تغيرات في مدار الأرض وراء احترارها قبل 56 مليون عام
قبل 56 مليون عام، وفي وقت وجيز، زاد تركيز غاز ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي للأرض بين 3 و4 أضعاف، مما تسبب في ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمية بين 5 و8 درجات مئوية.
قال فريق دولي من العلماء إن التغيرات التي تحدث لمدار الأرض حول الشمس يمكن أن تكون قد تسببت في الاحترار العالمي الذي وقع قبل 56 مليون سنة بشكل سريع مثلما يقع الآن.
فبحسب دراسة نشرتها في دورية "نيتشر كوميونكيشنز" (Nature Communications) مؤخراً، عثر باحثون من جامعة ولاية بنسلفانيا (Pennsylvania State University) على أدلة في الرواسب تشير إلى أن مدار الأرض في بداية تلك الفترة كان تغير وأدى إلى حدوث الاحترار.
احترار سريع أسبابه مجهولة
تؤكد الدراسات التي أجريت على تاريخ التغيرات المناخية على الأرض، أن كوكبنا شهد العديد من العصور الجليدية تخللتها فترات دفء تميزت أحيانا بارتفاع ملحوظ في متوسط درجة الحرارة. مثلما حدث قبل 56 مليون عام، أثناء الانتقال من عصر "الباليوسين" الذي أعقب انقراض الديناصورات وظهرت خلاله الطيور إلى عصر "الإيوسين" الذي ظهرت خلاله أولى الثدييات الحديثة.
في تلك الفترة، حدث احترار سريع يعرف لدى العلماء باسم "الحد الأقصى للحرارة البالوسينية-الإيوسينية" أو اختصارا (PETM). ففي وقت وجيز لا يتعدى 20 ألف سنة، زاد تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي للأرض بين 3 و4 أضعاف، مما تسبب في ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمية بين 5 و8 درجات مئوية وفق العلماء.
ونتيجة لعناصر التشابه العديدة، يصف العلماء هذا الاحترار القديم بكونه نظيرا للذي تعيشه الأرض حاليا، رغم أن الأول كان لأسباب طبيعية ولم يكن للإنسان أي دور فيه.
وقد رجحت العديد من الدراسات السابقة أن يكون ما حدث قبل 56 مليون عام كان بسبب انفجارات بركانية قوية أطلقت كميات هائلة من الكربون. وأشارت دراسات أخرى إلى احتمال أن يكون للتغيرات المدارية للأرض دور في هذا الاحترار، إلا أنه لم يكن قد تم العثور على أدلة حاسمة لتفسير أسباب حدوثه وكيفية وقوعه.
بصمة تغيّر مدار الأرض في الرواسب
في الدراسة العلمية الجديدة توصل الباحثون إلى أدلة تشير إلى أن التغيرات في مدار الأرض حول الشمس كان لها دور في حدوث الاحترار خلال "الحد الأقصى للحرارة البالوسينية-الإيوسينية".
وبحسب بيان صحفي نشر على موقع جامعة ولاية بنسلفانيا بتاريخ 13 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، فقد وجد العلماء أن بداية تلك الفترة تزامنت مع "انحراف" لمدار الأرض هيأ أجواءها لتكون أكثر حرارة.
للوصول لهذه النتائج قام العلماء بتحليل عينات من رواسب طبقات الصخور قرب ساحل ولاية ميريلاند على ساحل الأطلسي. وتضمنت عملية التحليل دراسة تغيّر نسب نظائر الكربون وعنصر الكالسيوم عبر الزمن، إضافة إلى الحساسية المغناطيسية الموجودة في النوى، والتي تحمل "بصمة" التغيرات التي حدثت في مدار الأرض.
تحدث تلك التغيرات على فترات زمنية تتراوح بين عشرات إلى مئات الآلاف من السنين، وتعرف باسم دورات "ميلانكوفيتش"، بسبب تفاعلات الجاذبية مع الشمس والكواكب الأخرى في النظام الشمسي، ويمكن التنبؤ بها وحسابها.
وتؤثر تلك التغيرات على مقدار ضوء الشمس الذي يصل إلى الأرض وبالتالي على المناخ، الذي يؤثر بدوره على كمية الكائنات البحرية والبرية، ومعدل هطول الأمطار، وكمية الرواسب التي يتم حملها إلى المحيط.
الاحترار الحالي أعلى وتيرة
وتشير نتائج الدراسة، وفق البيان، إلى أنه خلال بداية تلك الفترة التي استمرت 6 آلاف عام، حُقن الغلاف الجوي بحوالي 10 آلاف مليار طن من غازات الدفيئة كثاني أكسيد الكربون أو غاز الميثان، بمعدل يناهز 1.5 مليار طن كل عام.
ورغم أن العلماء يعتبرون أن الارتفاع في درجات الحرارة العالمية الذي وقع أثناء "الحد الأقصى للحرارة البالوسينية-الإيوسينية" هو أفضل نظير للاحترار العالمي الحالي الذي يسببه الإنسان، فإن ذلك لا يعني أن التأثير المداري يلعب دورا في تغير المناخ البشري المنشأ.
فمعدل انبعاثات الكربون اليوم يبلغ ما بين 5 و10 مرات أضعاف معدل الانبعاثات التي وقعت قبل 56 مليون سنة وتركت بصمة لا تمحى على الكوكب. وهو ما يثير القلق، كما يقول المؤلفون.