جمعية التقدم العلمي والتكنولوجي في مهمة شاقة لدعم الباحثين العرب في المهجر
ساستا تمثل العلماء العرب في المهجر، وتدعم الباحثين العرب الذين يبحثون عن مساعدة سواء كانوا من سوريا أو من اليمن أو غيرهم ممن اضطروا الى مغادرة أوطانهم .
على صورة الرابطة القلمية لشعراء المهجر التي أسسها شعراء عرب بمدينة نيويورك بداية القرن المنصرم، قام علماء عرب مغتربون عام 2010 بتأسيس جمعية التقدم العلمي والتكنولوجي في العالم العربي (ساستا) التي تهدف لجمع الطاقات والكفاءات العربية المقيمة بالمهجر لدعم البحث العلمي في العالم العربي.
ويعتقد مؤسسو "ساستا" أنه لا يمكن تحقيق نهضة علمية في وطننا العربي بدون مشاركة فعالة وريادية لعلماء المهجر، لأنهم يعيشون في قلب التحولات والأحداث العلمية التي تقع داخل الجامعات العالمية وبمراكز البحث العلمي الكبيرة في العالم.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsانتخب عضوا بالأكاديمية الأميركية للعلوم.. تعرف على نابغة الرياضيات التونسي
رحلة الساموراي المصري محمد عطية من اليابان إلى وكالة حماية البيئة الأميركية
العالم المغربي جواد الخراز: هذا ما تقدمه منظمة العالم العربي للعلماء الشباب
وبالرغم من أن البداية لم تكن مشرقة كما كان يريدها أصحابها بسبب الكثير من المشاكل والعراقيل، فإن الجمعية بدأت خلال السنوات القليلة الماضية في استرجاع بريقها بفضل الكثير من المشاريع والبرامج العلمية التي يتم التحضير لها.
يقول أصحاب الجمعية أن المهمة الاساسية لـ "ساستا" هي تجنيد كل الوسائل الممكنة من خبراء وهيئات غير حكومية من أجل المساهمة في إقلاع نوعي للبحث العلمي بالوطن العربي.
البداية من قطر
يقول الدكتور العراقي وائل الدليمي، وهو أستاذ في الصحة العامة بجامعة كاليفورنيا سان دييغو في الولايات المتحدة، في تصريح هاتفي للجزيرة نت "ولدت الفكرة خلال مؤتمر نظمته مؤسسة قطر بالعاصمة الدوحة لصالح العلماء المغتربين عام 2006 والذي كان هدفه بحث كيفية إشراك علماء المهجر في بلورة مشروع نهضة قطر العلمية".
عام 2007 تم تنظيم الطبعة الثانية، حيث تم خلالها عرض البرامج والمشاريع التي يمكنها المساهمة في دعم قطاع البحث العلمي في الدولة، وحسب الدكتور الدليمي فإن الكثير من معاهد ومراكز البحث العلمي هناك كانت ثمرة هذا النشاط. واتفق الكثير من العلماء بعد هذين المؤتمرين على توسيع فكرة مؤسسة قطر من مشروع وطني إلى مشروع يشمل جميع الدول العربية.
وبعد العديد من اللقاءات التي جمعت العلماء في المنتدى العالمي للاقتصاد عام 2009 في سويسرا، ثم بالأردن من نفس العام، تم اختيار الدكتور اليمني هلال الأشول لرئاسة الجمعية لوقت قصير قبل أن تعود للدليمي تزامنا مع تسجيل الجمعية بأميركا عام 2010 تحت اسم ساستا أو (Society for the Advancement of Science and Technology in the Arab World) (SASTA).
نقص التمويل والقلاقل السياسية
يعتقد الدكتور الدليمي أن الانطلاقة بدأت بحماسة كبيرة حيث تم عقد مؤتمرين كبيرين في جامعة الدول العربية بالقاهرة سنتي 2011 و2012، تم خلالهما عرض مشاريع وبرامج بحوث علمية راقية وأفكار متميزة ومبتكرة يشارك فيها علماء من المنطقة في 3 تخصصات هي الطاقة والصحة والتكنولوجيا.
لكن الجامعة لم تتمكن من تمويل المشروع بسبب المشاكل التي عرفها العالم العربي في تلك الفترة، لأن الظروف السياسية التي ميزت المنطقة بعد أحداث الربيع العربي أثرت على نوعية وجودة التعاون.
ويؤكد الدليمي أنه لا يمكن تحقيق نهضة علمية في العالم العربي أو أي منطقة من مناطق العالم الثالث بدون مشاركة علماء الهجرة، لأنهم في قلب الأحداث العلمية، وأكثر اطلاعا على ما يحدث من ابتكارات علمية وتوجهات في عالم البحوث العلمية.
في الولايات المتحدة مثلا، كما يؤكد الدليمي، يعتبر العلماء العرب من أكثر العلماء نشاطا وابتكارا في مجالاتهم، وهناك دراسات علمية أكدت أن أغلب أفراد الجالية العربية في المهجر من المثقفين والباحثين خلافا للكثير من الجاليات الأخرى.
ويوضح الدكتور الدليمي قائلا "كل بلد عربي يسعى بمفرده، هناك بعض الدول قطعت مشوارا في طريق النهضة العلمية، لكن ذلك لا يكفي، نحن ندعو دائما إلى تحقيق تعاون بين هذه البلدان لتحقيق التكامل، وهذا يتطلب إرادة سياسية ليست متوفرة حاليا".
لمسات الدكتورة الدجاني
لم تكن الدكتورة الأردنية رنا الدجاني ضمن الفريق المؤسس لـ "ساستا" لكن ترؤسها لها في سبتمبر/أيلول 2019 أعطاها نفسا جديدا حيث تم خلال عهدتها إطلاق عدة مشاريع وبرامج علمية مرموقة.
تقول الدجاني إن وجود شبكة تستفيد من خبرة علماء المهجر في دعم البحث العلمي بوطننا العربي ضروري لأن مساهمات المغتربين لا يمكن الاستغناء عنها في تحقيق النهضة العلمية.
وقد تم اختيارها لرئاسة الجمعية لفترة زمنية محدودة لأنها تدرس حاليا في جامعة ريتشموند الأميركية وأيضا جامعة هارفارد الأميركية، وبعد عودتها إلى منصب عملها الأصلي بالجامعة الهاشمية في الأردن سيتم انتخاب رئيس جديد.
ونجد حاليا في عضوية مكتب "ساستا" علماء لامعين في مجال تخصصهم على غرار عمر ياغي من الأردن وهو أستاذ في علم الكيمياء بجامعة بيركلي الأميركية، والجزائري كمال تومي وهو أستاذ في علم الروبوتات بجامعة "إم آي تي" (MIT).
كما تدعم الجمعية استثنائيا بطاقات شابة على غرار الدكتور جواد الخراز رئيس أبحاث في معهد الشرق الأوسط لتحلية مياه البحر بالبحرين، والباحثة الشابة علياء أبو كيوان المقيمة بألمانيا والتي تقود مشروعا لتبسيط العلوم على مواقع التواصل الإجتماعي.
مشاريع وبرامج علمية في الأفق
بالإضافة إلى التقارير العلمية التي تصدرها بين الفينة والأخرى، شاركت "ساستا" في العديد من المشاريع العلمية، وأطلقت الكثر من البرامج النوعية التي يوجد بعضها في مرحلة التحضير.
ومن أهم هذه المشاريع: تأسيس جامعة إلكترونية موجهة للباحثين اللاجئين الذين اضطروا إلى هجرة أوطانهم لعدة أسباب سواء في الوطن العربي أو خارجه، وهو مشروع لايزال قيد التحضير لأنه يتطلب دعما ماليا كبيرا.
وعادت الدكتورة الدجاني لتقول إن الجمعية تعمل حاليا على تنظيم مؤتمر كبير ربيع العام القادم، تشارك فيه الكثير من جمعيات علماء المهجر الخاصة بالدول مثل فرنسا وإسبانيا واليابان، وذلك بالتعاون مع الهيئة الايطالية "تواس" (TWAS) وأكاديمية العالم الثالث للعلوم، والجمعية الأميركية للتقدم العلمي (AAAS).
وأوضحت أن الجمعية تتعاون مع الكثير من الهيئات والجمعيات العلمية داخل وخارج العالم العربي، مع اليونسكو مثلا ومركز "إس إتش إي" (SHE) لاستدامة التربية الصحية.
وتحدثت الدجاني عن مشروع مع مركز "دانا فاربر" (Dana Farber) المتخصص بمرض السرطان والتابع لجامعة هارفارد، حيث يتم التعاون معه في مشروع يتعلق بالصحة والتعلم والمرأة، وأيضا شبكة "كاتاليست 2030" (2030 Catalyst) التي تعمل في مجال التنمية المستديمة.
كما تعتبر "ساستا" من بين الداعمين لأسبوع العلوم العربي، والمنتدى العالمي للعلوم، والعديد من الفعاليات العلمية الكبيرة مثل مؤتمر فاي للبحث العلمي والابتكار، ولها مساهمات في العديد من المجلات العلمية.
مشاركة في جلسة حول الصحة بالمنتدى الاقتصادي العالمي بالأردن إلى جانب الأميرة دينا مرعد (الجزيرة)
شباب الباحثين العرب بالمهجر
تعمل "ساستا" على تقديم المساعدة لكل الباحثين الشباب الذين يواجهون صعوبات في التأقلم في بلاد المهجر.
تقول الدكتورة الدجاني إن الجمعية تدعم الباحثين العرب الذين يبحثون عن مساعدة سواء كانوا من سوريا أو اليمن أو غيرهم ممن اضطروا الى مغادرة أوطانهم، حيث أقامت تعاونا مع "تواس" في إطار مشروع "ديسبليسد ساينتيست" (Displaced Scientist) الذي يهدف لدعم الباحثين المهاجرين قسرا.
لكن كل هذه المشاريع مازالت تواجه نقصا في التمويل، وفقا للدجاني التي أكدت أن الجمعية غير ربحية وتعتمد أساسا على المنح والهبات.
وقالت "للأسف نحن في العالم العربي ما زلنا متأخرين كثيرا في هذا الجانب المتعلق بتمويل المشاريع العلمية. خلافا لما هو حاصل في أميركا، ومازالت مساهمة القطاع الخاص بتمويل البحوث والمشاريع العلمية داخل وطننا العربي ضعيفة جدا، وهذا لعدة أسباب من بينها قلة الوعي بأهمية العلم والبحث العلمي، وعدم الثقة في العلماء والباحثين العرب خاصة المقيمين داخله".
سياسة "ساستا" للاستمرارية
اللافت في سياسة عمل "ساستا" أنها تعتمد في عملها واستمرار برامجها على مبادرات الأعضاء، فأي مشروع لا يمكن أن يتم إطلاقه إلا إذا صدر من أحد الأعضاء، والذي سيكون بعد قبوله هو المشرف عليه والمسؤول الأول على تنفيذه.
تقول الدجاني "المشاريع في ساستا ملك للعضو، وهذه سياستنا لأن الرئيس يتغير والأعضاء باقون كل يمشي في رحلته. هذه هي إستراتيجيتنا لضمان الاستمرارية فهي مبنية على العضو، وهذه الفلسفة تعمل بها العديد من الجامعات الأوروبية والأميركية التي تولي أهمية كبيرة للعلماء حيث يتم تعيينهم في المجالس العلمية، وربما يتم أيضا استقطاب علماء مرموقين من الخارج، في جامعة هارفارد الطلاب والخريجون هم الذين رفعوا شأنها وليس العميد أو المدير. هذه السياسة لا نجدها في الوطن العربي حيث لا توجد حاليا ولا جامعة تقوم مثلا باستقدام أعضاء باحثين أو علماء مرموقين".