في أعماق المحيط الهندي بجزر المالديف.. "مصيدة بحرية" تخلق نظاما بيئيا زاخرا بالحياة

مثل هذا الاكتشاف ونتائجه المرتقبة سيؤثران بشكل كبير على مستقبل الجزر المحيطية الأخرى ومنحدرات القارات، حيث تمتد آثاره لتمس الإدارة المستدامة لمصايد الأسماك وتخزين الكربون الذي يقود بدوره إلى تخفيف تبعات التغير المناخي.

مهمة نيكتون مالديفز لاستكشاف واحة الحياة لأول مرة في أعماق المحيط الهندي
أول مسح منهجي للحياة البحرية في عمق المحيط الهندي يصل إلى 1000 متر في جزر المالديف (مواقع إلكترونية)

عثر باحثون تابعون لمهمة "نيكتون مالديفز" العلمية -بالتعاون مع فريق من الباحثين من جامعة أكسفورد البريطانية- على مؤشرات لوجود نظام إيكولوجي جديد في أعماق المحيط الهندي لم تسبر أغواره من قبل.

ووفقًا للبيان الصحفي المنشور على موقع "يوريك ألرت" (Eurek Alert) في 21 من الشهر الجاري، فقد أسهم وجود "مصيدة بحرية" في خلق نظام بيئي على عمق 500 متر تحت سطح المحيط.

كشف مهم للمالديف

ومهمة "نيكتون مالديفز" العلمية عبارة عن شراكة بين حكومة جزر المالديف وفريق بحثي من معهد "نيكتون للأبحاث" الإنجليري وجامعة أكسفورد إلى جانب عشرات المنظمات في جزر المالديف وتحالفات دُوليّة تكنولوجية وخيرية وإعلامية وعلمية أخرى.

وكان الغرض من هذا التحالف إجراء أول مسح منهجي للحياة البحرية في عمق المحيط الهندي يصل إلى 1000 متر بجزر المالديف.

وانطلقت مهمة "نيكتون مالديفز" العلمية في الرابع من سبتمبر/أيلول الماضي، بمساعدة اثنتين من أكثر الغواصات تقدما حتى الآن، والمزودتين بأحدث الأنظمة الروبوتية ذاتية التشغيل، إضافة إلى 12 تقنية بحثية مختلفة؛ مما يجعلها أكثر البعثات تقدما من الناحية التقنية والبحثية التي عملت في المحيط الهندي.

وكان كل ما يتعدى عمقه 30 مترا في هذه المنطقة مجهولا تماما حتى انطلاق تلك المهمة واستكشافها عمقا يصل إلى 1000 متر تحت سطح البحر. واستمرت المهمة 34 يوما لجمع العينات وتوفير المعلومات لمساعدة حكومة جزر المالديف.

ووفقا للمعلومات المنشورة على موقع معهد نيكتون للأبحاث، فإن النتائج تنشر بشكل رسمي أوائل 2023.

وأشادت حكومة جزر المالديف -على لسان ممثلها الرئيس إبراهيم محمد صليح- بهذا الاكتشاف بوصفه اكتشافا مهما للغاية لشعب المالديف ليس على الصعيد البيئي وحسب، بل على الصعيد الاقتصادي والسياحي أيضا؛ لما سيكون لهذا الاكتشاف من دور في تطوير سياسات الحفاظ على البيئة وتطوير إستراتيجيات التنمية المستدامة.

مقاطع الفيديو من كاميرات غواصات أوميجا
كل ما يتعدى عمقه 30 مترا في هذه المنطقة كان مجهولا تماما حتى انطلاق تلك المهمة (مواقع إلكترونية)

ويقول صليح عن المهمة الاستكشافية -وفقا لإعلان جامعة أكسفورد– "يوفر لنا هذا الاكتشاف معرفة جديدة مهمة تدعم بشكل أكبر التزاماتنا بالحفاظ على المحيطات والإدارة المستدامة لها، ودون أدنى شك فإنه يدعم مصايد الأسماك والسياحة".

تنوع بيولوجي في واحة بحرية لا مثيل لها

وبالنظر إلى موقعها الجغرافي، فإن جزر المالديف تقع في الجزء الأوسط من سلسلة قمم بركانية وهضاب محيطية بارزة تمتد بين شمال المحيط الهندي ووسطه.

وتعد جزر المالديف أكثر دولة مستوية في العالم، حيث لا تتخللها تلال أو أنهار، ويبلغ مستوى سطح الأرض في الجزر المالديفية نحو متر ونصف المتر فوق مستوى سطح البحر، وتبلغ أعلى نقطة فيها مترين ونصف المتر تقريبا فوق مستوى سطح البحر، وتحديدا في جزيرة فيلينجلي.

وأجرى الفريق لأول مرة مسحا ممنهجا لنطاق بحري قليل الضوء في جزر المالديف عند عمق يتراوح بين 120 و300 متر، ويعد موطنا للشعاب المرجانية وملجأ للكائنات البحرية الحية في أعماق المحيط الهندي، التي يحتمل بشكل كبير أن تكون أنواعا جديدة لم تُصنف أو تُكتشف من قبل.

وتشير مقاطع الفيديو التي التقطتها كاميرات الغواصات "أوميغا سيماستر 2" مع العينات البيولوجية والتخطيط الصوتي الشامل إلى أن الحيوانات البحرية المفترسة في هذه المنطقة مثل أسماك القرش والأسماك الكبيرة الأخرى تتغذى على أسراب كائنات حية صغيرة يتراوح حجمها بين 2 و20 سنتيمترا، معروفة "بالمايكرونيكتون"، وهي كائنات تسبح بشكل مستقل عن التيار المائي.

رصد مجموعات من سمك القرش العنبري المهدد بالانقراض
خلال المهمة رُصدت مجموعات من سمك القرش العنبري المهدد بالانقراض (مواقع إلكترونية)

ولوحظ أن لهذه الكائنات نشاطا مختلفا، حيث تنزح عادة من أعماق البحار إلى السطح ليلا وتغوص إلى الأعماق مرة أخرى قبيل شروق الشمس، ويعرف هذا النمط بـ"الهجرة العمودية"، غير أن مقاطع الفيديو تبين احتجاز هذه الكائنات في حيز مليء بالشعاب المرجانية تحت سطح البحر عند عمق 500 متر يشبه "المصيدة"، مما يساعد في خلق واحة بحرية متنوعة بيولوجيا.

وتتألف الطبقات البركانية تحت سطح البحر والشعاب الكربونية المتحجرة التي تشكل قاعدة الحلقات المرجانية المالديفية من جروف صخرية عمودية ومنحدرات شديدة الميل. وعلى ما يبدو، فإن هذا هو السبب في نزوع كائنات "المايكرونيكتون" للعودة إلى الأعماق فجرا هربا من أسماك السطح الأكبر حجما مثل أسراب التونة وأسماك القرش إلى جانب أسماك المياه العميقة الكبيرة المشهورة في المصيدة البحرية.

أنواع نادرة مهددة بالانقراض

ووثَّقت المهمة وجود بعض فصائل الأسماك مثل قرش النمر والقرش الخيشومي وقرش النمر الرملي والقرش الشوكي وسمك القرش الحريري، علاوة على نوع نادر جدًا من أسماك القرش المهدد بالانقراض يسمى "القرش العنبري".

نطاق بحري قليل الضوء
الكائنات الصغيرة تنزح من أعماق البحار إلى السطح ليلا وتغوص إلى الأعماق مرة أخرى قبيل شروق الشمس (شترستوك)

وأهم الاكتشافات لـ"مهمة نيكتون مالديفز" حتى الآن هو حدود الشواطئ القديمة على مدار 20 ألف عام الماضية منذ نهاية المرحلة الجليدية الأشد في عمر الكوكب.

ويعد مسح ورسم خريطة الشعاب المرجانية من مكتسبات المهمة الاستكشافية أيضا، حيث حددت المهمة مواقع ومدى سلامة وازدهار الشعاب المرجانية وقدرتها على التكيف في 6 مواقع رئيسية لإرسالها لحكومة جزر المالديف.

ولا يمكن إغفال أهمية الشعاب المرجانية في النظام الإيكولوجي في جزر المالديف؛ مما لها من دور كبير في تقليل الآثار البيئية الناجمة عن ارتفاع مستوى سطح البحر وتخفيف وتيرة وشدة العواصف الناتجة عن تغير المناخ.

وعلى الأغلب، فإن مثل هذا الاكتشاف ونتائجه المرتقبة سيؤثران بشكل كبير على مستقبل الجزر المحيطية الأخرى ومنحدرات القارات، حيث تمتد آثاره لتمس الإدارة المستدامة لمصايد الأسماك وتخزين الكربون الذي يقود بدوره إلى تخفيف تبعات التغير المناخي.

المصدر : مواقع إلكترونية