بسبب العقوبات الأميركية.. روسيا تهدد بالخروج من محطة الفضاء الدولية وبناء محطة روسية
رغم تاريخ العداء الطويل بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا؛ فإن الفضل الأكبر في التطور البشري في غزو الفضاء يرجع إلى التعاون الوثيق بينهما.
لطالما كانت المجالات الإنسانية -مثل العلوم والرياضة والفنون- هي الفضاء الذي لا يضيق بالخلافات السياسية ونزاعات الدول ورؤسائها وقادتها.
وبالرغم من العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على روسيا منذ أحداث أوكرانيا وفرض موسكو سيطرتها على جزيرة القرم؛ لم يتوقف التعاون الأوروبي الروسي الأميركي في برنامج محطة الفضاء الدولية.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsليست المرة الأولى.. تحديد مصدر تسرّب هواء في محطة الفضاء الدولية
المصير المحتوم.. متى وكيف وأين تصطدم محطة الفضاء الدولية بالأرض؟
في إنجاز جديد.. سبيس إكس ترسل 4 رواد للفضاء بصاروخ معاد استخدامه
لكن ذلك الوئام العلمي يبدو أنه لن يدوم طويلا وأنه صائر إلى خلاف وشقاق على إثر العقوبات الأميركية المفروضة على روسيا بصفة عامة والقضاء الفضائي خاصة.
فقد هدد دميتري روغوزين مدير وكالة الفضاء الروسية "روسكوزموس" (Roscosmos) -في جلسة استماع بالبرلمان الروسي يوم الاثنين السابع من يونيو/حزيران الجاري- بالانسحاب من محطة الفضاء الدولية وبناء محطة روسية، وفق ما أفادت به تقارير إخبارية من "إن بي سي نيوز" (NBC News).
وكما أشار تقرير لموقع "لايف ساينس" (Live Science)؛ فقد جاء في تصريحات روغوزين الغاضبة "إذا استمرت العقوبات ولم يتم رفعها في المستقبل القريب فإن خروج روسيا من محطة الفضاء الدولية سيصبح حينها مسؤولية الشركاء الأميركيين".
وأضاف "إما أن نعمل معا، وفي هذه الحالة يجب رفع العقوبات فورا، أو لا نعمل معا وفي هذه الحالة سنطلق محطتنا الخاصة بنا".
جدير بالذكر أن روسيا ستطلق منصة التحام جديدة لمحطة الفضاء الدولية هذا الصيف، فهل تكون هذه المنصة هي نواة محطة فضائية روسية مستقلة، سواء كانت متصلة بمحطة الفضاء الدولية أو منفصلة عنها؟
الرقائق الإلكترونية وسويوز الروسية
قال روغوزين -وفقا لما نشرته رويترز– إن روسيا عاجزة عن إطلاق بعض الأقمار الصناعية؛ لأن العقوبات الأميركية تحول دون استيراد بعض الرقائق الإلكترونية الدقيقة المطلوبة للبرنامج الروسي. بالإضافة إلى النقص العالمي المرتبط بإغلاق المصانع الناتج عن جائحة فيروس كورونا.
وتابع "لدينا عدد كبير من الصواريخ؛ لكن ليس لدينا ما نطلقها بها. لدينا مركبة فضائية مكتملة تقريبا، ولكن ينقصها مجموعة واحدة من الرقائق الإلكترونية التي لا سبيل لنا لشرائها بسبب العقوبات".
وبعد إيقاف أسطول "ناسا" (NASA) من المكوكات الفضائية في 2011؛ باتت مركبة "سويوز" (Soyuz) هي الوسيلة الوحيدة لنقل رواد الفضاء إلى المحطة الدولية.
وفي عام 2014 كانت لروغوزين تصريحات شهيرة قال فيها إن على ناسا أن تستخدم الترامبولين بدلا من مركبات سويوز الروسية لنقل رواد الفضاء إلى محطة الفضاء الدولية.
وقد جاءت هذه التصريحات على إثر الأحداث الأوكرانية وفرض روسيا سيطرتها على جزيرة القرم، حينها فرضت الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الأوروبية عقوبات على المسؤولين الروس، ومنهم روغوزين نفسه.
عقوبات اقتصادية جديدة
ومؤخرا، فرضت الولايات المتحدة موجة جديدة من العقوبات على روسيا عقب ما وصفه المسؤولون الأميركيون بالهجمات الإلكترونية الروسية والتدخل في الانتخابات الأميركية، وهو ادعاء نفته روسيا.
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي أعلنت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وجود صلات وثيقة بين المعهد البحثي المركزي لبناء الآلات ومركز الصواريخ والفضاء والقوات الروسية العسكرية؛ وهو ما يعني أن الشركات الأميركية يجب أن تحصل على ترخيص قبل بيع أي مكونات أو معدات لهما.
وكانت وزارة التجارة الأميركية في عهد ترامب قد شددت القيود على عشرات الجهات الروسية والصينية. وقد تجدد التوتر بين روسيا وأميركا عندما وصف الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن نظيره الروسي فلاديمير بوتين بالقاتل وسط المزيد من العقوبات على روسيا.
تعاون وتوتر
وفي الرابع من يونيو/حزيران الجاري أجرى روغوزين مكالمة هاتفية تعارفية مع مدير ناسا الجديد بيل نيلسون، ووصفت ناسا باليوم نفسه -في بيان لها على لسان بيل نيلسون– المحادثةَ بأنها "نقاش إيجابي عن استمرار التعاون بين ناسا ووكالة الفضاء الروسية، وقال البيان إن ناسا ملتزمة بمواصلة هذه الشراكة الناجحة للغاية في محطة الفضاء الدولية".
لكن وكالة الفضاء الروسية قالت -في بيان لها– إن العقوبات ونقص المعلومات الرسمية حول مستقبل محطة الفضاء الدولية تعوق جوهريا أي تعاون بين روسيا والولايات المتحدة في مجال الفضاء، وهو تعاون ممتد حتى مهمة مشروع تجربة "أبوللو – سويوز" (Apollo–Soyuz) في عام 1975. ومن المفترض أن ينتهي اتفاق محطة الفضاء الدولية في عام 2024، لكن الشركاء الآخرين يفاوضون لتمديد الاتفاق حتى عام 2028.
تاريخ طويل من التعاون
ورغم تاريخ العداء الطويل بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا؛ فإن الفضل الأكبر في التطور البشري في غزو الفضاء يرجع إلى التعاون الوثيق بينهما.
وقد تجلى هذا التعاون في برنامج محطة الفضاء الدولية منذ تفكك الاتحاد السوفياتي في تسعينيات القرن الماضي حين تم تعديل اتفاق المحطة للسماح بالمشاركة الروسية. وكان أحد أسباب ذلك التعديل استيعاب مهندسي الفضاء الروسيين بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.
لكن المشاركة الروسية كانت ضرورية للغاية لسجلها الحافل في إنشاء وتشغيل محطة "مير" (Mir) الفضائية في عهد الاتحاد السوفياتي، وكانت هذه المحطة ضرورية لتجهيز رواد الفضاء الأميركيين وتدريبهم على المهام الفضائية الطويلة في محطة الفضاء الدولية التي لم تكن قد رأت النور في ذلك الوقت.
وعندما دعيت روسيا للمشاركة في مشروع محطة الفضاء الدولية كانت أوروبا واليابان وكندا تعمل على مشروع آخر بقيادة ناسا اسمه محطة "فريدم" (Freedom) الفضائية، لكن "فريدم" لم تر النور لمشكلات معقدة تتعلق بالتمويل والسياسات خلال مرحلة الإعداد والتطوير.