اتفاقية حماية طبقة الأوزون.. كيف أنقذت العالم من هلاك بطيء؟
اتفاقية فيينا ومعاهدة مونتريال التي تلتها نجحتا في التأثير إيجابيا على حماية طبقة الأوزون، إذ استقرت معدلات فقدان الطبقة.

في السبعينيات من القرن الماضي، اكتشف فريق من الباحثين البريطانيين يعمل في القارة القطبية الجنوبية -بينما كانوا يقومون بقياسات دورية لتركيب الغلاف الجوي- أن نسب غاز الأوزون في طبقة الستراتوسفير الجوية قد انخفضت كثيرا مقارنة بالقياسات السابقة.
خطر محدق من ثقب الأوزون
أشهر قليلة فقط مرت، وانتشرت الأخبار البحثية في كل مكان، تكررت القياسات من جامعات مختلفة، وبحلول عام 1984 باتت الحقيقة واضحة: لقد فقدت الأرض ثلث كمية الأوزون فوق القارة القطبية الجنوبية، هذا ما سمي بثقب الأوزون، وتسبّب في رعب شديد وقتئذ.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsهل يمكننا التغلب على الحرارة العالية أم أنها بداية النهاية؟
طبقة الأوزون.. هل بدأت تتعافى؟سيتم فتح هذه المقالة في علامة تبويب جديدة
المشكلة ليست في الثقب فقط.. الأوزون يضعف أحد أهم آليات تبريد كوكب الأرض
والأمر يستحق ما تسبّب به من اضطراب فعلا، فالأوزون ببساطة هو الدرع الذي يحمي الأرض من الأشعة فوق البنفسجية الضارة التي تصدر من الشمس، ومن ثم فهو يحمي البشر من ارتفاع محقق لمعدلات الإصابة بسرطان الجلد وأمراض العيون واضطرابات نقص المناعة، إلى جانب تأثيرات شديدة الخطورة على المحاصيل الزراعية المهمة، والثروة الحيوانية والسمكية في كل مكان بالعالم.

لو كان قارئ هذه الكلمات من مواليد الثمانينيات أو التسعينيات، فغالبا قد سمع بهذا الخطر الشديد، حيث تجولت الأخبار في كل وسائل الإعلام، لكن الأصغر سنا ربما لم يسمع كثيرا عن الأمر، وهذا لأن المشكلة قاربت على الاختفاء، والفضل في ذلك يرجع لقرار سياسي.
اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون
في عام 1985 اجتمع ممثلون من 197 دولة في مدينة فيينا عاصمة النمسا، واتفقوا على بذل الجهد في البحث العلمي للاهتمام بهذه الظاهرة وحل مشكلة طبقة الأوزون. كان عدد الدول المشاركة كبيرا بحيث التفت انتباه العالم أجمع إلى الكارثة، وكانت اتفاقية حماية طبقة الأوزون.
في المرحلة السابقة لمؤتمر فيينا، كانت النتائج البحثية تشير إلى أن مركبات الكلوروفلوروكربون، وهي جزيئات تتكون من ذرات الكربون والفلور والكلور، استخدمت بشكل أساسي في الثلاجات، إلى جانب استخدامات متنوعة أخرى، كانت السبب المباشر في تآكل طبقة الأوزون.
لذلك ركزت الاتفاقية على توضيح هذه المشكلة، لكن اتفاقية فيينا لم تكن ملزمة قانونا للدول المشاركة بخفض استخدام مركبات الكلوروفلوروكربون.
وعلى الرغم من ذلك، فإنها مثلت إطارا واضحا للجهود الدولية المطلوبة لحماية طبقة الأوزون. وبمعنى أوضح، قدمت اتفاقية فيينا الإطار اللازم لإنشاء تدابير تنظيمية ظهرت بالفعل في شكل ما عرف بـ"بروتوكول مونتريال" الذي دخل حيز التنفيذ في عام 1989.
شاركت كل دول العالم في بروتوكول مونتريال، وكان الهدف تنفيذا متدرجا لخفض استخدام مركبات الكلوروفلوروكربون في الصناعة، وبحلول عام 2009 تم التخلص من 98% من المركبات الكيميائية المتفق عليها في المعاهدة.
وأشارت دراسة صدرت عام 2018 من وكالة الفضاء والطيران الأميركية (ناسا) إلى أن الجهود الدولية لتخفيض انبعاث مركبات الكلوروفلوروكربون أدت إلى تقليل استنفاد الأوزون بنسبة 20%، مقارنة بما كان عليه الأمر في عام 2005.
وتتأكد تلك النتائج في دراسة نشرت بدورية "نيتشر" (Nature) في مارس/آذار 2020، أشارت إلى أن اتفاقية فيينا ومعاهدة مونتريال التي تلتها نجحتا في التأثير على طبقة الأوزون، إذ استقرت معدلات فقدان الطبقة، وسط توقعات للعلماء بأن تعود طبقة الأوزون إلى مستويات ما قبل 1980 في منتصف القرن الحالي تقريبًا.
التغير المناخي لا يقل خطرا عن ثقب الأوزون
لا يمكن أن تمر ذكرى اتفاقية حماية طبقة الأوزون، في 22 سبتمبر/أيلول من كل عام، من دون أن نلتفت إلى قضية أخرى شبيهة تماما، هي الاحترار العالمي.

تتشابه القضيتان في نواح متعددة، الأولى أن الخطر واضح في الحالتين، فارتفاع متوسطات درجات الحرارة على كوكب الأرض سيؤثر سلبا في حياة كل البشر، ليس فقط بسبب ارتفاع معدلات، وطول، وشدة ظواهر مثل موجات الجفاف والحر الشديد والفيضانات والأعاصير والعواصف وغيرها من حالات الشذوذ المناخي، ولكن كذلك لأن كل ما سبق يؤثر بالتبعية على الأمن الغذائي، وتتوقع العديد من الأعمال البحثية في هذا النطاق اضطرابات سياسية واقتصادية شديدة بسبب الاحترار العالمي.
إلى جانب ذلك، فإن هناك اتفاقا بين القضيتين في السبب، هو النشاط الإنساني، حيث استنتج أكثر من 97% من العلماء أن النشاط الإنساني له دور جوهري في الاحترار العالمي.
تقوم المصانع ووسائل النقل والمواصلات ومحطات الطاقة بنفث كميات هائلة من الغازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي، وذلك تسبّب في أن تخطت نسبة هذا الغاز حاجز 400 جزء من المليون، وهو أكثر من ثلث ما كان موجودا قبل الثورة الصناعية.
ويتسبب ثاني أكسيد الكربون في حبس الحرارة داخل الغلاف الجوي بمعدلات أكبر، وذلك يؤدي بدوره إلى احترار الكوكب.
الجانب الآخر للسياسة والتقاعس عن تقليل الانبعاثات
لكن على الجانب الآخر، تختلف القضيتان في الاستجابة السياسية، فاتفاقية فيينا وبعدها معاهدة مونتريال كانتا نموذجا مثاليا لاتحاد حكومات الكوكب لمواجهة خطر محدق، غير أنه في حالة التغير المناخي يمكن ملاحظة وجود انفصال هائل بين ما هو ضروري لتجنُّب تغير المناخ وما أُنجِز على مستوى العالم حتى الآن.

وفي ضوء دراسة صدرت في دورية "نيتشر" في مايو/أيار 2019، فإن سبب ذلك هو الضغط السياسي الشديد من أجل منع اتخاذ قرارات بيئية حاسمة في هذا الشأن.
لهذا السبب، كان فريق من 11 ألف عالم من 153 دولة، في ورقة بحثية نشرت في دورية "بيوساينس" (BioScience) عام 2020، قد قرّروا إعلان حالة الطوارئ المناخية في رسالة عالمية جاء فيها أن علماء العالم يحملون واجبا أخلاقيا لتحذير الناس من المخاطر القادمة، وأن الوقت المسموح لاتخاذ القرار قد بدأ ينفد.
يرى هذا الفريق من العلماء أن هناك معايير يجب أن يعمل سياسيو العالم على تحقيقها، أهمها وقف استخدام الوقود الأحفوري، والحفاظ على المنظومة البيئية من التلف، وتعديل الاقتصاد بحيث يكون خادما لحماية البيئة والمناخ.
حتى الآن، لم يتفق العالم بعد في مسألة التغير المناخي، في صورة تشبه ما حدث في حالة اتفاقية حماية طبقة الأوزون في فيينا عام 1985، الاتفاق الذي حمى الأرض من كارثة محققة، حيث يعتقد العلماء أن ترك الحبل على الغارب لمركبات الكلوروفلوروكربون كان سيحوّل أرضنا في عام 2050 إلى كوكب غير صالح للحياة.