كيف تأثرت الحياة البرية بالتسربات الإشعاعية بعد 10 سنوات على كارثة فوكوشيما؟

تكمن أهمية البحث في مساعدة المعنيين بالأمر في اتخاذ قرارات مصيرية بشأن إعادة استخدام المناطق الملوثة بالمواد المشعة أو مساعدة السكان في العودة إلى أراضيهم مرة أخرى.

امتد تأثير الإشعاع الناتج عن انفجار مفاعل فوكوشيما إلى مساحة 1150 كيلومترا مربعا (غيتي)

في 11 مارس/آذار 2011 وقعت كارثة محققة في اليابان لا تزال آثارها باقية حتى الآن. فمع اقتراب انتهاء يوم عمل شاق، فوجئ سكان اليابان في الثالثة عصرا بزلزال عنيف بلغت قوته 8.9 درجات على مقياس ريختر قبالة سواحل شرقي اليابان، ونتج عنه موجات تسونامي وما تبعها من كوارث أسوأها تدمير مفاعل فوكوشيما النووي، مما تسبب في تسريبات نووية كبيرة.

وقد امتد تأثير الإشعاع إلى مساحة 1150 كيلومترا مربعا، ومن ثم أجلت اليابان 150 ألف شخص من منطقة الإشعاع، ولكن، على الجانب الآخر، كان من العسير إنقاذ الحياة البرية في منطقة فوكوشيما، فمن حينها تعرضت أجيال من الحيوانات إلى مستويات مرتفعة من الإشعاع تخطت نسبة الإشعاع الآمنة.

العواقب الصحية

نشرت دورية "إنفيرومنتال إنترناشونال" (Environment International) في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بحثا عن مدى تأثر الحياة البرية المكشوفة بالتعرض المزمن لكميات ضئيلة من الإشعاع في حادث فوكوشيما النووي، ومن ثم الوقوف على الآثار الصحية الضارة التي قد تتعرض لها الحيوانات البرية.

وقد شارك في الدراسة باحثون من جامعة ولاية كولورادو (Colorado State University) وجامعة جورجيا (University of Georgia)، بالتعاون مع معهد النشاط الإشعاعي البيئي التابع لجامعة فوكوشيما (Fukushina University’s Institute of Environmental Radioactivity).

يقول جيمس بيزلي -الأستاذ المشارك من مختبر بيئة نهر سافانا بجامعة جورجيا ومدرسة وارنيل للغابات والموارد الطبيعية- في البيان الصحفي الذي نشرته جامعة ولاية كولورادو إن "الحياة البرية وثيقة الصلة بالإنسان، لأن طبيعة الإنسان الفسيولوجية تشبه كثيرا طبيعة الحيوانات البرية، وقد وجدنا أن فسيولوجيا الخنزير البري أكثر تشابها مع الإنسان عن الفئران التي اعتدنا أن نجري التجارب النووية عليها".

عادة، يهتم الباحثون بتتبع العواقب الناجمة عن تعرض الإنسان لجرعات كبيرة من الإشعاع، وذلك لدقة البيانات المتاحة وقوتها. وعلى النقيض، فإن اهتمامهم لا ينصب على بيانات الأبحاث الأخرى التي تتناول عواقب التعرض لكميات ضئيلة للإشاع لأنهم يعتقدون أن بياناتها -على الأغلب- تفتقر إلى الدقة لأنه من العسير التوصل لتلك العواقب وتصنيفها بدقة.

ولكن في هذا البحث، درس الباحثون عواقب تعرض أفعى الجرذ (rat snake) والخنزير البري (wild boar) لكميات ضئيلة من الإشعاع في مدة زمنية طويلة، فبين عامي 2016 و2018، درس الباحثون المؤشرات الحيوية لتلف الحمض النووي الخاص بهما ولم يحصلوا على نتائج تشير إلى وجود عواقب صحية ضارة.

درس الباحثون عواقب تعرض أفعى الجرذ لكميات ضئيلة من الإشعاع بين عامي 2016 و2018 (يوريك ألرت)

هل باتت عودة السكان وشيكة؟

وتقول كيلي كننغهام الباحثة الرئيسية في الدراسة من جامعة كولورادو، فيما نشر على موقع "يوريك ألرت" (Eurek Alert) حول الدراسة، "لم يعد هناك داع للخوف من العودة إلى المناطق الآمنة في فوكوشيما بعد أن مر أكثر من 10 سنوات على الحادث".

وتكمن أهمية البحث في مساعدة السياسيين ومُقيّمي المخاطر والعلماء في اتخاذ قرارات مصيرية بالنسبة للشعوب بشأن إعادة استخدام المناطق الملوثة بالمواد المشعة أو مساعدة السكان في العودة إلى أراضيهم مرة أخرى.

تقول هيروكو إيشينيوا الأستاذة في جامعة فوكوشيما "لقد كان للسكان المحليين أسئلة عديدة، وهذا البحث يحتوي على إجابات لتساؤلاتهم حول الشائعات المتداولة عن الآثار الصحية المرتبطة بالنشاط الإشعاعي".

وتابعت هيروكو "عندما بدا لهم بصيص من الأمل في العودة إلى منازلهم، شاركنا السكان في بعض الأنشطة المتعلقة ببحثنا، أهمها اصطياد الخنازير البرية".

درس الباحثون المؤشرات الحيوية في أجساد الخنازير البرية في محيط فوكوشيما (بيكسلز)

تأثير الإشعاع بعد 10 سنوات

ويوضح الأستاذ المتقاعد بجامعة فوكوشيما والمشارك في الدراسة توماس هينتون أن مستوى الإشعاع هبط بشدة منذ الحادثة. فمنذ انطلاق الدراسة عام 2016، تلاشت نظائر معدن "السيزيوم 134" (cesium-134) المشعة بنسبة 90%، لأن نصف عمره الزمني قصير للغاية مقارنة بنظائر مشعة أخرى، وكان السيزيوم 134 أحد النظائر المنبعثة الرئيسية إلى الطبيعة من الحادث.

ولتوفير البيانات التي ستساعد في معالجة أوجه عدم اليقين في علاقات تأثير الجرعات المنخفضة من الإشعاع، درس الباحثون المؤشرات الحيوية في الجسم الحي لتلف الحمض النووي والإجهاد -على وجه التحديد الكروموسومات ثنائية المركز وطول التيلوميرات ومستويات الكورتيزول- في الخنازير البرية من منطقة فوكوشيما والمناطق المجاورة الأقل تلوثًا، كما فحصوا أيضًا طول التيلوميرات في ثعابين الجرذ، وكلاهما نوع شائع في منطقة فوكوشيما.

وتشرح سوزان بيالي الأستاذة بجامعة ولاية كولورادو قائلة إن "القسيم الطرفي أو التليمورات (telomeres) في الحمض النووي للخنزير البري وثعبان الجرذ يمكن أن تخبرنا ما إذا كانت الحيوانات عانت من الإجهاد أثناء الحادثة والتعرض للإشعاع، ولكننا لم نر أي شيء يدل على ذلك في أي منهما".

وقد وجد الباحثون أن مستوى هرمون "الكورتيزول" (cortisol) المسؤول عن الإجهاد منخفض في الخنازير البرية، مما يعني أن حياة الحيوانات تتحسن في الأماكن النائية عن البشر. وأضافت سوزان "مثلما حدث في منطقة مفاعل تشرنوبل، لاحظ العلماء تحسّن حياة الحيوانات هناك لأنها بمعزل عن البشر".

المصدر : مواقع إلكترونية + يوريك ألرت