لقطة فريدة للزمن الذي غطت فيه الغابات المطيرة القارة الأسترالية القاحلة
نحن نعرف الآن عمر الرواسب ومدى الحفاظ على الأحافير جيدا، ولكن أمامنا سنوات من العمل لوصف وتسمية جميع الأنواع التي نعثر عليها.
اكتشف الباحثون بقايا فريدة من نوعها في سجل الحفريات الأسترالي لعصر الميوسين (بين 23 مليونا إلى 5.3 ملايين سنة)، حسب ما أفادوا به في دراسة علمية جديدة نشرت بدورية "ساينس أدفانسيس" (Science Advances) في السابع من يناير/كانون الثاني الجاري.
قلب أستراليا الميت
اكتشف علماء الأحافير الكنز الأحفوري -المعروف باسم "اللاغرشتات" ويعني "موقع التخزين" بالألمانية- في "نيو ساوث ويلز" بأستراليا، في منطقة قاحلة للغاية؛ لدرجة أن عالم الجيولوجيا البريطاني جون والتر غريغوري أطلق عليها اسم "قلب أستراليا الميت" منذ أكثر من 100 عام.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsهل يمكن استنساخ الديناصورات من الحفريات؟
عمرها 500 مليون عام.. اكتشاف حفرية لكائن عملاق جاب قاع البحار قديما
جزر الأنتيل تكشف سر الأميركتين منذ 40 مليون عام
ويُعرف موقع هذه الحفريات الاستثنائية باسم المَرْسَب الأحفوري أو المَكْمَن الأحفوري أو "اللاغرشتات" بالألمانية (Lagerstätte)، وهو مكمن رسوبي يحتوي على أحافير غير عادية محفوظة بشكل استثنائي، وفي بعض الأحيان يضم أيضا الأنسجة الرخوة المحفوظة.
وقد تكون هذه التشكيلات ناتجة عن اندفان الجثة في بيئة خالية من الأكسجين مع الحد الأدنى من البكتيريا وبالتالي تأخر التحلل، حيث دفنت الأحافير الاستثنائية المكتشفة -بما في ذلك عناكب، وأسماك صغيرة، وريش طائر قديم- وتكشف عن لقطة فريدة للوقت الذي غطت فيه الغابات المطيرة القارة القاحلة في الأغلب.
قال مؤلف الدراسة الرئيسي ماثيو ماكوري، وهو أمين علم الحفريات في المتحف الأسترالي، في تقرير لموقع "لايف ساينس" (Live Science) في رسالة بالبريد الإلكتروني "هذا الموقع يعطينا نظرة ثاقبة غير مسبوقة حول شكل هذه النظم البيئية". "نحن نعرف الآن مدى تنوع هذه النظم البيئية، والأنواع التي تعيش فيها وكيف تتفاعل هذه الأنواع".
منذ ملايين السنين، كان هذا الموقع نظاما بيئيا لغابات مطيرة خصبة، وكانت موطنا لأنواع نباتية وحيوانية متنوعة، وتم الحفاظ على سرية موقع "اللاغرشتات" على الأرض الخاصة لحمايته من جامعي الأحافير غير القانونيين، في حين قام العلماء بالتنقيب عن بقايا النباتات والحيوانات التي عاشت هناك في وقت بين 16 مليونا و11 مليون سنة.
المَرَاسَب الأحفورية
"اللاغرشتات" مثال شهير على المَرَاسَب الأحفورية التي تمتد عبر العصور الجيولوجية إلى ما بين 16 مليونا و11 مليون سنة، من حقبة الطلائع الحديثة حتى الوقت الحاضر.
معظم مكتشفات عصر الميوسين السابقة التي اكتشفها علماء آخرون في أستراليا كانت عظاما وأسنانا من حيوانات أكبر، ومع ذلك فإن المخبأ الجديد يحتوي على أحافير لمخلوقات صغيرة وحساسة مثل العناكب والحشرات، وكذلك نباتات من غابات الميوسين المطيرة.
صورة لغابة مطيرة أسترالية منقرضة
ومن خلال فحص الحفريات المحفوظة جيدا باستخدام مجاهر المسح الإلكتروني (SEM)، تمكن مؤلفو الدراسة من تصوير التفاصيل الدقيقة؛ مثل الخلايا الفردية والهياكل دون الخلوية. حتى أن بعض الصور كشفت عن وجبات الحيوانات الأخيرة، مثل الأسماك واليرقات وجناح اليعسوب المهضوم جزئيا والمحفوظ داخل بطون الأسماك. وفي المشاهد المتحجرة الأخرى تشبث بلح البحر من المياه العذبة بزعنفة سمكة، وعلقت حبوب اللقاح بأجسام الحشرات.
وزار علماء الأحافير الموقع أول مرة عام 2017، بعد أن أبلغ مزارع عن العثور على أوراق متحجرة في أحد حقوله. وقال ماكوري "سررنا باكتشاف أن الموقع ينتج مجموعة أوسع بكثير من الحفريات، بما في ذلك بقايا الحشرات والعناكب والأسماك".
وتبلغ مساحة الطبقة الصخرية الحاملة للأحافير بين ألف وألفي متر مربع، وحفر علماء الأحافير حتى الآن ما يزيد قليلا على 50 مترا مربعا، وأحاطت مصفوفة من الصخور -الغنية بالحديد تسمى الجيوثايت- بالحفريات الموجودة أعلى طبقة من الحجر الرملي.
ومن المحتمل أن النباتات والحيوانات في بركة راكدة كانت مغطاة بالحديد والمعادن الأخرى بعد الجريان السطحي من منحدرات البازلت القريبة التي تم تصريفها في البركة، والمعروفة في أستراليا باسم "بيلابونج"، التي حافظت عليها بتفاصيل رائعة.
وحسب مؤلفي الدراسة، فإن تحليل الأوراق المحفوظة يشير إلى أن متوسط درجة الحرارة في ذلك الوقت كان نحو 17 درجة مئوية، والآن -بعد ملايين السنين- بدأ الباحثون تجميع الحفريات معا لبناء صورة لغابة مطيرة أسترالية منقرضة.
ووجد العلماء أوراقا من النباتات المزهرة، وحبوب اللقاح، والجراثيم الفطرية، وأكثر من 12 عينة من الأسماك، و"مجموعة متنوعة من الحشرات المتحجرة والعناكب"، وريشا من طائر كان بحجم عصفور حديث تقريبا.
وقال ماكوري "أجد أحافير العنكبوت الأكثر روعة". وحتى الآن لم تُعرف سوى 4 عناكب أحفورية من أستراليا، وعثر الباحثون حتى الآن على 13 حفرية عنكبوتية في الموقع الجديد، حملت عيونها وجلدها تفاصيل مثيرة أخرى وتراكيب خلوية تخزن الصبغة تسمى الميلانوزومات. ورغم عدم الحفاظ على اللون نفسه، فإنه يمكن للعلماء مقارنة الشكل والحجم وأنماط التراص في الصباغ الأحفورية بتلك الموجودة في الحيوانات الحديثة.
وقال المؤلف المشارك في الدراسة مايكل فريز، وهو أستاذ مشارك في العلوم بجامعة كانبيرا في أستراليا، في بيان إنه عند القيام بذلك يمكن لعلماء الأحافير في كثير من الأحيان إعادة بناء الألوان والأنماط في الأنواع المنقرضة.
وقال ماكوري "هذه في الحقيقة مجرد بداية العمل على موقع الحفريات"، "نحن نعرف الآن عمر الرواسب ومدى الحفاظ على الأحافير جيدا، ولكن أمامنا سنوات من العمل لوصف وتسمية جميع الأنواع التي نعثر عليها".