اعتمادا على البكتيريا.. الحصول على أول خلية ذات جينوم مُنتَج مخبريا تنقسم طبيعيا
يحاول العلماء منذ سنوات إنتاج خلية تحتوي على أقل عدد من الجينات الأساسية المخلقة مخبريا، وأفضى جهدهم السابق إلى إنتاج خلية لا تتبع قوانين الحياة في الانقسام والنمو.
نجح العلماء منذ 5 سنوات في إنتاج كائن اصطناعي وحيد الخلية يشبه البكتيريا ويحتوي على 473 جينا فقط؛ مما يجعله أبسط خلية معروفة حتى الآن. غير أن تصرف ذلك الكائن البسيط كان غريبا عند نموه وانقسامه إذ انقسم هذا الكائن وحيد الخلية إلى خلايا ذات أشكال وأحجام مختلفة.
وحديثا، تمكن باحثون من معهد كريغ فنتر (Craig Venter Institute) -بالتعاون مع المعهد الوطني للمعايير والتقنية (National Institute of Standards and Technology) ومعهد ماساتشوستس للتقنية (Massachusetts Institute of Technology) بالولايات المتحدة- من تحديد 7 من الجينات التي يمكن إضافتها إلى مثل تلك الخلايا الجامحة لكي تنقسم بشكل طبيعي إلى خلايا متماثلة في الشكل والحجم.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsلأول مرة.. العلماء يتمكنون من تصوير فيديو مذهل لآلية طي الحمض النووي الريبي
شاهد كيف تنطبق قوانين الفيزياء على الحمض النووي كما تنطبق على المجرات
قفزة علمية هائلة.. صور هولوغرافية دقيقة من داخل خلايانا
الحياة صندوق أسود
ووفقا لنتائج الدراسة التي نشرت في دورية "سِل" (Cell) في 29 من مارس/آذار الماضي، فإن تحديد هذه الجينات يعد خطوة مهمة نحو هندسة خلايا اصطناعية قادرة على القيام بأدوار معينة.
فمن الممكن هندسة مثل هذه الخلايا لتعمل كمصانع صغيرة لإنتاج الأدوية والأغذية والوقود. كما يمكن برمجتها لتتمكن من الكشف عن الأمراض وإنتاج علاجات لها أثناء وجود هذه الخلايا داخل الجسم.
ومن ثم فإن هندسة خلية بمواصفات معينة وذات مهام محددة تتطلب معرفة دقيقة بالمكونات الأساسية لتلك الخلية. ويستتبع ذلك الإلمام بكيفية دمج هذه المكونات معا لكي تعمل في تناغم مع بعضها بعضا.
وهو ما تؤكده إليزابيث ستريشالسكي، قائدة الدراسة، في البيان الصحفي الذي نشره المعهد الوطني للمعايير والتقنية تعقيبا على الدراسة، قائلة إننا "قد نتمكن من اللحاق بالركب لو استطعنا إنتاج خلية تساعدنا على فهم الصيغة الأساسية لقوانين الحياة".
كائن حي غريب
في البداية، قام العلماء بإنتاج أول خلية ذات جينوم مخلق مخبريا عام 2010. ولم تنتج هذه الخلية من العدم، بل ابتدأ العلماء جهدهم باستخدام نوع بسيط جدا من البكتيريا التي تعرف باسم المَفْطُورَة أو "الميكوبلازما" (Mycoplasma).
ثم عمدوا إلى إتلاف الجينوم الخاص بتلك البكتيريا البسيطة واستبداله بآخر مخلق مخبريا، فكانت هذه الخلية بمنزلة أول كائن حي وجد على الأرض ويمتلك جينوما مخلقا مخبريا بالكامل، أطلق عليه اسم (JCVI-syn1.0).
ومنذ ذلك الحين، فإن العلماء كانوا يعملون على تجريد ذلك الكائن الحي من مكوناته الجينية حتى يصل إلى الحد الأدنى من المعلومات الجينية الأساسية. وهذا أدى بهم في النهاية إلى إنتاج تلك الخلية البسيطة جدا -المعروفة باسم (JCVI-syn3.0)- التي احتوت على 473 جينا فقط.
إلا أن هذه الخلية الأخيرة عانت مشكلات في انقسامها ونموّها، إذ تباينت هذه الخلايا عند انقسامها إلى أشكال وأحجام مختلفة. وبينما نجحت بعض هذه الخلايا في الانقسام والتباعد عن بعضها بعضا، فقد فشلت خلايا أخرى في الانفصال واصطفت كحبات العقد جنبا إلى جنب. غير أن كل الخلايا جاءت متطابقة وراثيا على الرغم من هذا التباين في الشكل والحجم.
انقسام طبيعي
ولذا، قام العلماء بدراسة الدور الذي تضطلع به بعض الجينات، وتَتَبُعِها لمعرفة تأثيرها في نمو الخلايا وانقسامها. ونتج عن ذلك إضافة 19 جينا آخر إلى تلك الخلية؛ بما في ذلك 7 من الجينات اللازمة للانقسام الطبيعي للخلايا.
ساعدت الجينات الجديدة على انقسام الخلايا بنمط متجانس شكلا وحجما، فأنتج ذلك في النهاية متغيرا جديدا -أطلق عليه العلماء اسم (JCVI-syn3A)- يحتوي على أقل من 500 جين.
ولتقريب هذا الأمر، فإن الخلية الجديدة تحتوي -من حيث العدد- على ما يقارب نحو 1.7% من إجمالي الجينات الموجودة في الخلية البشرية أو 12.5% من نسبة الجينات الموجودة في بكتيريا "الإشريكية القولونية" (Escherichia coli) التي توجد في الأمعاء.
غير أن العلماء لا زالوا يجهلون الدور الدقيق لـ5 من هذه الجينات السبعة المضافة حديثا والتي ساعدت على انقسام الخلايا بالشكل الطبيعي.
وسيركز الباحثون في دراساتهم المقبلة على معرفة الأدوار التي تؤديها هذه الجينات أملا منهم في "تطوير نموذج كامل لكيفية عمل الخلية" كما يقول جيمس بيليتيير، المؤلف الأول للدراسة.