علم الفلك للجميع.. مبادرة مجتمعية لتأطير طلاب القرى المغربية النائية
لم يتوقع طلاب المدارس الابتدائية العمومية في جبال الأطلس أن يشاهدوا جهاز تلسكوب لمراقبة النجوم والكواكب يوما ما، حتى جاءت المبادرة العلمية "علم الفلك للجميع" التي يشرف عليها "نادي أسيف الفلكي"، الذي يسعى إلى إيصال علم الفلك لطلاب المدارس الابتدائية بقرى المغرب النائية.
وقال المهدي السعيدي -الطالب الباحث في سلك الدكتوراه بجامعة الحسن الأول بمدينة سطات والمشرف على هذه المبادرة- في حديث للجزيرة نت عبر البريد الإلكتروني "ما دفعني إلى خوض غمار هذه المبادرة هو اهتمامي الكبير بالعمل الجمعوي التطوعي بالإضافة، إلى معرفتي المسبقة بالعلوم الفيزيائية، ورغبتي في مشاركتها مع الأطفال، ليحظى أطفال الهامش بالأطلس الصغير بفرصة استعمال الوسائل التكنولوجية العلمية، كالمنظار الفلكي".
اقرأ أيضا
list of 4 itemsشاهد.. صور رائعة للمصور الفلكي المغربي عزيز كعواش
إنجاز فريد لهواة الفلك.. اعتماد دولي لأول مرصد فلكي للهواة بالمغرب
انظروا إلى سماء الليل وعلموا أطفالكم علم الفلك
كان نادي أسيف الفلكي قد نظم آخر ورشة عمل له في علم الفلك -من تأطير المهدي السعيدي- حول المجموعة الشمسية تحت عنوان "إتري واسيف" (ITRI WASIF) في نسختها الثالثة لفائدة أطفال مجموعة مدارس كدورت بجبال الأطلس الصغير يوم 15 يناير/ كانون الثاني الماضي.
مبادرة علمية مجتمعية في القرى النائية
ونادي "أسيف" الفلكي هو مبادرة علمية مجتمعية تابعة لجمعية "أسيف ن أيت بونوح للثقافة والتنمية الاجتماعية" نواحي مدينة تافراوت (جنوب المغرب)، وتم تأسيسه بعد فوز الجمعية بتلسكوب من "الاتحاد الفلكي الدولي" (IAU) في مسابقة دولية لعلم الفلك بشراكة مع المبادرة البلجيكية "النجوم تلمع للجميع" (SSVI) سنة 2020، تحت إشراف "لجنة التواصل المغربية لنشر علم الفلك التابع للاتحاد الفلكي الدولي" (IAU Morocco-NOC).
يقول المهدي -للجزيرة نت- "تتجلى أهمية هذه المبادرة العلمية من خلال انفتاح التلميذ في العالم القروي على هذه الوسائل التكنولوجية التي تعتبر غير متوفرة بشكل كبير في المؤسسات التعليمية، وهذا هو دور المجتمع المدني والمتمثل في عقد شراكات لتطوير الفعل التربوي بالمناطق النائية، وتشجيع التمدرس، للقضاء على الهدر المدرسي، وهذا ما تسعى إليه جمعيتنا من خلال الأنشطة السنوية التي دأبت على تنظيمها مند سنة 2015".
ومن بين الأنشطة التي تركز عليها المبادرة في ورشات علم الفلك، عروض نظرية حول المجموعة الشمسية ومكوناتها من الكواكب وأهم خصائصها ومكانة كوكب الأرض فيها، علاوة على ورشات ترتيب الكواكب المنتمية للمجموعة الشمسية كتطبيق، بالإضافة إلى فتح النقاش مع التلاميذ والإجابة عن أهم تساؤلاتهم.
وبالإضافة إلى ذلك، هناك ورش تطبيقية يقوم فيها التلاميذ باستعمال التلسكوب من خلال النظر للقمر في ساحة المؤسسة، وهو ما يفسح المجال للتلاميذ للتعرف على القمر من خلال النظر إليه مباشرة من المنظار الفلكي، بعد التعرف عليه بشكل نظري في عرض الورشة النظرية.
وفي هذا الصدد، يقول معاذ الرادكي -وهو فاعل جمعوي من سكان منطقة كدورت بجماعة افلا اغير (أقصى جنوب المغرب بسلسلة الأطلس الصغير)- للجزيرة نت عبر الهاتف "هذه الورشات تعطي فرصة للأطفال الذين يعانون من نقص في الأنشطة غير المدرسية في المناطق النائية، وهذه الورشات تقدم لهم فرصا للانفتاح على مجالات علمية خارج المقرر المدرسي، وفهم آفاق العلوم الأخرى، للبحث عن المزيد من المعلومات التي من شانها دعم وإبراز مواهبهم".
علم الفلك للجميع
كانت هذه المبادرة قد انطلقت عام 2020 في 3 مجموعات مدرسية عمومية، في كل من إقليم طاطا وتزنيت جنوب المغرب، حيث تجاوز عدد التلاميذ الذين تم تأطيرهم 150 تلميذا، تحت إشراف النادي العلمي الوحيد بالمنطقة، حيث بدأ الناس يتقبلون فكرة وجوده كمبادرة علمية مجتمعية.
يقول المهدي السعيدي -الذي شارك كطالب صيفي في مختبر الفيزياء النووية في جنيف 2019- للجزيرة نت "الهدف من هذه المبادرة هو تعرف التلاميذ على المنظار عن قرب، وقد لوحظ الاندهاش والفرح في المشاهدة الأولى للقمر من التلسكوب، ففرحتهم تنم عن صدمة المعرفة المتمثلة في معرفة لم يتخيلوا الوصول إليها بهذه الطريقة العملية وبهذه الأدوات الحديثة".
وعلى الرغم من كل التحديات المتمثلة في نقص الإمكانيات المادية وقلة اهتمام الجمعيات المحلية بالمجال العلمي، بالإضافة إلى ضعف بنية التعليم في العالم القروي، فإن الباحث المهدي ورفاقه في هذه المبادرة العلمية يفكرون في إتمام الجولة مستقبلا في كافة القرى النائية، وخلق شراكات مع جمعيات ومؤسسات تعليمية ومع مهرجانات فنية.
وقال المهدي للجزيرة نت "سوف نستمر بالورشات في كل قرية، إضافة إلى التخطيط لمشروع مستقبلي لفائدة أطفال إقليم تزنيت نواحي مدينة تافراوت (جنوب المغرب) وباقي الجماعات بالمنطقة، والذي من الممكن أن يكون بشراكة مع مهرجان تيفاوين للقيام بورشة علم الفلك لفائدة أطفال المنطقة طوال أيام المهرجان".
ويعلق معاذ الرادكي "استقبل الأطفال هذه المبادرة بفرح شديد، وكانت فرصة لهم للتعمق في معرفة النجوم والكواكب والمجرات، وقد مكنتهم من اكتشاف عوالم كانوا ينظرون إليها بأعينهم المجردة ولم يكونوا يفهمونها، ونرجو إعادة تنظيم هذه المبادرة التي تركت أصداء جيدة بين الأطفال وذويهم".