العلماء يحذرون: سياحة مشاهدة الحشرات تهدد النظم البيئية
أكثر من مليون شخص سافروا لمشاهدة اليراع في شتى أصقاع العالم في عام 2019، وهو أمر رائع للمجتمعات المحلية على الصعيد الاقتصادي لكن السياحة ليست بالضرورة مفيدة لتلك الحشرات.
تقع قرية "أمفاوا" على بعد ساعة بالسيارة جنوب غربي بانكوك، عاصمة تايلاند، في منحنى نهر ماي كلونج. وحتى وقت قريب، كان السياح يتوافدون إلى هناك لمشاهدة عرض ضوئي رائع في المساء حيث كانت آلاف من ذكور اليراع (Pteroptyx malaccae) تتجمع على أشجار المنغروف ذات الثلاثة طوابق وتومض في تزامن عجيب.
أضواء المدينة وهروب اليراع
كانت حكومة المقاطعة قد بدأت بالترويج لسياحة اليراع في أمفاوا منذ عام 2004. وفي غضون بضع سنوات فقط، كانت مئات من الزوارق البخارية تتجول صعودا ونزولا في النهر كل ليلة.
وتقول أنشانا ثانشاروين، عالمة الحشرات في جامعة كاسيتسارت (Kasetsart University) بتايلاند، التي درست اليراع أكثر من عقدين، لمجلة "ذا ساينتست" (The Scientist)، "إنه يبدو كشجرة عيد ميلاد كبيرة بها كثير من الأضواء الصغيرة". وتضيف ثانشاروين أن الفنادق والمطاعم والطرق الجديدة حولت "المقاطعة الهادئة والمسالمة إلى منطقة حضرية".
اقرأ أيضا
list of 4 itemsلماذا لا تأكلون الحشرات؟ بعض العلماء يتساءلون
الولايات المتحدة تشهد خروجا جماعيا ومتزامنا للآلاف من حشرة الزيز لم يحدث منذ 17 عاما
حزام العفة الكيميائي: رائحة كريهة تتركها ذكور الفراشات داخل إناثها لإبعاد المنافسين
ويسافر مزيد من الناس في شتى أنحاء العالم لمشاهدة العروض المضيئة لليراع، ولكن التلوث الضوئي المرتبط بالسياحة وتدهور الموائل يهددان بإبادة الحشرات في بعض المواقع.
وبحلول عام 2014 انخفض عدد حشرات اليراع بنحو 80%، وفي الوقت الحالي يزور معظم السياح أمفاوا ليس من أجل العروض المبهرة لليراع، ولكن للتسوق في الأسواق العائمة لشراء الطعام والهدايا التذكارية.
لغة الحب عند اليراع
اليَراع أو الخنافس المضيئة أو حشرات البرق، أو الحُبَاحِب في الواقع حشرات تنتمي إلى عائلة الخنافس غمدية الأجنحة، وتتميز بظاهرة الإضاءة الباردة. ويوجد نحو ألفي نوع منها في جميع أنحاء العالم، وتنتشر في معظم المناطق الاستوائية الحارة والغابات.
واليراع من الحشرات المضيئة (Bioluminescent insects)، وهي الحشرات القادرة على إصدار الضوء ضمن ظاهرة تسمى بالضيائية الحيوية.
لا تستخدم هذه الكائنات الكهرباء لإصدار الضوء، ولكنها تستخدم تفاعلات كيمائية ينتج عنها مادة لوسفرين، وتضيء هذه المادة الكيميائية عندما تختلط بالأكسجين الذي تدخله في جسمها من الهواء الخارجي، وأكثر الأضواء إثارة تلك التي يصدرها اليراع الماليزي.
تقول ثانشاروين عن هذه العملية إنها "لغة الحب لدى اليراع"، فعلى الرغم من أن الإناث واليرقات من بعض الأنواع تنتج الضوء، فإن الذكور عادة هم من يقدمون أكثر العروض بهرجة.
وتصدر ذكور اليراع الضوء بعد أن تقف مئات منه على شجرة واحدة بين المستنقعات ويصدر الجميع الضوء في وقت واحد، فتضاء حينئذ تلك الشجرة بالكامل مدة ثانية في شكل وميض يمكن رؤيته على بعد مئات الأمتار، ويسهّل ذلك لإناثها معرفة أماكن الذكور.
سياحة الحشرات
من خلال المقابلات والدراسات الاستقصائية وعمليات البحث على الإنترنت، رسم الباحثون خريطة السياحة العالمية لليراع على وجه التحديد، ووجدوا أن وجهات سياحة اليراع منتشرة في 13 دولة في أميركا الشمالية وآسيا وأوروبا.
وتقول سارة لويس، عالمة البيئة التطورية في "جامعة تافتس" (Tufts University)، التي تدرس الحياة الجنسية لليراع، إن ممارسة مشاهدة هذا العرض الضوئي لها تاريخ طويل في بعض البلدان مثل اليابان.
ولكن في السنوات الأخيرة "يبدو أن سياحة اليراع بدأت حقا بالظهور، مدفوعة جزئيا بشعبية الصور التي يلتقطها الناس" ومشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي.
هذه الظاهرة هي جزء من اتجاه أكبر للسياحة المرتبطة بالحشرات أو سياحة الحشرات، ويقول جلين هفينيجارد عالم البيئة في "جامعة ألبرتا" (University of Alberta) "كان هناك نمو هائل في مهرجانات الحشرات، بعضها كبير بشكل مثير للدهشة".
وفي كل عام، يتدفق عشرات أو مئات الآلاف من السياح إلى مواقع هجرة الفراشات الملكية في المكسيك، وكهوف الدودة المتوهجة في نيوزيلندا وأستراليا، ومهرجانات اليرقة الصوفية في الولايات المتحدة، ومهرجانات الحشرات في جميع أنحاء العالم.
وإجمالا، يقدر الباحثون أن أكثر من مليون شخص سافروا لمشاهدة اليراع في شتى أصقاع العالم في عام 2019، ويرون أنه أمر رائع للمجتمعات المحلية التي تحصل في كثير من الحالات على دعم اقتصادي كبير لكن السياحة ليست بالضرورة مفيدة لتلك الحشرات.
ويرى الباحثون أن إشراك السكان المحليين بمعارفهم التقليدية هو عنصر أساسي للسياحة المستدامة، ويمكن للمرشدين السياحيين المحليين أن يساعدوا على جعل سياحة الحشرات تجربة تعلم الزائرين الاهتمام بالحشرات والحفاظ عليها.