أمم أمثالكم.. التعرّف لأول مرة على لهجات خاصة بمستعمرات فئران الخلد العارية
"الغرباء هم أصدقاء لم نقابلهم بعد"، مقولة قد نؤمن بها نحن البشر، لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة لفئران الخلد العارية (Naked mole-rats)، التي يعيش أفرادها في مستعمرات يصل تعداد كل منها إلى 300 فرد.
ويُصنَّف فأر الخلد العاري ضمن الثدييات ذوات الدم البارد العديمة الفراء، وتسيطر أنثى وحيدة على المستعمرة بأكملها، وتختبئ هذه الفئران في شبكة من الأنفاق الجوفية ولا تشق طريقها إلى السطح إلا نادرا.
وتشتهر فئران الخلد العارية بمجموعة كبيرة من الصفات الغريبة، إذ إنها أطول عمرا مقارنة بالقوارض الأخرى، ونادرا ما تصاب بالسرطان، ولها قدرة كبيرة على تحمل الألم.
وحديثا، أشارت دراسة علمية نشرت في دورية "ساينس" (Science) في 29 يناير/كانون الثاني، وتصدرت غلاف المجلة، إلى أن لهذه الفئران لهجات خاصة تعمل على تعزيز التعاون والتواصل فيما بينها داخل المستعمرة.
وتعتبر تلك الفئران كائنات اجتماعية للغاية، إذ يمكنك سماع أصواتها لو وقفت بالقرب من مسكنها. وبحسب البيان الصحفي الذي أورده مركز ماكس دلبروك للطب الجزيئي في ألمانيا (Max Delbrück Center for Molecular Medicine)، يقول كبير باحثي الدراسة غاري لوين إنهم أرادوا معرفة "إن كان لهذه الأصوات وظيفة اجتماعية في تلك المستعمرات المُنَظَّمة بشكل صارم".
أصوات خاصة
قام الفريق في البداية بتسجيل أصوات الترحيب التي كانت مثل زقزقة خفيفة تصدرها الفئران حين تلتقي ببعضها بعضا. إذ تم تسجيل أكثر من 36 ألف "زقزقة" لـ166 فأرا موجودة في 7 مستعمرات مختلفة في مختبرات بألمانيا وجنوب أفريقيا.
ولفهم هذه الأصوات، طوّر الفريق خوارزمية يمكنها تحليل وتصنيف الأصوات اعتمادا على الخصائص الصوتية المميزة، مما أظهر أن لكل مستعمرة "زقزقة" مميزة خاصة بها. وتختلف تلك الأصوات عن بعضها في نمط الموجة الصوتية وقوتها.
وتلا ذلك تطوير برنامج حاسوبي يمكنه تِبيان أي الأصوات قد صدرت عن أي الفئران. إذ تقول المؤلفة الرئيسة للدراسة أليسون باركر إنهم اكتشفوا أن "لكل فأر صوته الخاص، إلا أننا لم نكن نعرف إن كان بإمكان هذه الحيوانات التعرف على أصوات بعضها بعضا".
وتضيف باركر "تعمل تلك اللهجات الخاصة بكل مستعمرة على تعزيز الترابط بين أفرادها والشعور بالانتماء لتلك المستعمرة"، وكما تسهم هذه اللهجات في الحفاظ على النظام الاجتماعي، فإنها تلعب دورا في الاعتداء على الغرباء، وهو ما يؤكد عليه لوين قائلا إن "هذه الحيوانات تكره الغرباء بشدة".
ربما يكون هذا السلوك العدواني ناتجا عن النقص الدائم في الغذاء الموجود في السهول الجافة، حيث توجد مواطن فئران الخلد العارية في شرق أفريقيا. وعلى الرغم من ذلك، فإن هذه الفئران تتعاون فيما بينها بشكل متناغم داخل المستعمرة.
استمع لأصوات الترحيب في مستعمرات فئران خلد الماء المختلفة
/wp-content/uploads/2021/02/Conversation_Baratheon_1_MDCwav.wav
/wp-content/uploads/2021/02/Conversation_Baratheon_2_MDC.wav
/wp-content/uploads/2021/02/Soft-chirp_Colony-Baratheon_MDC.wav
/wp-content/uploads/2021/02/Soft_chirp_Colony-Dothraki_MDC.wav
تفضيل الأهل والأقارب
قامت باركر بعد ذلك بوضع فأر في غرفتين متصلتين ببعضهما عبر أنبوب. إذ يمكن للفأر سماع صوت فأر خلدٍ عارٍ آخر في الغرفة الأولى، بينما كانت الغرفة الثانية صامتة. لاحظ العلماء أن الفئران "تتجه على الفور إلى الغرفة الأولى، حيث يمكنها سماع ذاك الصوت"، كما تقول باركر.
ولو أن الأصوات التي كانت في الغرفة الأولى آتية من فأر من ذات المستعمرة، فإن الفأر موضِع الاختبار سيصدر فورا صوت استجابة لما سمعه. ولو أن الصوت كان لفأر من مستعمرة دخيلة، فإن الفأر المُختَبَر يظل صامتا. مما يعني أن "فئران الخلد العارية يمكنها التعرف على لهجتها الخاصة، والاستجابة بشكل انتقائي للأصوات التي تسمعها".
وضع العلماء بعد ذلك 3 فئران صغار في مستعمرات أجنبية ترأسها ملكة من الإناث -وهي الوحيدة التي تملك الحق في التكاثر- مع ضمان عدم تعرض الوافدين الجدد لأي إيذاء من أفراد المستعمرة. فلاحظ الفريق أن الصغار قد اكتسبوا اللهجة الجديدة الخاصة بالمستعمرة بعد 6 أشهر فقط.
كما اكتشف العلماء حقيقة أخرى مثيرة للاهتمام، إذ لاحظوا أن ملكة المستعمرة ليست مسؤولة عن التكاثر فحسب، بل إنها تلعب دورا في التحكم في تكامل اللهجات والمحافظة عليها. فعندما فقدت إحدى هذه المستعمرات ملكاتها بشكل سريع نسبيا أثناء الدراسة، أدى ذلك إلى تباين أصوات الفئران، ولم يعد ذلك الأمر لطبيعته إلا بعد بضعة أشهر، بعد أن ترأست ملكة أخرى المستعمرة.