ليس للتصوير فقط.. باحثون يستخدمون الطائرات المسيّرة لقياس الانبعاثات الضارة في الموانئ
ليس مستحيلا أن يأتي اليوم الذي يستخدم فيه ضباط الموانئ أجهزة استشعار يدوية أو مسيّرات لقياس الملوثات المنبعثة من السفن على بعد بضعة كيلومترات.

يعد الشحن البحري ركيزة من ركائز التجارة العالمية، فهو مسؤول عن نقل غالبية المواد الخام والبضائع نظرا لتكلفته المنخفضة نسبيا، ولكن من ناحية أخرى، فإن هناك ضريبة بيئية ندفعها، إذ تعمل جميع سفن الشحن التجارية تقريبا بالوقود الأحفوري، ومن ثم فهي مساهم رئيسي في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي تؤدي إلى تغير المناخ.
لذلك، دعا القائمون على القطاع البحري إلى البحث عن طرق جديدة لتوصيف الجسيمات الضارة المنبعثة من السفن في الموانئ حول العالم.
واستخدم مهندسون من جامعة "كامبردج" في المملكة المتحدة طائرات مسيّرة مثبتة عليها أجهزة متطورة وأجهزة استشعار يدوية، وأخرى للنمذجة الحاسوبية، لقياس انبعاثات الشحن الضارة ورسم خريطة لها في ميناء رافينا في اليونان، وقد نشروا نتائج البحث في دورية "أتموسفيريك إنفيرومنت" (Atmospheric Environment) في الأول من ديسمبر/كانون الأول الجاري.
والمميز في هذا البحث، أن المهندسين تمكنوا لأول مرة من قياس خصائص متعددة للجسيمات المنبعثة في الوقت نفسه؛ مثل مقدار الكربون الأسود في هذه الانبعاثات، وأعداد الجسيمات المختلفة وحجمها الذي يُمكّنها من اختراق الرئتين، على عكس الأبحاث السابقة التي كانت تقيس الكربون فحسب.
قياسات على البر والبحر
وقد أجرى الباحثون القياسات لمدة 7 أيام متواصلة، على البحر فوق 5 عبّارات راسية في الميناء، وعلى البر في مواقع متفرقة بالقرب من الميناء.
وفي البر، اختار الباحثون موقعين لتثبيت أجهزة الاستشعار؛ الموقع الأول كان بجانب الميناء على ارتفاع 5 أمتار عن مستوى سطح البحر، ويبعد 175 مترا من منطقة رسو العبّارات، وهو مجاور للطريق الوحيد المؤدي للميناء، والموقع الثاني كان في إحدى شرفات فندق الميناء، ويبعد 250 مترا من منطقة رسو العبّارات.
وبالنسبة للبحر، انطلقت المسيّرات إلى مداخن السفن لتحليل الانبعاثات الصادرة منها، وقد اتبع الباحثون نهجين مختلفين لتجميع البيانات؛ الأول عندما تصعد وتهبط المسيّرة ببطء داخل المدخنة، والآخر عندما تبقى ثابتة داخلها لمدة 10 دقائق على ارتفاع 10 أمتار.

نتائج القياسات
وقالت "مولي هوغين" الباحثة الأولى في الدراسة في البيان الصحفي الذي نشره موقع "فيز دوت أورغ" (Phys.org) في الثاني من ديسمبر/كانون الأول الجاري "وجدنا أن كمية الجسيمات الضارة التي تقدر على اختراق الرئة ومستويات الكربون في المواقع البرية يمكن مقارنتها بالمستويات التي يتعرض لها العاملون في مناجم التعدين تحت الأرض".
ووجد الباحثون أن نسبة الجسيمات الصغيرة التي يمكنها اختراق الرئة أعلى بكثير من نسبة الكربون الأسود داخل المداخن، خاصة عندما تزداد الانبعاثات البحرية بسبب محركات التوربينات.
وعند مقارنة نتائج قياسات المسيّرات في المداخن مع نتائج أجهزة الاستشعار الثابتة على البر، كانت كمية الجسيمات الصغيرة التي يمكنها اختراق الرئة أكثر مرتين في المداخن، بينما تساوت كمية الكربون تقريبا.
وأضافت هوغين أنه من الضروري مراقبة تركيزات الجسيمات الصغيرة التي يمكنها اختراق الرئة والكربون معا، لأن السفن البحرية يمكن أن تلتزم بمعايير انبعاثات الكربون، ولكن من جهة أخرى فإن هناك كميات مرتفعة من الجسيمات الصغيرة التي لا تُلتقط مع قياسات الكربون، لذلك، فإن الآثار المترتبة على مراقبة الكربون وحده يمكن أن تشكل تهديدا للبيئة وللصحة العامة، لأن هذه الجسيمات الصغيرة أشد خطرا من الكربون على الرئتين.

تطبيقات في المستقبل
ويأمل الباحثون أن تساهم نتائج البحث في تعزيز الجهود المضنية لتقليل الانبعاثات داخل الموانئ، وتحسين جودة الهواء في الموانئ.
يقول "سافاس جكانتوناس" الباحث المشارك في الدراسة "نحن مهتمون أيضا بتطوير نماذج لفهم كيفية تأثير الديناميكا الهوائية للعبّارات على جميع أنواع التحولات الكيميائية أو الفيزيائية التي تحدث داخل مداخن السفن.
ويضيف أن هذه النماذج لا تقتصر على تحليل الجسيمات المنبعثة فحسب، ولكن يمكنها أيضا تحليل الغازات الضارة المنبعثة، مثل غازات أكاسيد النيتروجين. ويعتقد أنه قد يأتي اليوم الذي يستخدم فيه ضباط الموانئ أجهزة استشعار يدوية أو طائرات مسيرة لقياس الملوثات المنبعثة من السفن على بعد بضعة كيلومترات، واكتشاف الملوثات الضارة التي تنبعث منها.