"أمطار بلاستيكية" تضيف ما يعادل 3 ملايين عبوة سنويا

ما يقرب من 5 آلاف جزيء بلاستيكي دقيق هو متوسط الكمية التي تتساقط وتستقر يوميا على كل متر مربع من أسطح منازل مدينة أوكلاند النيوزيلندية.

مصطلح "المطر البلاستيكي" يشير إلى الرذاذ المحمل بجزيئات بلاستيكية دقيقة (غيتي إيميجز)

قبل أكثر من قرن من الزمان، كتب عالم التاريخ الطبيعي الأميركي جون موير يقول "تعالوا إلى الغابات، فهي موطن الراحة والسكون". ربما لم يعد ذلك صحيحا بعد الآن، فحتى الغابات وسفوح الجبال باتت مهددة بغزو بلاستيكي قادم من المدن. فـ "المطر البلاستيكي" ليس مجرد نظرية أو فرضية محل جدل، بل أصبح حقيقة مثيرة للقلق.

مطر من البلاستيك

يشير مصطلح "المطر البلاستيكي" إلى الرذاذ المحمل بجزيئات بلاستيكية دقيقة، يبلغ حجمها 5 ملليمترات أو أقل. وتتعدد مصادر تلك الجزيئات، فقد تنتج عن تكسير المواد البلاستيكية الأكبر حجما، أو عن استخدام منتجات العناية الشخصية التي تحتوي على جزيئات بلاستيكية، أو في كثير من الأحيان قد تكون مخلفات وعوادم للكثير من العمليات الصناعية كصناعة الملابس والنسيج وغيرها.

ويمكن أن يكون للأمطار البلاستيكية الدقيقة آثار بيئية وصحية خطيرة، إذ يسهل استنشاقها أو ابتلاعها من قبل الحيوانات والبشر لحجمها الدقيق، مما قد يؤدي إلى آثار سلبية على الصحة مثل أمراض الجهاز التنفسي. لذلك يعد فهم مصادر وتأثيرات "المطر البلاستيكي" الدقيق أمرا مهما لتطوير إستراتيجيات الحد من انتشاره في البيئة وتخفيف آثاره السلبية.

ملايين الجزيئات البلاستيكية الدقيقة تتساقط وتستقر يوميا على سطح الأرض (غيتي إيميجز)

وتفيد نتائج جديدة -لفريق بحثي من جامعة "أوكلاند" (The University of Auckland) في نيوزيلندا- بأن ما يقرب من 5 آلاف جزيء بلاستيكي دقيق هو متوسط الكمية التي تتساقط وتستقر يوميا على كل متر مربع من أسطح منازل مدينة أوكلاند، وفق ما أشار إليه تقرير موقع "ساينس ألرت" (Science Alert).

وقد نشرت الدراسة بدورية "إنفيرومنتال ساينس آند تكنولوجي" (Environmental Science & Technology ES&T) في 2 ديسمبر/كانون الأول الجاري.

وتُقدر كمية البلاستيك التي حملها هذا الرذاذ -وفق الدراسة- بحوالي 74 طنا متريا من البلاستيك كل عام، أي ما يعادل حوالي 3 ملايين زجاجة بلاستيكية، وتفوق هذه الكمية الكبيرة من البلاستيك بكثير تلك المرصودة مؤخرا في لندن وهامبورغ أو حتى باريس.

وقد رصد الباحثون في كل المواقع بقايا 8 أنواع مختلفة من البلاستيك المنتشر بالغلاف الجوي. وتصدر "البولي إيثيلين" (PE) المستخدم بأكياس البقالة وعبوات الضغط قائمة المواد البلاستيكية الدقيقة المرصودة، فكان الأكثر من حيث التركيز، ثم حلَ ثانيا "البولي كربونات" (PC) المستخدم بمعدات الوقاية والأجهزة الطبية، أما "البولي إيثيلين تيريفثاليت" (PETE) المستخدم في تغليف الأطعمة والمشروبات، فقد جاء بالمرتبة الثالثة.

الجزيئات البلاستيكية المحمولة بالجو حول أوكلاند زحفت إليها بفعل الرياح والأمواج الساحلية (غيتي إيميجز)

جزيئات البلاستك.. كيف تنتقل وما تركيزها؟

يميل عدد المواد البلاستيكية الدقيقة التي رصدت في أوكلاند إلى الزيادة عندما تكون الرياح الساحلية قوية بشكل استثنائي، وتشير النتائج إلى أن الجزيئات البلاستيكية المحمولة في الجو حول المدينة قد زحفت إليها بفعل تلك الرياح والأمواج الساحلية.

ويقول جويل ريندلاوب أحد الباحثين المشاركين بالدراسة "إن ظهور هذه المواد المنتشرة في الغلاف الجوي، نتيجة زحف الأمواج المتلاطمة، يمكن أن يكون سببا أساسيا في انتشارها حول العالم، كما يمكن أن يفسر آلية انتقال هذه المواد إلى الغلاف الجوي فضلا عن انتقالها إلى أماكن بعيدة مثل نيوزيلندا".

ومن الصعب تحديد كمية الجسيمات البلاستيكية الدقيقة الموجودة في الجو بدقة، حيث يمكن أن تختلف اختلافا كبيرا اعتمادا على الموقع والموسم وعوامل أخرى، إلى جانب أنه لا توجد طريقة واحدة معتمدة لقياسها. ومع ذلك، حاولت بعض الدراسات قياس تركيز الجزيئات البلاستيكية بالغلاف الجوي، ووجدت أنها يمكن أن تكون عالية جدا في مناطق معينة.

وقد أجريت دراسة حديثة بالولايات المتحدة لتقييم نقل الرياح والأمطار للجزيئات البلاستيكية في المحميات جنوب ووسط غرب البلاد. تُقَدِّر تلك الدراسة كمية الجزيئات البلاستيكية -المحتمل تساقطها مع الأمطار تحديدا بهذه المناطق وحدها- بأكثر من ألف طن متري سنويا، بينما قدرت دراسة أخرى أن ما يعادل 120 مليون زجاجة مياه بلاستيكية من هذه الجزيئات ستسقط من السماء مع المطر كل عام.

إلى جانب تلك النتائج، رصدت إحدى الدراسات التجريبية التي أجريت في أوروبا وجود جزيئات بلاستيكية دقيقة بمنطقة جبال البرانس النائية، ووُجد أن تركيز المواد في الغلاف الجوي يصل إلى 365 جسيما لكل متر مكعب من الهواء، بينما أسفرت نتائج دراسة أخرى أجريت بالصين عن وصول تركيز الجسيمات البلاستيكية الدقيقة في الغلاف الجوي إلى 1200 جسيم لكل متر مكعب من الهواء بالمناطق الحضرية وما يصل إلى 680 جسيما لكل متر مكعب من الهواء بالمناطق الريفية.

البلاستيك يمثل 85% من مجموع النفايات البحرية (غيتي إيميجز)

آثار محتملة

ويمثل البلاستيك حاليا 85% من مجموع النفايات البحرية. وبحلول عام 2040 سيتضاعف 3 مرات تقريبا، وسيضيف ما بين 23 مليونا و37 مليون طن متري من النفايات إلى المحيط كل عام، مما يعني إضافة حوالي 50 كيلوغراما من البلاستيك لكل متر. وهو ما سيعرض الحياة البحرية إلى خطر التسمم والاضطراب البيولوجي والمجاعة والاختناق.

ويواجه الإنسان تهديدا أيضا، فمن خلال تناول المأكولات البحرية الملوثة بمخلفات البلاستيك سيتعين على جسمه مواجهة العديد من المخاطر على الصحة، حيث تخترق هذه المواد الجلد ويتم استنشاقها عندما تكون عالقة بالهواء، وقد تتسبب أيضا في حدوث تغيرات هرمونية واضطرابات في النمو وتشوهات في الإنجاب وحتى السرطان إذا ما انتقلت للإنسان عبر مصادر المياه.

وقد يكون أيضا للتلوث بالبلاستيك عواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي، عند حساب التأثيرات على السياحة ومصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية، هذا بخلاف أسعار المشاريع مثل عمليات التنظيف والتدوير، وقدرت هذه التكاليف بما يتراوح بين 6 و19 مليار دولار سنويا، خلال عام 2018.

ووفق تقرير الأمم المتحدة عن التلوث البلاستيكي، فإنه بحلول عام 2040، قد تعاني الشركات من مخاطر مالية سنوية تقدر بنحو 100 مليار دولار، إذا طلبت منها الحكومات تغطية تكاليف إدارة النفايات. كما يمكن أن يؤدي ذلك إلى زيادة في التخلص غير القانوني من النفايات المحلية والدولية.

من الضروري العمل على منع وإزالة النفايات البلاستيكية من البيئة (غيتي إيميجز)

ماذا نفعل؟

البلاستيك موجود في كل مكان ولا يمكننا غض الطرف عنه. ربما يكون الحل الأكثر وضوحا بين أيدينا للحد من الآثار المترتبة على المطر البلاستيكي هو منع وإزالة النفايات البلاستيكية من البيئة، وذلك من خلال تقليل استخدامنا للبلاستيك بشكل أكبر، ومنع هذه المادة من دخول بيئتنا من خلال تحسين إدارة النفايات، إلى جانب إزالة النفايات البلاستيكية الموجودة في محيطنا من خلال برامج إعادة التدوير.

ولا يستطيع أحد أن يجزم حتى الآن بحجم التأثير الذي تسببه جزيئات البلاستيك المحمولة جوا على صحة الإنسان، وكلما كانت تلك الجزيئات أصغر، زادت احتمالية انتقالها إلى خلايانا أثناء التنفس ومن ثم ارتفاع احتمال الضرر.

المصدر : ساينس ألرت + مواقع إلكترونية