تعاون دولي بين الدراسة الأكاديمية والصناعة لبحث تأثير أنابيب النفط على البيئة البحرية
المسح البحري لأعماق السواحل الأنغولية أظهر زيادة أعداد حيوانات البحر العملاقة وتنوعها حول خطوط الأنابيب، رغم زيادة كمية النفايات في المنطقة نفسها.

تلجأ صناعات تعدينية عديدة إلى تركيب خطوط الأنابيب في البحار والمحيطات، وتؤثر تلك الأبنية الصناعية في طبيعة الحياة البحرية تأثيرا واضحا، إلا أن ذلك التأثير غير معروف عندما يتعلق الأمر ببيئة الحواف البحرية القارية (Continental margins).
ودفع ذلك الأمر فريقا من الباحثين متعددي الجنسيات إلى دراسة تأثير تركيب مجموعة من خطوط الأنابيب على حيوانات قاع البحر العملاقة التي تعيش على حواف ساحل دولة أنغولا الواقعة على الساحل الغربي الأفريقي. تمتد خطوط الأنابيب 56 كيلومترا طولا وتقع على عمق يمتد بين 700 و1800 متر، ورصد الباحثون التغيرات على مدار 3 أشهر.

تأثيرات متباينة
في الدراسة التي نشرت نتائجها في دورية "فرونتيرز إن مارين ساينس" (Frontiers in Marine Science) في 14 يونيو/حزيران الجاري؛ أكد الباحثون أن الهياكل الصناعية التي تُنشئها مؤسسات التعدين في الأعماق قد تغير بنية النظام البيئي البحري، وتؤثر على وظائفه.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsمن أصغر الكائنات على وجه الأرض يمكن أن تتكون أكبر المرتفعات
انخفضت إلى النصف.. باحثون يكتشفون السبب الرئيسي لتراجع أعداد أسماك قرش الحوت
ميكروبات الأعماق السحيقة للمحيطات تنتج الأكسجين دون الحاجة لضوء الشمس
وقدمت دراسات عديدة سابقة أدلة على وجود تأثيرات إيجابية لتركيب تلك الأبنية والهياكل المعدنية على البيئة البحرية، فهي توفر مسكنا طبيعيا للكائنات المهددة بالانقراض، وقد تزيد أعداد بعض الأسماك، كما قد تحمي البعض الآخر مما يتعرض للصيد المفرط، وتدعم حياة الشعاب المرجانية.
وعلى صعيد آخر، قد تضر خطوط الأنابيب البيئة البحرية ضررا كبيرا؛ فهي تزيد معدلات التلوث البحري، وتغير توزيع الموائل أو المساكن الطبيعية الداعمة للحياة البحرية. وتختلف تلك التأثيرات تبعا لعدة عوامل، منها: الوقت، والظروف البيئية الخاصة بكل منطقة.

تعاون الجهات البحثية والصناعية
بين أندرو جيتس في البيان الصحفي المنشور على موقع "يوريك ألرت" (!Eurekalert) -وهو أحد مؤلفي الدراسة من المركز الوطني لعلوم المحيطات بالمملكة المتحدة- وجود تعاون طويل المدى بينهم كباحثين وبين شركة النفط البريطانية الشهيرة (BP) العاملة على تطوير صناعات الطاقة في عدد من الدول، وبينها أنغولا.
وأثمر ذلك التعاون إمكانية استغلال الباحثين صور المسح البحري الذي تُجريه الشركة دوريا لتفقد خطوط الأنابيب، ويعد الحصول على مثل تلك المقاطع المصورة مكلفا وصعبا، وسمحت الصور والفيديو بدراسة تغيرات الحياة البحرية بعد تركيب الأنابيب.
فقد حدد الباحثون كل أنواع الحيوانات الموجودة بالمقاطع، وتضمنت: خيار البحر وشقائق النعمان والأسماك النجمية، إضافة إلى عدد آخر من الأنواع المختلفة.
واعتمد تصوير الفيديو على استخدام "آر أو في" (ROV)، وهو روبوت في حجم السيارة يُمكن تشغيله عن بعد كي يصل إلى أعماق البحار، ويتحكم فريق العمل فيه عبر كابل يصل بينه وبين سفينة على السطح.

زيادة بعض الأنواع
تعددت نتائج الدراسة التي اعتمدت على ملاحظة التغيرات البيئية في أعماق الساحل الأنغولي قبل تركيب خطوط الأنابيب مباشرة وبعدها لفترة قصيرة امتدت 3 أشهر. وأشارت النتائج إلى أن أعداد وأنواع حيوانات قاع البحر العميقة زادت بوضوح بعد تركيب الأنابيب، إلى جانب تعلق كميات كبيرة من النفايات بتلك الأنابيب.
وفي تصريحات خاصة للجزيرة نت عبر البريد الإلكتروني، قال دانيال جونز الرئيس المساعد لقسم العلوم الجغرافية الحيوية للمحيطات بالمركز الوطني لعلوم المحيطات في المملكة المتحدة: "تُشير دراستنا التي أجريناها على المنحدر القاري الأنغولي إلى تأثر أعداد معظم الحيوانات البحرية إيجابيا بعد 3 أشهر من تركيب خطوط الأنابيب، إضافة إلى زيادة التنوع الحيواني ببعض المناطق".
وأضاف جونز "أشرنا خلال الدراسة إلى استفادة بعض الفصائل البحرية من تركيب خطوط الأنابيب، مثل فصيلة فورموسوما، وهي أحد أنواع القنافذ".
وبسؤاله عن أسباب تلك النتائج الإيجابية، قال "لقد أكدت نتائج الدراسة زيادة أعداد الحيوانات بنسبة ما بعد تركيب الأنابيب، إلا أننا لم نستطع اختبار سبب تلك الزيادة؛ قد يُسبب تعلق المواد العضوية بالأنابيب جذب الحيوانات من المناطق المحيطة، كما قد ينتج ذلك التنوع عن تحسن حقيقي للحالة البيئية، ونحن نُرجح أن سبب التنوع هو العامل الأول".

المزيد من البحث على فترات أطول
وأشار جونز -في تصريحاته للجزيرة نت- إلى أن زيادة تنوع الحيوانات والمواد العضوية حول خطوط الأنابيب ليست إيجابية في كل الأحوال، فذلك التنوع قد يكون مفيدا بالفعل للحيوانات المحلية، وقد يكون ضارا أيضا، وهو ما يستدعي دراسة البيئة المحيطة بالأنابيب على المدى الطويل.
ويؤكد جونز أنه "لا بد أن نتذكر أننا ركزنا خلال الدراسة على ملاحظة التغيرات في بيئة رواسب المياه العميقة اللينة (رواسب من الطمي والطين والرمل توفر مسكنًا للافقاريات القاعية)، وهو ما يعني احتمالية الحصول على نتائج مختلفة عند تركيب الأنابيب في بيئات أخرى".
وعن إمكانية استفادة شركات التعدين من نتائج ذلك البحث، يجيبنا جونز بأنه "قد تساعد نتائج تلك الدراسة في عمليات اتخاذ القرارات المهمة المتعلقة بتحديد أماكن تركيب خطوط الأنابيب وكيفية تركيبها، كما تساعد على اتخاذ التدابير اللازمة لتخفيف الأثر البيئي".
وعن الخطوة البحثية التالية يقول "نحتاج إلى مواصلة رصد تلك الأنابيب ومحيطها المحلي، ودراسة إمكانية وكيفية استيطان الحيوانات بها، ونحتاج للإجابة عن مجموعة من الأسئلة، مثل: ما الفصائل التي تجتذبها الأنابيب فتنمو عليها؟ وكيف تتغير أعداد تلك الفصائل بمرور الوقت؟ وكيف تؤثر الأنابيب هيكليا ووظيفيا على النظام البيئي المحلي؟ ومن الجيد أيضا دراسة وتقييم التغيرات الطارئة على الحيوانات الأصغر حجما".