القمر والثريا.. في المنازل والأنواء في سماء العرب

لدى العرب تراث فلكي ثري عبروا عنه في أمثالهم وأشعارهم ونقلته لنا كتبهم، فكيف اقترنت أجرام السماء بأحوال الطقس وحياة الناس عند العرب؟

القمر يمر بعدة أطوار على مدار الشهر القمري الذي يبلغ 29.53 يوما (هاني الضليع)

يدور القمر حول الأرض في مدار البروج في شهر طوله 27.3 يوما، ويُعرف بالشهر النجمي نسبة إلى موقع نجم في السماء. وبعبارة أخرى؛ هي مدة دوران القمر حول الأرض بافتراض أن الأرض واقفة لا تتحرك حول الشمس.

ولأن الأرض تتحرك في مدار حول الشمس، ولأن القمر بعد 27.3 يومًا لا يعود مصطفًا مع الأرض والشمس على خط واحد، فإنه يلزمه أن يدور حول الأرض يومين إضافيين كي يعود ويصطف معها ومع الشمس في مستوى واحد.

وبهذا يصبح طول الشهر 29.53 يومًا، وهذا هو الشهر الاقتراني نسبة لاقتران القمر بكل من الأرض والشمس، وهي الدورة التي تتسبب بأن يصبح طول الشهر إما 29 يومًا أو 30 يومًا بسبب نصف اليوم هذا.

"والقمر قدرناه منازل"

يتحرك القمر بين نجوم السماء، واصطلحت العرب على أن النجوم اللامعة التي ينزل بها القمر كل ليلة تسمى منازل القمر، وبسبب الدورة النجمية (360 درجة) فإن القمر ينزل في 28 منزلة كل شهر.

وهذه المنازل هي: الشرطان، البطين، الثريا، الدبران، الهقعة، الهنعة، الذراع، النثرة، الطرفة، الجبهة، الزبرة، الصرفة، العواء، السماك، الغفر، الزبانى، الإكليل، القلب، الشولة، النعائم، البلدة، سعد الذابح، سعد البالع، سعد السعود، سعد الأخبية، الفرغ المقدم، الفرغ المؤخر، الرشاء.

ولأن مدار القمر شديد التفلطح، فإن سرعة القمر في السماء تختلف بين الأوج والحضيض، وبسبب ذلك ربما نزل القمر في المنزلة، وربما نزل بينها وبين المنزلة التي تليها، فإن نزل بينهما قيل إنه نزل في الفُرجة (وهي الفتحة الواسعة). وثمة منزلة واحدة في السماء ليس فيها نجوم، هي منزلة البلدة الواقعة بين منزلتي النعائم في برج القوس وسعد الذابح في برج الجدي.

غير أن القمر يتم دورته الاقترانية (بأن يعود إلى الاصطفاف مع الأرض والشمس على خط واحد) كل 29.5 يوما، ولذا فإن طول الشهر القمري يكون إما 29 أو 30 يوما. وفي الحديث الشريف: "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب.. الشهر هكذا وهكذا، وقبض إبهامه في الثالثة".

رسم توضيحي لمنازل القمر بين نجوم مدار البروج، وهي المناطق المظللة حيث اصطلحت العرب على نزول القمر فيها (هاني الضليع)

منازل الشمس وأحوال الطقس

تتحرك الشمس -ظاهريا- في السماء مرة كل سنة، بحيث تنزل في البرج الواحد مدة معينة حسب طول حدود هذا البرج، لكنها في النهاية تكمل دورتها بعد 365.25 يوما. وعند العرب، تنزل الشمس في منازل القمر نفسها، بحيث تمكث في كل منزلة 13 يوما، عدا منزلة "الجبهة" ببرج الأسد، فتمكث فيها 14 يوما.

واعتادت العرب في الجزيرة العربية على ربط منازل الشمس بالأنواء، أو ما يعرف حديثا بحالة الطقس، فهبوب الرياح وتساقط الأمطار ودخول البرد ومن بعده الحر، كلها مربوطة بنوء هذه النجوم، وهو دخول الشمس فيها.

فيقولون على سبيل المثال "إذا طلع سهيل.. لا تأمن السيل"، وهي كناية عن أن ظهور نجم سهيل اليماني مرتفعا في السماء يبشر بسقوط المطر المفاجئ. ويقولون "إذا طلع سهيل.. طاب الليل"، كناية عن انصراف شدة الحر نهاية أغسطس/آب.

أما إذا طلعت الثريا (وهي عنقود نجمي من 7 نجوم متقاربة) فيشتد الحر، فطلوعها يحدث يوم 7 يونيو/حزيران، أي إيذانا بشدة الحر. والمقصود بتاريخ طلوع المنزلة هو بداية رؤيتها فجرا فوق الأفق الشرقي قبيل طلوع الشمس بحوالي ساعة من الزمن.

جدول يبين أسماء منازل القمر ومواعيد طلوع كل منزلة فيها وقت الفجر قبل شروق الشمس بحوالي ساعة (هاني الضليع)

قران تاسع.. بارد لاسع

يعد لقاء القمر والثريا مرة كل شهر علامة فارقة عند سكان الجزيرة العربية وما حولها، حيث يربطون بين أحداث الطقس وتقلباته وبين هذه اللقاءات الشهرية؛ فالثريا تقع على خط سير القمر في السماء (مدار البروج)، ومن الضروري أن يلتقيها القمر مرة كل شهر.

ولأن الشهر يساوي منزلتين قمريتين تقريبا، فإن الاقترانات تأخذ أسماء فردية (مثل: قران ثالث، وقران خامس، وقران سابع، وقران تاسع، وقران حادي… إلخ)، فحين يقترن القمر بالثريا في الليلة 11 من الشهر، ويحدث ذلك في ديسمبر/كانون الأول؛ فإن العرب تقول "قران حادي.. برد بادي" أي أنه بداية البرد.

أما في يناير/كانون الثاني، فيقترن القمر بالثريا في يومه التاسع من الشهر القمري، حين يكون الطقس شديد البرودة، فيقولون "قران تاسع.. برد لاسع". وأما في اقترانه مع الثريا لـ7 أيام في فبراير/شباط، فيقولون "قران سابع.. مُجيع وشابع"، وذلك لبداية ظهور العشب في أماكن، وانتفائه في أماكن أخرى، فتجوع أغنام وتشبع أخرى.

واستبشارا بقدوم الربيع وزيادته في الشهور الثلاثة: مارس/آذار وأبريل/نيسان ومايو/أيار، يقول الشاعر:
وإذا الثريا والهلال تقارنا في ثالث أو رابع أو خامس
خرج الشتاء ببرده وأتى الربيع بورده ويطيب ليل الرامس

والرامس هو كل من يستيقظ أو يسهر ليلاً.

خريطة السماء من برمجية "ستيلاريوم-ويب" توضح معنى الاقتران وطلوع الثريا (هاني الضليع)

وفي وصية الراعي الشامي لابنه الذي يرعى أغنامه في سهل حوران بصحراء سوريا (شمال الأردن)، يقول:
بقران تسعة لا تواسـط بحوران.. وبقران سبع ناوشه بالأطـاريف
وبقران خمسة انزل بوسط حوران.. تضفي على الخلَفات لون المراديف

فهو يُوصي ولده بألا يرعى في سهل حوران أيام اقتران القمر بالثريا لـ9 أيام من الشهر القمري (في يناير/كانون الثاني) حيث البرد والأمطار وانتفاء العشب، وينصحه بدخول أطراف حوران حين يقترن القمر بالثريا لـ7 أيام من الشهر القمري (في فبراير/شباط)، لظهور بعض العشب عند أطراف السهل.

وحين يقترن القمر بالثريا لـ5 أيام (في مارس/آذار)، فيوصيه بالنزول إلى وسط السهل فذلك أفضل وقت للرعي لوجود الكلأ والماء، حتى أن النوق (الخلفات) تسمن وتصبح أسنمتها كأنها مردوفة، أي يركبها اثنان.

وأخيرا، يذهب الشتاء حين يقترن القمر في يومه الثالث مع الثريا (في أبريل/نيسان)، ويقول الشاعر:

إذا ما قارن القمر الثريا لثالثة فقد ذهب الشتاء.

المصدر : مواقع إلكترونية

إعلان