دراسة حديثة.. الحيتان الزرقاء تلتهم 10 ملايين قطعة بلاستيكية يوميا
على الرغم من اهتمام العالم بقضايا الملوثات الدخانية وتغير المناخ، فإن التلوث البلاستيكي لا يلقى الاهتمام ذاته. فهل من الممكن أن نحدد مقدار الملوثات البلاستيكية التي تتناولها الكائنات البحرية يوميا؟

أفادت دراسة حديثة قادها علماء الأحياء البحرية في جامعة "ستانفورد" ونشرت في دورية "نيتشر كوميونيكيشنز" (Nature Communications) في الأول من نوفمبر/تشرين الأول الجاري، بأن الحيتان الزرقاء تستهلك نحو 10 ملايين قطعة (43.5 كلغ) من البلاستيك الدقيق يوميا، مما يشير إلى أهمية توخي الحيطة حيال هذا الحجم الخطير من التلوث المحدق بحياة أكبر حيوان على ظهر الأرض حاليا.
ولسنوات عديدة من البحث، بات جليا أن الكميات المتزايدة من البلاستيك الموجودة في محيطات العالم يمكنها أن تقتل الكائنات والسلاحف البحرية والطيور، وغيرها من الحيوانات البرية التي قد تتغذى على قطع البلاستيك الكبيرة المتشابكة التي قد تؤدي إلى خنقها.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsدراسة جديدة تكشف عن بكتيريا يمكنها التهام البلاستيك من البحيرات العذبة
دراسة جديدة تكشف.. الثدييات الأرضية الصغيرة ضحية جديدة من ضحايا البلاستيك
إنزيم جديد يقضي على نفايات البلاستيك في ساعات قليلة
كما أن جزيئات البلاستيك يمكنها أن تشغل حيزا أكبر في بطون الحيوانات والطيور، مما يجعل هذه الكائنات عرضة لسوء التغذية أو ربما لأن تفتك بها هذه الملوثات.

كميات كبيرة من البلاستيك المستهلك
أفادت الدراسة بأن حيتان الزعانف الصغيرة تلتهم هي الأخرى ما يقرب من 6 ملايين قطعة (أي ما يصل إلى 57 رطلا) من القمامة البلاستيكية يوميا التي تحصل عليها أثناء التغذية.
وقدّرت الدراسة أن الحيتان الحدباء -التي تتغذى على الكريل (نوع من القشريات) بشكل أساسي- تلتهم نحو 4 ملايين قطعة بلاستيكية (38 رطلا)، بينما تستهلك الحيتان الحدباء التي تتغذى على الأسماك الأخرى حوالي 200 ألف قطعة بلاستيكية في اليوم.
وتعدّ هذه الدراسة هي الأولى من نوعها التي تقدر حجم البلاستيك الدقيق الذي تستهلكه هذه الكائنات البحرية الكبيرة الحجم (المعروفة باسم حيتان بالين)، والتي تستخدم مرشحات خاصة في الفم مصنوعة من الكيراتين لترشيح وتنقية الفرائس التي تحصل عليها.
وتحصل الحيتان على هذه القطع البلاستيكية المستهلكة من خلال الكائنات الصغيرة التي تتغذى عليها كالكريل، وليس من الماء مباشرة، إذ إن حجم جزيئات البلاستيك تتماثل مع حجم جزيئات الطعام التي تتغذى عليها الأسماك الصغيرة.
وإجمالا، فإن التقديرات تشير إلى أن الحيتان الزرقاء -وفقا للمعدل المذكور- يمكنها تناول أكثر من مليار قطعة من البلاستيك خلال موسم تغذية يمتد من 3 إلى 4 أشهر. ومن ثم، فإن حجم البلاستيك الدقيق المستهلك خلال الموسم من قبل هذه الحيتان يتراوح بين 230 كلغ و4 أطنان في بعض الحالات.

خطر محدق
جدير بالذكر أن بيانات الدراسة قد جمعت من المياه الساحلية لولاية كاليفورنيا الأميركية، مما يعني أن هذه النسبة المقدرة قد تتخطى هذا الحجم في أجزاء أخرى من العالم أكثر تلوثا.
وشملت الدراسة بيانات ناتجة عن 29 حوت زعنفة، و126 حوتا أزرق، و65 حوتا أحدب. وجمعت هذه البيانات بين عامي 2010 و2019.
وحذر باحثو الدراسة من مغبة هذا الأمر، خاصة في المناطق الشديدة التلوث. ففي حالة استمرارية وتيرة ارتفاع التلوث البلاستيكي في المستقبل، فإن هذه الحيتان قد تتغذى على 150 مليون قطعة بلاستيكية في اليوم الواحد.
ووفقا للتقرير الصحفي الذي نشرته وكالة أنباء "رويترز" (Reuters) في الأول من نوفمبر/تشرين الأول الجاري، فإن حيتان بالين قد تكون معرضة لخطر متزايد نتيجة لاستهلاكها هذا القدر من المواد البلاستيكية.
ففي "منطقة معتدلة التلوث كالساحل الغربي للولايات المتحدة، فإن حيتان بالين ما زالت تتغذى على الملايين من هذه الجزيئات البلاستيكية يوميا"، وذلك حسبما صرّح به ماثيو سافوكا عالم الأحياء البحرية في جامعة ستانفورد المؤلف المشارك في الدراسة.
وهناك تضارب بين الأبحاث بخصوص مآل هذه المواد البلاستيكية بعد أن تتغذى عليها الحيتان. فبينما أظهرت دراسة أن الحيتان تخرج هذه المواد البلاستيكية مرة أخرى في فضلاتها، أظهرت دراسة أخرى أنها تبقى في أجسام الحيتان، وذلك من خلال ما عثر عليه من مواد كيميائية مرتبطة بجزيئات البلاستيك هذه في أنسجة الحيتان النافقة على الشواطئ.

نحو مستقبل أقل تلوثا
وفي ظل تزايد أزمة التلوث البلاستيكي، فقد عثر على الكثير من الدلافين والحيتان والأسماك النافقة التي تمتلئ معدتها بالبلاستيك. وتقدر منظمة "اليونسكو" أن 100 ألف من الثدييات البحرية تموت كل عام بسبب التلوث البلاستيكي.
وعلى الرغم من أن العديد من مجموعات الحيتان حول العالم -بما في ذلك الحيتان الرمادية والحدباء- تتعافى اليوم من أثار بعض المواد الكيميائية التي حظرت في سبعينيات القرن الماضي، مثل دي دي تي وثنائي الفينيل المتعدد الكلور، فإنها تعاني خطرا آخر يأتيها من المعدلات المرتفعة من جزيئات البلاستيك التي تستهلكها.
وعلى الرغم من تسليط العالم الضوء على الملوثات الدخانية واتجاهه إلى الطاقة المتجددة، فإن التلوث البلاستيكي لا يلقى الاهتمام ذاته، إذ تزداد معدلات التلوث البلاستيكي بشكل مضطرد. يكفي الإشارة إلى أن نصف كمية البلاستيك الموجودة على الأرض اليوم قد تم إنتاجها خلال الـ20 عام الماضية فقط.
وعلى الرغم من إعادة تدوير 9% من البلاستيك المباع سنويا في الولايات المتحدة، فإن الأمر ينتهي بــ13 مليون طن متري منه في محيطات العالم كل عام، أي ما يعادل شاحنة قمامة ممتلئة يتم إلقاؤها في البحر كل دقيقة.
ومن ثم، فإن هناك حاجة ملحّة للعمل على إيقاف هذا التلوث المضطرد، والاتجاه إلى الحد من اعتماد البشر على البلاستيك لتوفير الحماية للكائنات الأخرى ولكوكبنا بشكل عام.