الكون المرآة.. ماذا لو كان لكوننا توأم يسير عكس الزمن؟
الجزء المحزن هو أننا لن نكون قادرين على الوصول إلى كوننا التوأم لأنه موجود "خلف" الانفجار العظيم، قبل أن يبدأ كوننا، لكن هذا لا يعني أنه لا يمكننا اختبار هذه الفكرة.
ماذا لو كان لكوننا توأم يسير إلى الوراء في الزمن؟ على الرغم من أن هذا يبدو سخيفا، فإن علماء يرون أن وجود مثل هذا الكون المرآة قد يفسر كثيرا من الألغاز بشأن كوننا الذي نعيش فيه.
تقترح نظرية جامحة أنه قد يكون هناك "كون مضاد" (anti-universe) يمتد إلى الوراء في الزمن قبل الانفجار العظيم. وتفترض نظرية "الكون المضاد" -التي تم توضيحها في ورقة تم قبولها للنشر في دورية "إنالز أوف فيزيكس" (Annals of Physics)- أن الكون الأول كان صغيرا، كثيفا وحارا جدا، ومنتظما لدرجة أن الوقت سواء تقدم للأمام أو تراجع للخلف، سيبدو متماثلا.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsشاهد.. أكبر خريطة ثلاثية الأبعاد مفصلة للكون
ما مدى سرعة تمدد الكون؟ المجرات تقدم الإجابة
ما هو حجم الكون؟ وهل توجد له حدود؟ وهل يقع شيء خارجه؟.. أسئلة يجيب عنها العلماء
يمكن لهذه النظرية أن تساعد في إزالة الغموض عن المادة المظلمة، التي طالما كان يُعتقد أنها غامضة للغاية. فإذا كان كوننا في الواقع لديه توأم يعود به الزمن إلى الوراء، فإن المادة المظلمة هي في الأساس نسخة مختلفة من جسيم يسمى "نيوترينو" (neutrino) لا يمكن أن يوجد إلا في هذا الكون المزدوج.
بالإضافة إلى ذلك، تفترض النظرية أن الكون لم يمر بفترة "تضخم" بعد الانفجار العظيم حيث حدث توسع هائل. وإذا كان هذا صحيحا، فإن التجارب المستقبلية للبحث عن موجات الجاذبية، أو لتحديد كتلة النيوترينوات، يمكن أن تجيب بشكل نهائي عما إذا كان هذا الكون المرآة المضاد موجودا أم لا.
ما سبب افتراض هذا الكون المضاد؟
هذا المفهوم للكون المضاد، الذي تحاول الورقة الجديدة أن تقدمه، يشير إلى أن سبب افتراض هذا الكون هو وجود تناظر أساسي في الطبيعة، وبالأساس تناظر الشحنة والتكافؤ والوقت. ويُعرف هذا التناظر الأساسي باسم تناظر "سي بي تي" (CPT)، حيث تشير "سي" (C) إلى الشحنة، و"بي" (P) للتكافؤ، و"تي" (T) للزمن.
وافترض العلماء أنه للحفاظ على تناظر الشحنة والتكافؤ والزمن هذا في الكون يجب أن تكون لدينا صورة كونية معكوسة لموازنة كوننا، كما ذكر تقرير منشور في موقع "لايف ساينس" (Live Science).
وتخضع التفاعلات الفيزيائية عموما لهذا التناظر، لكن لم يلاحظ الفيزيائيون أبدا انتهاكا لقوانين الطبيعة هذه في وقت واحد؛ لذا يفترض الباحثون أنه بينما ينطبق هذا التناظر على التفاعلات، فإنه يمكن أن ينطبق أيضا على الكون بأكمله.
على هذا النحو، وللحفاظ على هذا التناظر، يمكن أن تكون هناك صورة كونية معكوسة لموازنة كوننا. وإذا أخذنا ذلك في الاعتبار، وكان كلا الكونين يخضعان لتناظر الشحنة والتكافؤ والوقت، فإن هذا يعني أنه سيكون هناك جسيم غير مرئي يؤثر على الكون من خلال الجاذبية، وهو يشبه إلى حد كبير المادة المظلمة.
عواقب هذا الكون؟
تساءل باحثو الدراسة بعد ذلك عن عواقب مثل هذا الكون. وقد توصلوا إلى عدد من الأشياء:
أولا، يتوسع الكون الذي يتضمن تناظر الشحنة والتكافؤ والزمن بشكل طبيعي ويملأ نفسه بالجسيمات، من دون الحاجة إلى فترة طويلة من التمدد السريع المعروفة باسم "التضخم".
وفي حين أن هناك الكثير من الأدلة على وقوع حدث التضخم، فإن الصورة النظرية لذلك الحدث غامضة بشكل كبير جدا؛ فالتضخم غامض للغاية لدرجة أن هناك متسعا كبيرا لمقترحات بديلة قابلة للتطبيق.
ثانيا، سيضيف الكون الذي يتضمن تناظر الشحنة والتكافؤ والزمن بعض النيوترينوات الإضافية إلى المزيج الموجود بالفعل في الكون. هناك 3 نيوترينوات معروفة: "نيوترينو الإلكترون" (the electron-neutrino)، "نيوترينو نيوترينو" (muon-neutrino)، "تاو نيوترينو" (tau-neutrino)، ومن الغريب أن الثلاثة أنواع من النيوترينو جميعها عسراء (في إشارة إلى اتجاه دورانها بالنسبة لحركتها).
لذلك تساءل الفيزيائيون منذ فترة طويلة عما إذا كانت هناك نيوترينوات إضافية في اليد اليمنى، خصوصا وأن جميع الجسيمات الأخرى المعروفة في الفيزياء لها أنواع مختلفة من اليد اليسرى واليمنى.
وثالثا، فإن الكون الذي يتضمن تناظر الشحنة والتكافؤ والزمن يتطلب وجود نوع واحد على الأقل من النيوترينوات اليمنى، التي ستكون غير مرئية إلى حد كبير لتجارب الفيزياء، ولن تؤثر إلا من خلال الجاذبية على بقية الكون، وهذا يشبه إلى حد كبير المادة المظلمة.
ووجد الباحثون أنه في حالة التسليم بوجود تناظر الشحنة والتكافؤ والزمن فإن النيوترينوات اليمنى سوف تملأ الكون، وهو ما يكفي لتفسير المادة المظلمة.
هل يمكن الوصول إلى كوننا التوأم؟
الجزء المحزن هو أننا لن نكون قادرين على الوصول إلى كوننا التوأم، لأنه موجود "خلف" الانفجار العظيم، قبل أن يبدأ كوننا، لكن هذا لا يعني أنه لا يمكننا اختبار هذه الفكرة.
توقع العلماء أن يكون أحد أنواع النيوترينو في عالم الكون المضاد عديم الكتلة، وبالتالي إذا تمكن الفيزيائيون من قياس كتل النيوترينو بشكل قاطع، وكان أحدهم عديم الكتلة بالفعل، فإن ذلك سيعزز بشكل كبير فكرة الكون المضاد والمتناظر.
أخيرا، في هذا النموذج الجديد من الكون المضاد، لم يقع حدث التضخم أبدا؛ وعوضا عن ذلك، امتلأ الكون بالجسيمات بشكل طبيعي من تلقاء نفسه. ويعتقد الفيزيائيون أن التضخم قد هز الزمكان لدرجة هائلة حتى أنه أغرق الكون بموجات الجاذبية.
وتجري العديد من التجارب للبحث عن موجات الجاذبية البدائية هذه. وفي حال لم يتمكن العلماء من رصدها، فإن ذلك يعد دليلا آخر على صحة نموذج الكون المضاد والمتناظر، الذي يقول إنه لا ينبغي لهذه الموجات أن تكون موجودة لأنه لم يحدث تضخم من الأساس.