المدينة الذهبية المفقودة.. العاصمة التي أسسها أمنحتب الثالث وهجرها ابنه أخناتون

تأسست المدينة المعروفة باسم "صعود آتون"، على يد أمنحتب الثالث جد توت عنخ آمون الذي حكم مصر في الفترة الممتدة ما بين 1391 إلى 1353 قبل الميلاد

تأسست المدينة المعروفة باسم "صعود آتون"، على يد أمنحتب الثالث جد توت عنخ آمون (رويترز)

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية يوم الخميس الموافق 8 أبريل/نيسان الجاري، اكتشاف بقايا "المدينة الذهبية المفقودة" التي كانت قد دفنت تحت العاصمة المصرية القديمة بالأقصر منذ 3 آلاف عام.

وأوضح الدكتور زاهي حواس، وزير الدولة السابق لشؤون الآثار الذي قاد أعمال التنقيب في المدينة الذهبية في بيان رسمي أصدرته وزارة السياحة والآثار المصرية بتاريخ 8 أبريل/نيسان الجاري، أن أعمال التنقيب كانت قد بدأت عام 2020 بهدف العثور على المعبد الجنائزي للملك توت.

وقد وقع الاختيار على هذه المنطقة تحديدا لأنه تم العثور على معبدي حورمحب وآي فيها. وما إن بدأت أعمال التنقيب ومع ظهور تشكيلات من الطوب في كافة الاتجاهات، أدرك أعضاء الفريق أنهم اكتشفوا مدينة كبيرة كانت بحالة جيدة نسبيا.

ونقل البيان أيضا تصريح الدكتورة بيتسي براين، أستاذة علم المصريات بجامعة جون هوبكنز، التي ترى أن "اكتشاف هذه المدينة المفقودة هو ثاني أهم اكتشاف أثري يلي اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون عام 1922″.

ازدهرت "المدينة الذهبية" خلال فترة حكم أمنحتب الثالث المشتركة مع ابنه أمنحتب الرابع  أو أخناتون (رويترز)

لغز نقل العاصمة

كما يشير تقرير موقع لايف ساينس Live Science، فقد تأسست المدينة المعروفة باسم "صعود آتون"، على يد أمنحتب الثالث جد توت عنخ آمون الذي حكم مصر في الفترة الممتدة ما بين 1391 إلى 1353 قبل الميلاد.

وقد ازدهرت "المدينة الذهبية" خلال فترة حكم أمنحتب الثالث المشتركة مع ابنه أمنحتب الرابع (الذي غير اسمه لاحقا إلى أخناتون)، وكذلك أثناء حكم توت عنخ آمون والفرعون الذي تبعه المعروف باسم آي.

وتشير الوثائق التاريخية إلى أن هذه المدينة كانت موطنا للقصور الملكية الثلاثة للملك أمنحتب الثالث وكانت أكبر مستوطنة إدارية وصناعية في الأقصر في ذلك الوقت، إلا أن بقاياها لم تكتشف بشكل كامل حتى يومنا هذا.

ويرى الدكتور حواس أن أهمية اكتشاف هذه المدينة المفقودة لا يكمن فقط في كونها تستعرض لمحة نادرة عن حياة قدماء المصريين في الوقت الذي ترافق مع ازدهار الإمبراطورية، بل في كونها ستلقي الضوء على أحد أعظم ألغاز التاريخ "لماذا قرر أخناتون والملكة نفرتيتي بعد سنوات قليلة من بدء حكمه في أوائل القرن الـ13 قبل الميلاد، التخلي عن المدينة الذهبية ونقل عاصمة مصر إلى العمارنة؟".

أهمية الكشف أنه سيلقي الضوء على سر نقل أخناتون العاصمة من هذه المدينة إلى العمارنة (رويترز)

منطقة إدارية سكنية

يصف حواس المشهد قائلا "كانت شوارع المدينة محاطة بالمنازل" بعضها يصل ارتفاع أسواره إلى 3 أمتار.

وقد وجد الفريق ختم أمنحتب الثالث ذا الشكل البيضاوي منقوشا باسمه الملكي بالهيروغليفية في كل مكان، بما في ذلك أواني النبيذ والخواتم والجعارين الفرعونية (تمائم فرعونية لجلب الحظ والثراء)، والفخار الملون والطوب، مما أكد أن المدينة كانت نشطة في عهد أمنحتب الثالث، الذي كان تاسع ملوك الأسرة الـ18.

وبعد 7 أشهر من التنقيب، اكتشف الفريق عدة أحياء للمدينة. كما عثر أيضا على بقايا مخبز في الجزء الجنوبي من المدينة احتوى على مساحة مخصصة لإعداد الطعام والطهي مليئة بالأفران وأوعية التخزين الخزفية.

كان المطبخ كبيرا مما يرجح أنه صمم خصيصا لتلبية احتياجات عدد كبير من العملاء. كما تم العثور على منطقة إدارية وسكنية بها وحدات أكبر نسبيا كانت مرتبة بدقة، إلا أنها لا تزال مغطاة جزئيا بالرمال.

وقد عثرت البعثة أيضا على سياج متعرج يحيط بالمنطقة كسور لها، مما يسمح بنقطة وصول واحدة فقط تؤدي إلى المناطق السكنية والممرات الداخلية، وقد اشتهر هذا الطرز من التصميم المعماري في فترة تزامنت مع نهاية حكم الأسرة الـ18.

ويرجح علماء الآثار أن يكون هذا المدخل الوحيد بمثابة إجراء أمني، حيث إنه مكن المصريين القدماء من السيطرة على كل من يدخل إلى المدينة وكل من يخرج منها.

بعد 7 أشهر من التنقيب اكتشف الفريق عدة أحياء للمدينة (رويترز)

منطقة صناعية بامتياز

عثرت البعثة أيضا على مكان مخصص لإنتاج لبنات الطوب التي كانت تستخدم في بناء المعابد وملحقاتها، وكانت هذه اللبنات ممهورة بختم الملك أمنحتب الثالث.

وعثر أيضا على العشرات من قوالب الصب التي كانت تستخدم في صنع التمائم والعناصر الزخرفية، مما يدل على أن المدينة كانت تمتلك خط إنتاج نشط لصنع زينة المعابد والمقابر.

وانتشرت أدوات تتعلق بالعمل الصناعي كالغزل والنسيج في جميع أنحاء المدينة، وعثر أيضا على خبث المعادن والزجاج، غير أن الورشة التي كانت تصنع تلك المواد لم تكتشف بعد.

وعثرت البعثة أيضا على دفنتين غير مألوفتين لبقرة أو ثور، ودفنة وصفت بالرائعة لشخص كانت ذراعاه ممدودتين إلى الجانب مع وجود بقايا حبل ملفوف حول ركبتيه. ويعمل الباحثون حاليا على تحليل هذه المدافن على أمل تحديد الظروف التي وافقتها إضافة إلى معناها.

عثر الفريق مؤخرا على إناء يحتوي على 10 كيلوغرامات من اللحم المقدد (رويترز)

إناء من اللحم المقدد

عثر الفريق مؤخرا على إناء يحتوي على 10 كيلوغرامات من اللحم المقدد وقد نقش عليه العبارة التالية " السنة 37، لحوم جاهزة لعيد حب سد الثالث من مسلخ حظيرة "خع" التي صنعها الجزار لوي".

ويرى علماء الآثار أن "هذه المعلومات القيمة لا تعطينا فقط اسمي شخصين كانا يعيشان ويعملان في تلك المدينة، بل إنها تؤكد أن المدينة كانت نشطة في فترة وصاية الملك أمنحتب الثالث مع ابنه أخناتون".

وعلاوة على ذلك، فقد عثر على ختم طيني مكتوب عليه "gm pa Aton"، وهي عبارة يمكن ترجمتها إلى "منطقة آتون الساطع" وهو اسم معبد في الكرنك كان قد بناه الملك أخناتون. وحسب ما سردته الوثائق التاريخية فقد انتقلت العاصمة إلى العمارنة بعد مرور عام على صنع هذا الإناء.

بالطبع لا يزال هناك الكثير لاستكشافه، وقد اكتشفت البعثة أن المدينة تمتد غربا وصولا إلى دير المدينة الشهير، وهو قرية عمالية قديمة كان يسكنها الحرفيون والعمال.

وقد عثرت البعثة على مقبرة كبيرة في الشمال لم يتم حفرها بالكامل بعد. كما عثر على مجموعة من المقابر المنحوتة في الصخور التي لا يمكن الوصول إليها إلا من خلال سلالم منحوتة في الصخر أيضا، وهي ميزة مشتركة مع وادي الملوك ووادي النبلاء.

هذا ويخطط علماء الآثار لحفر هذه المقابر في غضون الأشهر المقبلة، وذلك بغية معرفة المزيد عن هوية الأشخاص والكنوز المدفونة هناك.

المصدر : ساينس ألرت + لايف ساينس

إعلان