يحفظ التربة ويكافح تغير المناخ.. قنفذ النمل يحرك أطنانا من مكونات التربة سنويا
يبذل العلماء قصارى جهدهم لاستعادة حالة التربة فقيرة المغذيات، غير أن بعض الحيوانات قد تفعل هذا الأمر دون كلل أو خطط هندسية معدة مسبقا.
تعاني التربة الزراعية في أستراليا من حالة سيئة إثر الممارسات الزراعية التي أجهدتها على مدار 200 سنة الماضية، فقد استنفدت التربة عناصرها الغذائية والمواد العضوية التي تحتويها، بما في ذلك الكربون، وهو ما يمثل خطرا على حالة التربة، ويحمل بين طياته تهديدا للجهود المبذولة من أجل معالجة ظاهرة الاحتباس الحراري.
غير أن قنفذ النمل الأسترالي يبدو أنه معني بهذه المشكلة أيضا، ففي رحلته للبحث عن النمل الأبيض يحفر الحفر والأخاديد في التربة، مما قد يحمل الحل لمشكلة فقر التربة واستنفادها لعناصرها الغذائية.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsشاهد.. كيف تساهم الديدان الخيطية في خصوبة التربة وتغير المناخ
علماء البيئة يحذرون: الزراعة الأحادية كارثة على التربة والماء
عكس المتوقع.. الأراضي القاحلة لا تزداد جفافا بفضل رطوبة التربة
وبالفعل، جاءت نتائج دراسة حديثة -نشرت في دورية "كاتينا" (Catena) في 23 يناير/كانون الثاني الماضي- تؤكد على أن هذه الهندسة الجديدة للتربة -التي يقوم بها قنفذ النمل الأسترالي- قد تحمل النفع للبيئة.
حفارو الطبيعة
يعمل العديد من الحيوانات كـ"مهندسين للنظام البيئي"، وذلك بحفرهم وتنقيبهم المكثف للتربة، وهو ما يساعد على تحسين حالتها، غير أن أستراليا لا تمتلك العديد من هذه الحيوانات، فمعظم حفارو الطبيعة هناك إما منقرضون أو مأسورون أو مهددون، ولكن الأمر ليس كذلك بالنسبة لقنفذ النمل الأسترالي الذي ينتشر عبر مساحات واسعة من القارة الأسترالية.
ويحفر قنفذ النمل الأسترالي في التربة بحثا عن النمل الأبيض، إذ يخلف وراءه حفرا تمتد عرضا إلى 50 سنتيمترا، وبعمق 15 سنتيمترا، وأحيانا تكون الحفر أعمق من ذلك بكثير إذا كان العثور على النمل في بعض الأماكن نادرا.
ويشير الباحثون في البيان الصحفي -الذي أوردته جامعة "نيو ساوث ويلز" (University of New South Wales) في أستراليا تعقيبا على الدراسة- إلى أن "قنافذ النمل الأسترالية حفارون مهرة، إذ أظهرت متابعتنا لهم على المدى الطويل أن قنفذا واحدا يمكنه تحريك حوالي 7 أطنان من التربة سنويا، وهو ما يعادل حمولة 8 من مقطورات النقل".
وظائف عديدة
وبالطبع لا يمكن تجاهل هذا الكم من التحريك المستمر للتربة والذي قد يحمل الأثر الكبير على تحسين حالتها وجودتها، وكذلك على تعزيز نمو النباتات وتثبيت نسبة الكربون فيها بدلا من الغلاف الجوي.
ولهذا التحريك المستمر للتربة وظيفة أخرى؛ إذ يساعد على التقاء البذور بالمياه، وهو ما أكدت عليه الدراسة، حيث أظهرت أن هؤلاء الحفارين يساعدون على التقاء البذور بالمياه وبالمغذيات الموجودة في التربة، وهو ما يسهل إنبات البذور.
في البداية قام العلماء بحفر حفر مشابهة لتلك التي يحفرها قنفذ النمل، ومن ثم وضعوا على سطح الحفر بذورا مختلفة مصبوغة بأصباغ ملونة، ثم قاموا بمحاكاة حدوث المطر على هذه الحفر.
ولاحظ العلماء أن البذور الموجودة في الحفر التي خلّفها قنفذ النمل لم تُزَل بفعل المطر، مثلما كان الحال في الحفر التي حفرها الباحثون، وهو ما يعني أن حفر قنفذ النمل تمنح البذور فرصة أفضل على الالتقاء بالماء والمغذيات الأخرى، مما يساعدها على الإنبات والازدهار في التربة الأسترالية الفقيرة، ومن ثم تصبح هذه الحفر بؤرا مهمة تنتشر منها النباتات وتزدهر في البيئة المحيطة بها.
ولا عجب في ذلك، وخاصة إذا علمنا أن معظم الجهود البشرية التي تسعى دوما لاستعادة حالة التربة تقوم بذات الهيكلة التي يقوم بها قنفذ النمل الأسترالي، والتي تساعد على استرجاع حالة التربة مرة أخرى.
دور بيئي
وليس ذلك فحسب، فكما يمثّل الاعتناء بقنفذ النمل الأسترالي وتحسين معيشته فرصة لتعزيز الجهود المبذولة لاستعادة جودة التربة، فإنه قد يعضد أيضا من مساعينا المستمرة بشأن التغير المناخي.
فعندما تسقط المواد العضوية على سطح التربة تأخذ في التحلل بفعل الأشعة فوق البنفسجية، وهو ما يطلق الكربون والنيتروجين إلى الغلاف الجوي، غير أن قنفذ النمل الأسترالي يقوم بدفن تلك المواد العضوية في التربة مرة أخرى، مما يساعد على تكسيرها بواسطة المجتمعات الميكروبية الموجودة في التربة.
وأظهرت الدراسة أن تلك الحفر الفريدة تحتوي على مجتمعات ميكروبية وكائنات لافقارية، تلعب دورا في تكسير المواد العضوية، ومن ثم إنتاج وتثبيت الكربون والنيتروجين في التربة، غير أن هذا الأمر يستغرق من 16 إلى 18 شهرا حتى تتجاوز نسبة الكربون تلك النسبة الملاحظة في التربة الفقيرة.