تحليل مينا أسنان إنسان نياندرتال يشير إلى أنه كان من آكلي اللحوم
تحليل نظائر الزنك يجعل من السهل تحديد الحيوانات على أنها من آكلات اللحوم أو من آكلات اللحوم والنباتات، ويأمل الباحثون في إجراء تحليلات مماثلة على إنسان نياندرتال بمواقع أخرى

عاش الإنسان البدائي أو إنسان نياندرتال في أوروبا وأجزاء من غرب آسيا وآسيا الوسطى، حيث تعود آثاره البيئية التي وجدت في أوروبا إلى حوالي 350 ألف سنة مضت، وانقرض هذا الإنسان في أوروبا قبل حوالي 24 ألف سنة مضت، ومنذ اكتشاف آثاره في منتصف القرن الـ19 في وادي نياندر -الذي سمي باسمه- شرق مدينة دوسلدورف في ولاية الراين بمملكة بروسيا وهو محل دراسة واهتمام العلماء.
عاش النياندرتال خلال العصر الجليدي، ويعتقد العلماء أن أجسامهم القصيرة والممتلئة والقوية هي من أهم أسباب بقائهم في العصر الجليدي، وعرف عنهم أنهم صيادون ماهرون عن طريق الأدوات التي اكتشفوها، وكانوا يتغذون على الطرائد ويصطادون في جماعات وفرق، ولكن العلماء لا يزالون غير متأكدين من إمكانية تغذي إنسان نياندرتال على النباتات إلى جانب اللحوم.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsقبل 100 ألف عام.. اكتشاف أول استعمال الإنسان “العاقل” للزيتون بالمغرب
أصل غير متوقع تكشف عنه جينات شعوب أميركا الجنوبية المفقودة
جمجمة امرأة صينية تكشف عن روابط بين سكان أميركا الأوائل والأنساب الآسيوية القديمة
النظام الغذائي للإنسان البدائي
في دراسة جديدة نشرت في دورية "بروسيدنغز أوف ذا ناشونال أكاديمي أوف ساينس" (Proceedings of the National Academy of Science) (بي إن إيه إس) (PNAS) في 17 أكتوبر/تشرين الأول الجاري استخدم فريق دولي من الباحثين طرقا تحليلية جديدة لفحص مينا الأسنان لإنسان نياندرتال من العصر الحجري القديم الأوسط، والذي تم العثور على بقاياه بموقع كهف جباسا في إسبانيا، بهدف إضافة المزيد من الوضوح إلى مسألة النظام الغذائي القائم على اللحوم لإنسان نياندرتال.
تذكر الدراسة أن النظم الغذائية للنياندرتال تعتبر موضوعا للنقاش المستمر، خاصة أن اختفاءهم يعزى في كثير من الأحيان إلى إستراتيجية معيشتهم، وقد ساعدت دراسات النظائر في تحديد كمية استهلاك اللحوم لدى إنسان نياندرتال، ولكنها كانت تعتمد عادة على تحليل الكولاجين باستخدام نظائر النيتروجين، وهو بروتين نادرا ما يتم حفظه في عينات أقدم من 50 ألف سنة، ونادرا ما يكون استخراجه من مادة الهيكل العظمي الأيبيري -بهدف تحليل النظائر- ناجحا.
ولهذا يستخدم البحث الجديد تحليل نظائر الزنك لمينا الأسنان لإنسان نياندرتال والمجموعة الحيوانية المرتبطة بمكان وجوده (غاباسا بإسبانيا)، والذي يمكن تطبيقه على الأزمنة أكثر من 50 ألف سنة، ويؤكد هذا الأسلوب وجود مستوى عال من اللحوم لدى إنسان نياندرتال الأيبيري.

قيم نظائر نيتروجين مرتفعة
وتشير جميع الدراسات السابقة إلى نظام غذائي معتمد على اللحوم أو على الأقل غني بها بالنسبة للإنسان البدائي الأوروبي، فمن موقع واحد في سيبيريا و8 مواقع في أوروبا الغربية -حيث تم تحليل كل من إنسان نياندرتال والحيوانات المرتبطة به- فإن نسب نظائر النيتروجين في كولاجين إنسان نياندرتال أعلى بكثير من تلك الخاصة بالحيوانات آكلة اللحوم الأخرى.
ويمكن أن يكون تفسير هذه القيم المرتفعة هو تغذي النياندرتال على الحيوانات العاشبة مثل الماموث، والتي تظهر بنفسها قيم نظائر نيتروجين مرتفعة بسبب استهلاك النباتات التي تنمو في التربة القاحلة، في حين أن بقايا الماموث عادة ما تكون نادرة في مواقع أحافير إنسان نياندرتال إلا أنها كانت تُستهلك أحيانا -كما هو مقترح- من بقايا آثار مقطوعة وآثار جزارة بشرية أخرى.
وتهدف هذه الدراسة إلى التحقق مما إذا كان نهج استخدام نظير الزنك يمكن أن يساعد في توضيح السلوكيات الغذائية للنياندرتال ومصدر نظائر النيتروجين التي وجدت في أجسادهم، وتحديدا من خلال دراسة شبكة الغذاء الأيبيرية المتأخرة من العصر البليستوسيني حيث لم يتم توثيق وجود الماموث.
وقد أثبت تحليل نظائر الزنك أنه يمكن استرداد معلومات المستوى الغذائي من مينا الأسنان في الثدييات، بما في ذلك عينات الحفريات من شبكات الغذاء من العصر البليستوسيني حيث لا تكون المادة العضوية عادة محفوظة.
ولشرح ذلك، يوضح التقرير الذي نشره موقع "ساينس ألرت" (Science Alert) أنه يجب على العلماء الذين يحاولون معرفة موقع حيوان منقرض في شبكة الغذاء استخراج البروتينات وتحليل نظائر النيتروجين من كولاجين العظام، إذ تشير النسب الأعلى من النيتروجين -15 مقارنة بالنيتروجين -14 إلى استهلاك كميات أكبر من اللحوم.

تقنية محدودة الإمكانية
لكن هذه التقنية لها حدود، ويمكنها أن تعمل فقط على العينات التي عاشت في المناخات المعتدلة، وحتى مع تلك العينات فإنها تعمل بشكل أفضل على العينات التي ماتت خلال الـ50 ألف سنة الماضية.
وفي حين أن تحليل نظائر النيتروجين قد ألقى الضوء على بعض بقايا إنسان نياندرتال الأخرى فإنه لن يعمل على أسنان إنسان غاباسا، لذلك قام الباحثون بدلا من ذلك باختبار نسب نظائر الزنك في المينا، فهذه الطريقة تستفيد من التغييرات في تركيز الزنك في المينا مع كل خطوة في السلسلة الغذائية، وهي ميزة تظهر في البقايا الحديثة وبعض عظام الحيوانات القديمة.
وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها استخدام الزنك لتقييم العادات الغذائية لإنسان نياندرتال، وأوضح الباحثون أن النسب المنخفضة من نظائر الزنك -66 في عظام الحيوان تميل إلى التوافق مع احتمالية أكبر أن يكون الحيوان من آكلات اللحوم.
وقد خلص الباحثون من تحليل نظائر الزنك إلى وجود نسب منخفضة جدا في مينا أسنان إنسان نياندرتال، مما يشير إلى أنه كان من آكلات اللحوم المتخصصة ذات التصنيف العالي، وهذه النتائج تتوافق مع نتائج تحليل نظائر النيتروجين في المواقع الأخرى التي احتلها الإنسان البدائي.
وعلى الرغم من أن الدلائل تشير إلى أنه كان مفترسا في قمة العصر الحجري القديم في أيبيريا فإن انخفاض نسب نظائر الزنك يشير إلى أنه لم يستهلك الدم أو العظام (ربما باستثناء نخاع العظام) على عكس باقي الحيوانات آكلة اللحوم التي عاشت في الوقت نفسه.

مزيد من البحث
ومع ما توصل إليه العلماء من نتائج فإن هناك حاجة للمزيد من البحث لفهم النظام الغذائي لإنسان نياندرتال، فعلى الرغم مما تشير إليه النتائج من استهلاك إنسان نياندرتال اللحوم فإنه ربما كان الإنسان البدائي قد استكمل وجباته بالنباتات والفطريات أكثر من غيرها.
تحليل نظائر الزنك يجعل من السهل تحديد الحيوانات على أنها من آكلات اللحوم أو من آكلات اللحوم والنباتات، ويأمل الباحثون في إجراء تحليلات مماثلة على إنسان نياندرتال في مواقع أخرى.