عمرها 14 ألف عام.. حفرية غريبة في الصين تكشف عن علاقة مثيرة مع الأميركيين الأوائل
هناك كثير من مواقع العصر البليستوسيني المتأخر في جميع أنحاء آسيا، ويرى الباحثون أن تلك العظام تخبئ أرشيفا يحكي تاريخ سفر البشر واستقرارهم واستكشافهم لكل شبر من كوكبنا.
كُشف أخيرا عن أسرار البقايا التي انتُشلت من كهف في مقاطعة يونان (Yunnan) الصينية منذ أكثر من 10 سنوات من خلال تحليل الحمض النووي.
وقيّم باحثون من الأكاديمية الصينية للعلوم (Chinese Academy of Sciences) التسلسلات النووية والميتوكوندريا المستخرجة من جمجمة عمرها 14 ألف عام، وتعرف الميتوكوندريا بأنها عضية خلوية توجد في الخلايا الحقيقية النواة وتوفر الطاقة اللازمة للقيام بالنشاط الخلوي.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsليست من كوكب الأرض.. فك لغز قطع الزجاج الغامضة بصحراء أتاكاما في تشيلي
على خلاف الشائع.. سكان أميركا الأصليين كانوا بنائين مهرة
أصل غير متوقع تكشف عنه جينات شعوب أميركا الجنوبية المفقودة
واكتشف الباحثون، وفقا للدراسة المنشورة في دورية "كارينت بيولوجي" (Current Biology) في 14 يوليو/تموز الجاري، أن المرأة صاحبة الجمجمة -التي يطلق عليها اسم "مينغزي رين" (Mengzi Ren)- ترتبط ارتباطا وثيقا بالسكان الذين كانوا أول من وطئت أقدامهم أرض الأميركيتين.
بقايا لسلف هجين
تعود القصة إلى عام 2008 حينما عُثر على عشرات العظام البشرية التي ترجع إلى العصر الحجري القديم في "مالو دونغ" (Malu Dong) في كهف "ريد دير" (Red Deer) في جنوب غربي الصين، وهو الحدث الذي تسبّب في حيرة كبيرة وسط علماء الأنثروبولوجيا الذين كانوا أمام تحدّ كبير لتحديد هوية أصحاب تلك العظام، بخاصة أنهم لن يتمكنوا من تقدير أعمار تلك العظام إلا بالاعتماد على السمات المحيطة بموقع رفاتهم، وذلك لعدم وجود كمية كافية من الكولاجين لبناء تحليل التأريخ الكربوني لها.
ووفقا لتقرير نشر على موقع "ساينس ألرت" (Science Alert)، لم يتمكن الباحثون من التحقق من أن مزيج العظام الذي يحتوي على جزء من الجمجمة والنهاية العلوية لعظم الفخذ كلها تعود إلى الشخص نفسه.
ولكنهم يعتقدون أن ذلك المزيج فريد بخصائصه القديمة والحديثة، وربما كان سلفا رافضا للتشبث بالبقاء في جنوب شرقي آسيا على عكس السكان الأقدم "كالهومو فلوريسينسيس" (Homo floresiensis)، أو ربما كان مزيجا هجينا يجمع بين سلالات أكبر وسلالات أكثر حداثة، ومن الممكن أيضا أن تكون بعض سمات الأجداد قد علقت ببساطة بجيناتهم على الرغم من مرور آلاف السنين من التطور.
ولتحديد موقع "مينغزي رين" بالضبط في شجرة عائلتنا الآدمية المترامية الأطراف، درس الباحثون تسلسل الحمض النووي الذي تمكنوا من استخراجه من الجمجمة، ورسموه وفقا لنموذج مرجعي جيني قياسي. ولأن الحمض النووي للميتوكوندريا يمر عبر البويضة فقط من الأم، فقد تمكن فريق الدراسة من تحديد سلالة الجمجمة الأم على أنها من فرع منقرض الآن تمثله مجموعتان فرعيتان فقط في العصر الحديث.
سلف محدثون
وعند تحليل الحمض النووي للجمجمة وجد الباحثون أن لـ"مينغزي رين" علاقات وثيقة مع البشر المعاصرين تشريحيا. ووفقا للبيان الرسمي المنشور على موقع "يوريك ألرت" (Eurek Alert)، فقد صرح بينج سو عالم الآثار في الأكاديمية الصينية للعلوم بأن "تقنية الحمض النووي القديمة تعدّ أداة قوية حقا".
وأضاف "إنها تخبرنا وبشكل قاطع أنه على الرغم من سماتهم المورفولوجية غير العادية، فإن الناس في كهف ريد دير كانوا بشرا حديثين ولم يكونوا من الأنواع القديمة مثل إنسان نياندرتال أو دينيسوفان".
وعلى الرغم من ارتباط "مينغزي رين" ارتباطا وثيقا بسكان جنوب الصين الحاليين أكثر من سكان الشمال، فإنها لا تشترك مع الأشخاص الذين يعيشون الآن في جميع أنحاء جنوب شرقي آسيا، وذلك يشير إلى وجود مجموعات سكانية جيدة التنظيم ومتنوعة في المنطقة منذ آلاف السنين.
وهذا لا يعني أن آسيا كانت مأهولة من الأسفل إلى الأعلى؛ فهناك أدلة قوية على أن عددا صغيرا نسبيا من البشر كان قد غامر أيضا بالنزول من الشمال للاستقرار في الشرق، وهي مجموعة من شأنها أن تنقسم لتغامر عبر الامتداد المغطى بالجليد لمضيق بيرينغ وذلك بهدف الاستقرار وإعادة تأهيل البرية الشاسعة للأميركيتين.
أرشيف لهجرة البشر
إن ربط الحمض النووي لـ"مينغزي رين" بالسلالات من السكان الشماليين يعني أن هناك الآن دليلا قويا على أن الروابط لا تقتصر على السكان الآسيويين الحديثين والأمم الأولى في أميركا، ولكنها تشمل أيضا الأنساب الآسيوية القديمة.
وقال سو "لن تساعدنا هذه البيانات على رسم صورة أكثر اكتمالا لكيفية هجرة أسلافنا فحسب، بل ستزوّدنا أيضا بمعلومات مهمة عن كيفية تغيير البشر لمظهرهم الجسدي من خلال التكيف مع البيئات المحلية بمرور الوقت، مثل الاختلافات في لون البشرة استجابة للتغيرات في التعرض لأشعة الشمس".
وإذا سارت الأمور على ما يرام، فلن تكون "مينغزي رين" وحدها المستهدفة لفك رموز جيناتها، فهناك كثير من مواقع العصر البليستوسيني المتأخر في جميع أنحاء آسيا؛ ويرى الباحثون أن تلك العظام تخبئ أرشيفا يحكي تاريخ سفر البشر واستقرارهم واستكشافهم لكل شبر من كوكبنا.