علم الفلك يطوي صفحة مضيئة.. وفاة العالم الكويتي صالح العجيري
تتويجاً لمسيرة علمية حافلة، تم إشهار "مركز العجيري العلمي للبحث والتطوير" في مجال علوم الفلك والفضاء في ديسمبر/كانون الأول 2021.

الكويت- طوى علم الفلك في الكويت والعالم العربي صفحة من أهم صفحاته، برحيل عالم الفلك والرياضيات الدكتور صالح العجيري، الذي وافته المنية الخميس 10 فبراير/شباط الجاري.
وقد شيعت الكويت، صباح الجمعة، الدكتور العجيري إلى مثواه الأخير عن عمر ناهز 101 عام، بعد رحلة مليئة بالعطاء والإنجازات.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالفلكي الكويتي صالح العجيري.. ذاكرة يافعة على أعتاب المئة
الفلكي العجيري: نعيش في 2023 وليس 2019
أبو إسحاق الشاطبي.. أندلسي عاصر كل الأزمنة
ولد العجيري 23 يونيو/حزيران 1921، في حي "قبلة" وعاش حياة بسيطة، توفيت والدته ولم يكن قد تجاوز 12 عاماً، فانعكس ذلك على حياته، إذ تحمل مسؤولية رعاية إخوته الأربعة، وكان نشيطا كثير الحركة، فلفت أنظار المدرسين الذين اختاروه لفريق التمثيل، فقام بتجسيد مسلسل "الدختر الأميركاني".
وبعدها خاض تجربة التمثيل مع عمالقة المسرح عام 1938، وشكل مع الراحل محمد النشمي ثنائياً ناجحاً، لكنه طوى صفحة التمثيل من حياته ولم يستمر فيها.
بدأ تعليمه عندما بلغ الرابعة بشكل بسيط في "الكتّاب" وعند سن التاسعة التحق بالمدرسة النظامية، وبسبب رغبة والده بأن يصبح تاجرا، التحق بمدرسة الملا مرشد الأهلية المعروفة بتدريس العلوم التجارية، قبل أن ينهي تعليمه بالمدرسة المباركية عام 1943، إذ أكمل الدراسة فيها حتى الصف الثاني الثانوي.

مسيرته مع الفلك
بدأت رحلته مع علم الفلك عندما كان صغيرا، رغم أنه كان يخاف من الظواهر الطبيعية مثل صوت الرعد ووميض البرق والرياح والظلام وكل ما هو طبيعي من الظواهر المختلفة، لكنه جعل من هذا الخوف سببا لدخول علم الفلك، فانكب على البحث والتحصيل.
أرسله والده إلى إحدى القبائل بالصحراء جنوب الجهراء ليتعلم الفروسية والرماية، ويتعود الحياة القاسية، كما شجعه على دراسة علم الفلك بعد أن رأى شغفه به، فمكث في الصحراء عاما واحدا تعلم خلاله الاستدلال على الجهات الأربع من اتجاه الكثبان الرملية، ثم انتسب لمدرسة عبد الرحمن بن حجي مؤسس علم الفلك بالكويت، وعلى يديه تلقى دروسه من خلال آلة قديمة تسمى "الربع المجيب".
وسافر إلى مصر ومنها نال شهادة التخصص بعلوم الفلك من قبل الاتحاد الفلكي المصري عام 1952، كما زار عددا من الدول الأجنبية للاستفادة من علومها المختلفة ومنها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وسويسرا وألمانيا وفرنسا، إضافة إلى مشاركته في العديد من المؤتمرات العلمية المتخصصة بالعلوم والفلك.

مسيرة حافلة
بدأت مسيرة العجيري العملية في التدريس، ولكنه لم يستطع الاستمرار فاتجه إلى العمل التجاري، فعمل محاسباً مدة 42 شهرا، وفي النهاية التحق بالعمل الحكومي لكي يوفر الوقت من أجل ممارسة هوايته.
بذل العجيري مجهودا كبيرا لرفع مستوى علم الفلك في بلاده، من خلال الكتب التي ألفها والمحاضرات والندوات التي قام بها والمؤتمرات التي شارك فيها.
وله إنجازات كثيرة من أهمها تأسيسه "تقويم العجيري" عام 1952 الذي تميز بالدقة ومازال يطبع سنويا إلى يومنا هذا، وقد اعتمدته الدولة في معاملاتها الرسمية، وهي رزنامة تطبع في عدد من الدول العربية والأجنبية.
وأصبح "تقويم العجيري" -وفقاً لقرار مجلس الوزراء عام 2006- التقويم الرسمي للدولة، وذلك على مستوى حساب المواقيت والأهلة والظواهر الفلكية، كما اعتبر المرجع العلمي الرئيسي للتقاويم الأخرى، بفضل ما تميز به من دقة وحرفية. كما افتتح مكتبة العجيري الشهيرة عام 1973 بمنطقة حولي.
وقام ببناء مرصد فلكي على نفقته الخاصة أوائل السبعينيات، وفي هذا الوقت تعاون مع النادي العلمي، وتوج ببناء "مرصد العجيري" بمقر النادي، و"متحف العجيري الفلكي" الذي افتتح في 5 أغسطس/آب 2013 ويحوي مكتبة تضم أهم مؤلفاته ومنجزاته.
ويعد "متحف العجيري" أحد المتاحف العلمية المتخصصة في مجال الفلك بالوطن العربي، وقد سمي بهذا الإسم تقديراً لهذا العالم الفلكي، ويتيح للزوار الاطلاع على مقتنيات العالم الفلكي في المتحف بالإضافة إلى الأدوات والمقتنيات الفلكية النادرة التي تعرض في أركانه المختلفة.
كما يوفر قاعة عرض سينمائي تعد الأولى خليجيا، وهي "القبة الفلكية" باتساع 360 درجة، يعرض فيها مجموعة من الأفلام الوثائقية بالعربية والإنجليزية حول الرحلات الفضائية وقصة هبوط أول رائد فضاء على سطح القمر.

المركز العلمي
تتويجاً لمسيرة علمية حافلة، تم إشهار "مركز العجيري العلمي للبحث والتطوير" في مجال علوم الفلك والفضاء، خلال ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وتقوم رؤية المركز على إيجاد بيئة حاضنة للإبداع الفلكي وتطوير هذا العلم والحفاظ على استمرارية مسيرته بالكويت، من خلال مهام المركز التي تشمل الحسابات الفلكية وحساب المواقيت والأهلة، وإصدار ونشر التقاويم، وتقديم الاستشارات العلمية، وتنظيم المؤتمرات ذات الصلة.
وقد ترك الدكتور العجيري مؤلفات كثيرة أثرت المكتبة العربية، منها "تقويم القرون لمقابلة التواريخ الهجرية والميلادية، دورة الهلال، جدولة الوقت، التقويم قديماً وحديثاً، المواقيت والقبلة، الاهتداء بالنجوم في الكويت، علم الميقات، دروس فلكية للمبتدئين، كيف تحسب حوادث الكسوف والخسوف، التقويم الهجري وكيف يحسب تقويم القرون، خريطة ألمع نجوم السماء، مذنب هالي، تقويم الحائط".
ونال الراحل الكثير من الجوائز نظراً لإسهاماته العديدة والمتميزة في مجالات العلوم والفلك مثل الدكتوراه الفخرية بالعلوم من جامعة الكويت عام 1981، قلادة مجلس التعاون للعلوم عام 1988، جائزة الدولة التقديرية عام 2005، عضوية الشرف بالاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك عام 2000، إضافة إلى العديد من الجوائز المحلية والعربية.