اكتشاف أقدم حمض نووي بحري يعود إلى مليون عام لكائن عاش في أعماق القارة القطبية الجنوبية

تُخَلِّف الكائنات وراءها الحمض النووي الخاص بها في البيئة التي تعيش فيها. فهل من الممكن تعقّب الحمض النووي لمعرفة الكائنات التي سكنت أعماق المحيطات قبل مليون سنة؟

كشف الباحثون عن حمض نووي بحري عمره مليون سنة، محفوظ في رواسب أعماق القارة القطبية الجنوبية (سارة كاشوفيتش-جامعة بون)

كشفت دراسة حديثة قادها باحثون من جامعة "تسمانيا" (University of Tasmania) الأسترالية بالتعاون مع جامعة "بون" (University of Bonn) في ألمانيا -ونشرت في دورية "نيتشر كوميونيكيشنز" (Nature Communications) في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الجاري- عن حمض نووي عمره مليون عام، محفوظ في رواسب أعماق بحر سكوتيا في شمال القارة القطبية الجنوبية.

حمض نووي ضارب في القدم

ويعد هذا الحمض النووي المكتشف -والخاص بكائنات حقيقة النواة- أقدم حمض نووي بحري في العالم على الإطلاق. لذا فهذا الاكتشاف سيمهد الطريق لمعرفة التأثيرات طويلة المدى على النظم البيئية للمحيطات.

وتعتبر القارة القطبية الجنوبية واحدة من أكثر المناطق عرضة لتغير المناخ على وجه الأرض. ولذلك فإن دراسة كيفية استجابة هذه النظم البيئية القطبية للتغير البيئي والمناخي تعد أمرا بالغ الأهمية.

القارة القطبية الجنوبية تعد واحدة من أكثر المناطق عرضة لتغير المناخ على وجه الأرض (توماس رونج-موقع جامعة بون)

وطبقا للبيان الصحفي الذي نشرته جامعة بون، فإن تقنية تحليل الحمض النووي الرسوبي للكائنات القديمة -والمعروفة اختصارا باسم "سيدا دي إن إيه" (sedaDNA)- تساعد العلماء على فك شيفرة الكائنات التي عاشت قديما في المحيطات، وكذلك تمكّنهم من معرفة التوقيت الذي كانت تعيش فيه هذه الكائنات.

كما أن معرفة أوقات التغيرات الرئيسية قد تسهم في فهم تغيرات المناخ، ومن ثم تساعدنا على رسم تنبؤات حول الكيفية التي تستجيب بها الحياة البحرية في القارة القطبية الجنوبية لتغيرات المناخ الحالية والمستقبلية.

في حالة جيدة من الحفظ

ولا يوجد الحمض النووي داخل جسم الكائن الحي فقط، بل إن ما يخلفه وراءه، سواء أكان طبقات جلد ميتة أو بولا أو برازا أو لعابا أو بقايا الكائنات المتحللة، تحمل جميعها بصمات الحمض النووي. لذا يمكن أن يوجد الحمض النووي للكائنات في الهواء وفي التربة وفي رواسب أعماق البحار، ومن ثم فإن تحليل عينات الحمض النووي يمكن أن يمدّنا بمعلومات عن ماهية الكائنات التي عاشت في البيئة التي جمعت منها هذه العينات.

غير أن عينات رواسب أعماق البحار القطبية تحمل ميزة إضافية، فنظرا لانخفاض درجات الحرارة في هذه المناطق، فإن عينات الحمض النووي تبقى جيدة الحفظ لفترات طويلة. كما أن مستوى الأكسجين المنخفض والبعد عن الأشعة فوق البنفسجية الضارة يقيان هذه العينات من التضرر ومن التفاعلات التي قد تغير من تركيب الحمض النووي.

عينات رواسب أعماق البحار القطبية تكون في حالة جيدة الحفظ (سارة كاشوفيتش-جامعة بون)

وفقد استخدم الباحثون تقنية تحليل الحمض النووي الرسوبي للكائنات القديمة لدراسة التغيرات التي طالت هياكل الكائنات البحرية في بحر سكوتيا على مدار المليون سنة الماضية، مستخدمين في ذلك الرواسب التي جمعتها البعثات الاستكشافية السابقة في عام 2019.

في البداية تحقق الباحثون من جودة العينات، بما في ذلك التحقق من أشكال الضرر المرتبطة بالعمر، والتي من الممكن أن تكون قد لحقت بعينات الحمض النووي التي تمت استعادتها. الأمر الذي مكنهم في النهاية من الحصول على عينة حمض نووي بحرية قُدِّر عمرها من 750 ألفا إلى مليون عام.

عينات متنوعة

وقد أسفرت تحليلات الباحثين أيضا عن وجود ما يقرب من 300 ألف جزء لحمض نووي في هذه الرواسب تعود إلى البكتيريا والعتائق وخلايا حقيقة النواة. وعن هذه النتائج تقول ليندا أرمبريخت، الباحثة الرئيسية في الدراسة من جامعة تسمانيا، إن "هذه العينات تعد أقدم عينات لحمض نووي رسوبي قديم موثقة حتى الآن".

وإضافة لذلك، فقد اكتشف العلماء حمضا نوويا لبعض الكائنات البحرية الأخرى كالدياتومات (وهي مجموعة كبيرة من الطحالب وتعد من أشهر أنواع العوالق النباتية)، التي يرجع عمرها إلى نصف مليون سنة مضت. ويعد هذا أيضا أقدم دليل على وجود مادة وراثية لهذه المجموعة من الطحالب في الرواسب البحرية.

حدث آخر تغيّرٍ في الشبكة الغذائية لبحر سكوتيا منذ حوالي 14 ألفا و500 عام (جويدس ريزوليوشن-جامعة بون)

كما أشارت النتائج إلى أن الدياتومات كانت وفيرة خلال الفترات المناخية الدافئة. وقد حدث آخر تغيُّرٍ في الشبكة الغذائية لبحر سكوتيا منذ حوالي 14 ألفا و500 عام.

وعن هذا التغير في الشبكة الغذائية، يقول مايكل ويبر، أحد المؤلفين المشاركين في الدراسة، إنه "تغير مثير ومهم يرتبط بالزيادة العالمية والسريعة في مستويات سطح البحر. ويبدو أن زيادة الاحترار قد أسهمت في زيادة إنتاجية المحيطات حول القارة القطبية الجنوبية".

وتؤكد هذه الدراسة أن تقنية تحليل الحمض النووي الرسوبي للكائنات القديمة قد تمدنا بمعلومات عن كائنات يعود عمرها إلى مئات الآلاف من السنين، الأمر الذي قد يساعد الباحثين على دراسة تحولات النظم البيئية البحرية، ومعرفة تأثير الاحترار العالمي الحالي والمستقبلي على النظم البيئية.

المصدر : مواقع إلكترونية

إعلان