النهائي.

هيئة البحوث الأسترالية تستخدم "التخمير الدقيق" لإنتاج البروتينات الموجودة في حليب البقر (هيئة البحوث الأسترالية)

كيف يعمل التخمير الدقيق؟

برز التخمير الدقيق، وهو مجال جديد نسبيا للتكنولوجيا الحيوية، كواحد من رواد مصادر البروتين الإضافية التي يمكن أن تدعم نمو الاقتصاد الحيوي المستدام. ويستخدم التخمير الدقيق مبادئ التخمير الأساسية نفسها التي لها تاريخ طويل وآمن في صناعة الأغذية.

وتعتمد عمليات التخمير التقليدية على الخلايا الميكروبية (الخميرة والفطريات) والظروف اللاهوائية (الخالية من الأكسجين) لإنتاج مكونات ذات خصائص نكهة فريدة، مثل الزبادي والخبز والجبن والمشروبات الكحولية.

يُزرع الفطر في خزانات كبيرة، مع إضافة السكر والمواد المغذية الأخرى لتحفيز النمو، ويُحصد لإنتاج منتجات بروتينية بديلة، وتقدم الفطريات مستويات عالية من البروتين وكذلك الألياف والفيتامينات والمعادن.

واليوم، يُسخّر التخمير الدقيق لتخليق مركبات قد تكون باهظة الثمن و/أو معقدة للحصول عليها من مصادرها الطبيعية، ويعتمد على إعادة برمجة الميكروبات لإنتاج جزيئات محددة ومخصصة يمكن أن تكون مكونات غذائية جديدة.

ويمكن للمنتجات الجديدة عبر تقنية التخمير الدقيق أن تعزز المنتجات الاستهلاكية من خلال تحسين المذاق أو الملمس أو الجوانب الوظيفية الأخرى، لاستيعاب تفضيلات المستهلكين واهتمامات الاستدامة.

من المتوقع أن يؤدي هذا التقدم التكنولوجي إلى تشريد بعض العاملين في قطاع الألبان العالمي (بيكسابي)

ليس دواء لكل داء

لإطعام سكان العالم في المستقبل، سنحتاج إلى إنتاج غذاء على نطاق أوسع وأكثر استدامة مما هو عليه اليوم. ولسدّ هذه الفجوة ما بين الإنتاج والاستهلاك، نحتاج إلى استخلاص مزيد من البروتين من المصادر التقليدية، إضافة إلى البروتين من المصادر الناشئة التكميلية (مثل الخميرة والفطريات والطحالب والحشرات).

ومن المتوقع أن يقلل الحليب الصناعي من الآثار البيئية المتوقعة والمخاوف مثل انبعاثات غاز الميثان، وأن يساعد على الرفق بالحيوان. وإذا تمكنت صناعة الألبان الصناعية من تحقيق هدف التكلفة هذا في جميع المجالات، فهناك -مع الأسف- احتمال عال لتعطيل صناعة الألبان المعتمدة على الماشية الطبيعية، كما يمكن أن توجه البشرية بعيدا عن الزراعة الحيوانية التقليدية نحو أنظمة غذائية مختلفة جذريا.

ويجب أن يدرك قطاع الألبان التقليدي أنه على أعتاب تغيير محوري، ومن المتوقع أن يؤدي هذا التقدم التكنولوجي إلى تشريد بعض العاملين في قطاع الألبان العالمي.

وفي مواجهة هذه التهديدات المتعددة، ينبغي تعظيم الفوائد الاجتماعية لكل من منتجات الألبان الحيوانية وتقليل دورها في تغير المناخ.

المصدر : ذا كونفرسيشن + مواقع إلكترونية