التفسير العلمي لصورة السفينة الطائرة على السواحل البريطانية

ما رآه السيد موريس وصوّره تطبيق مباشر لأحد قوانين الفيزياء وقوانين الدماغ البشري كذلك

موريس التقط صورة للسفينة التي بدت كأنها تطير ونشرها على منصات التواصل الاجتماعي (الصحافة الأجنبية)

بينما كان ديفيد موريس يتجول على شاطئ إحدى القرى التابعة لمدينة فالماوث الإنجليزية، التي تقع على الساحل الجنوبي الغربي لبريطانيا، إذا به يرى في الأفق سفينة شحن عملاقة، لكنها لا تقف على سطح الماء، بل بدت كأنها تطفو فوقه، أو كأنها معلقة في السماء.

التقط موريس صورة للمشهد ونشرها على حساباته على منصات التواصل الاجتماعي قائلا إنه مذهول مما رأى، وخلال ساعات انتشرت الصورة بشكل هائل حول العالم، بالطبع تخلل ذلك جدل شديد حول طبيعة تلك السفينة؛ هل هي فضائية أم أرضية؟ وما الذي يجعلها تطفو بهذا الشكل؟ وتطرق الأمر لادعاءات بأن الأرض مسطحة.

لكن في الواقع، إن ما رآه السيد موريس وصوّره هو تطبيق مباشر لأحد قوانين الفيزياء، وقوانين الدماغ البشري كذلك. ولفهم تلك الفكرة دعنا نبدأ من القصة العربية القديمة التي تقول إن أحدهم كان يمشي في الصحراء لاهثًا، وأتعبه الإرهاق والعطش ولا يجد أي مصدر للماء، ثم فجأة رأى واحة خضراء بها بحيرة وأشجار، وانطلق صديقنا مسرعا إلى الواحة، لكنه حينما وصل إلى المكان لم يجدها، وهذا ما نسميه السراب.

اللاهث في الصحراء

في اللغة، تستخدم كلمة السراب عادة للإشارة إلى شيء متوهّم، أما في الفيزياء فإن هذه الواحة موجودة فعلا، لكنها فقط بعيدة جدا عن الموضع الذي رآه الشخص، والسبب في ذلك يرجع إلى قاعدتين: إحداهما فيزيائية والأخرى عصبية.

القاعدة الأولى تقول إن الضوء يختار دائما أن يصل إلى النقطة التي يذهب إليها في أقصر وقت ممكن؛ بمعنى أنه لو كان أمام الضوء مساران؛ الأول أطول من الثاني، لكنه سيجري في الأول أسرع من الثاني بفارق يوصله أولا لنقطة النهاية، فإنه يمضي في الأول. أما القاعدة الثانية فتقول إن أدمغتنا تفترض دائما أن الضوء يمشي في خطوط مستقيمة.

اللاهث في الصحراء يرى الواحة أقرب مما توجد عليه في الحقيقة، ويسمى ذلك السراب الأدنى (الجزيرة)

في الحالة الطبيعية، فإن أقصر المسارات للضوء هو أسرعها بالتبعية، لكن في حالات خاصة قد تكون هناك مسارات أطول لكن الضوء يجري فيها بشكل أسرع، والصحراء إحدى تلك الحالات، حيث تكون الرمال ساخنة جدا، وبالتالي تكون درجة الحرارة بالقرب من الرمال أكبر منها بالأعلى، والضوء يجري أسرع كلما زادت درجة الحرارة، هنا يختار الضوء المضي في مسار منحن للأسفل؛ إنه أطول لكنه أسرع.

أما أدمغتنا، فإنها لا تعترف بانحناء شعاع الضوء، وحينما يصل إلينا فإننا سنرى الأشياء على امتداد الخط المستقيم للضوء الواصل لعينينا، ولذلك فإن صديقنا اللاهث في الصحراء رأى الواحة أقرب مما توجد عليه في الحقيقة. حينما يحدث ذلك يسمى السراب الأدنى.

السفن الطائرة

الآن دعنا ننتقل إلى السيد موريس، فما رآه هو سراب أيضا، لكنه هذه المرة يسمى السراب الأعلى، إنه العكس تماما مما تعلمناه قبل قليل، في هذه الحالة تكون المياه باردة جدا، لذلك تكون درجة حرارة الهواء بالقرب من الماء أبرد من درجة الحرارة بالأعلى، والضوء يجري أسرع كلما زادت درجة الحرارة، هنا يختار الضوء المضي في مسار منحن للأعلى؛ إنه أطول لكنه أسرع.

دماغ الرائي يقرأ الصورة مقلوبة، فيظن أن السفينة تطفو أعلى من البحر أو تطير (الجزيرة)

ودماغ السيد موريس فعل الشيء نفسه الذي حدث مع لاهث الصحراء، لكنه هذه المرة يقرأ الصورة مقلوبة، فيظن أن السفينة تطفو أعلى من البحر أو تطير، وهذا غير حقيقي. وقد يسأل سائل: هذا شأن الدماغ، فما بال الكاميرا وهي بلا دماغ، هل التقطت الخدعة هي الأخرى؟

والإجابة أن الأمر مرتبط بشعاع الضوء وكيف تدركه العين، وينطبق ذلك على الكاميرا في هذا الأمر؛ لأن تأثير الضوء عليها كتأثيره على العين، ولذلك فإن الخداع هنا ليس إدراكيا، ولكنه بصري فيزيائي ناتج عن شعاع الضوء وانحناءاته، وينطبق على الاثنين؛ العين والكاميرا.

من حين لآخر، تظهر على وسائل التواصل الاجتماعي صور للسراب الأعلى تحديدا، وتلقى اهتماما واسعا، لكنها تكون فرصة جيدة لنتعلم بعض الأشياء المبسطة عن كيفية عمل الفيزياء، وأدمغتنا كذلك!

المصدر : الصحافة البريطانية

إعلان