هل تكتسي الأساليب العلمية لفحص الهياكل العظمية طابعا عنصريا؟
في حين يعتمد أسلوب تحديد النسب على تتبع أصل قارة المنشأ، يقوم مبدأ التقارب السكاني بمواءمة هيكل شخص ما مع الخصائص السكانية لمنطقة محددة.
في يوليو/ تموز من العام الماضي نشرت الدكتورة إليزابيث ديغانجي من جامعة بينغامتون Binghamton University والباحث جوناثان بيتارد من جامعة جنوب فلوريدا University of South Florida رسالة في دورية "جورنال أوف فورينسك ساينسز Journal of Forensic Sciences" تشكك في الطرق المعتمدة منذ فترة طويلة لتحديد الأعراق والأصول الجغرافية عبر فحص الهياكل العظمية.
وفي تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز New York Times" الأميركية، تقول الكاتبة صابرينا إيمبلر إن الباحثين اختارا إثارة هذه القضية في وقت حساس، تزامنا مع الاحتجاجات التي عمت الولايات المتحدة العام الماضي بعد مقتل المواطن الأميركي الأسود جورج فلويد George Floyd على يد الشرطة.
الطرق التقليدية في تحديد الهوية
وحسب الكاتبة، فإن الأعوام الأخيرة شهدت انتقادات متزايدة من علماء الأنثروبولوجيا الجنائية للطرق التقليدية في تحديد الهوية، ودعوات لاعتماد أساليب علمية أكثر دقة.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsكولومبوس أم الفايكنغ.. هل تعود رواية اكتشاف الإسكندنافيين لأميركا لأسباب أيديولجية ودينية؟
"اغتيال مارتن لوثر كينغ".. سلاح الموسيقى الذي حمله السود في وجه العنصريةسيتم فتح هذه المقالة في علامة تبويب جديدة
اتهامات بالتحيز والعنصرية.. هوليود تشتعل بعد إعلان جوائز إيمي
وكان تحديد العرق جزءا من أنثروبولوجيا الطب الشرعي منذ بداية هذا الاختصاص قبل قرن من الزمان، وكان العلماء الأوائل هم من الرجال البيض الذين درسوا الجماجم البشرية من منطلق عنصري، وفقا للكاتبة.
وكان أليش هردليتشكا Ales Hrdlicka، عالم الأنثروبولوجيا الفيزيقية الذي انضم إلى مؤسسة سميثسونيان Smithsonian Institution عام 1903، متخصصا في أبحاث تحسين النسل، وقد نهب بقايا بشرية وضمها إلى مجموعاته، وسعى إلى تصنيف البشر إلى أعراق مختلفة بناء على مظاهر وسمات معينة.
وبصفته خبيرا في الهياكل العظمية، ساعد الدكتور هردليتشكا أجهزة إنفاذ القانون في التعرف على الرفات البشرية، ووضع الأسس لما أصبح يُعرف بركائز العرق البيولوجي.
وفي تسعينيات القرن الماضي، عندما كشف عدد من العلماء زيف أسطورة "العرق البيولوجي"، ازداد انقسام علماء الأنثروبولوجيا بشكل حاد حول هذه القضية.
وأظهر أحد الاستطلاعات أن 50% من علماء الأنثروبولوجيا الفيزيقية قبلوا فكرة المفهوم البيولوجي للعرق، بينما رفض 42% ذلك.
في ذلك الوقت، كان بعض الباحثين يستخدمون مصطلحات مثل "العرق القوقازي" و"العرق المغولي" و"النيغريون" لوصف الهياكل العظمية، ولم يكن الحمض النووي -كأداة للطب الشرعي- متوفرا بعد.
تصنيفات مثيرة للجدل
في عام 1992، اقترح نورمان سوير Norman Sauer، عالم الأنثروبولوجيا بجامعة ولاية ميشيغان Michigan State University، إسقاط مصطلح "العرق" وتعويضه بكلمة "النسب". وأصبح المصطلح مستخدما عالميا، لكن بعض الباحثين يؤكدون أنه لم يتغير سوى القليل في طبيعة هذه الأساليب.
وعندما كانت شانا ويليامز Shanna Williams، عالمة أنثروبولوجيا الطب الشرعي في كلية الطب بجامعة ساوث كارولينا University of South Carolina في غرينفيل، في كلية الدراسات العليا منذ حوالي عقد من الزمان، كان من المعتاد تصنيف الهياكل العظمية في واحدة من المجموعات السكانية الثلاث، أفارقة وآسيويين وأوروبيين، لكن الدكتورة ويليامز شككت في ذلك الأسلوب الذي كان معتمدا على نطاق واسع لتحديد النسب.
وحسب الكاتبة، فقد كان العلماء يركزون على ملامح الوجه وعظام الجمجمة، والمعروفة باسم السمات المورفوسكوبية، والتي تختلف باختلاف المجموعات البشرية. وكانت إحدى السمات التي يعتمدون عليها هي منخفض صغير في مقدمة الرأس، وقد افترض علماء الأنثروبولوجيا الشرعية أنه إذا وجدت هذه الفجوة على الجمجمة، فإن ذلك يدل على أن الشخص أسود.
لكن علماء الأنثروبولوجيا الشرعيين لا يعرفون سوى القليل عن هذه الميزة، ويقول الدكتور بيتارد "لم يكن هناك أي فهم لسبب وجود هذه السمة، ومصدرها ومعناها".
وفي عام 2003، استخدم جو هيفنر Joe Hefner، عالم أنثروبولوجيا الطب الشرعي في جامعة ولاية ميشيغان، قوائم السمات من كتاب مدرسي لفحص أكثر من 700 جمجمة خلال إعداد أطروحة الماجستير.
وجد هيفنر أن المنخفض الصغير في مقدمة الرأس كان موجودا لدى 40% فقط من الأشخاص من أصل أفريقي، وهو في الواقع أكثر شيوعا لدى العديد من المجموعات السكانية الأخرى.
ومن بين 17 سمة مورفوسكوبية تُستخدم عادة لتقدير النسب، تمت دراسة 5 منها فقط لمعرفة ما إذا كانت وراثية، ويقول الدكتور بيتارد في هذا السياق "كان هناك استخدام وإعادة استخدام لهذه السمات دون فهم أساسي لحقيقتها".
مبدأ التقارب السكاني
وعلى مدى العامين الماضيين، طالبت آن روس Ann Ross، عالمة الأنثروبولوجيا الجنائية بجامعة ولاية كارولينا الشمالية North Carolina State University، مجلس معايير الأكاديمية الأميركية لعلوم الطب الشرعي The American Academy of Forensic Sciences باستبدال أسلوب تحديد النسب بإجراء جديد أطلقت عليه مبدأ "التقارب السكاني".
وفي حين يعتمد أسلوب تحديد النسب على تتبع أصل قارة المنشأ، يقوم مبدأ التقارب السكاني بمواءمة هيكل شخص ما مع الخصائص السكانية لمنطقة محددة.
وقد تناولت ورقة بحثية حديثة أعدتها الدكتورة روس، بالتعاون مع الدكتورة ويليامز، دولتي بنما وكولومبيا كحالتيْ اختبار.
وفي حين يُظهر أسلوب تحديد النسب أن سكان البلدين لديهم جماجم مماثلة، يثبت مبدأ التقارب السكاني أن تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي والاستعمار الإسباني أسفرا عن ظهور مجتمعات جديدة تعيش في بنما، مما أدى إلى تغيير التركيبة السكانية للبلاد.
ويؤكد علماء أنثروبولوجيا آخرون أنهم أصبحوا يعتمدون مبدأ التقارب السكاني. وقد عملت كيت سبرادلي Kate Spradley، عالمة أنثروبولوجيا الطب الشرعي في جامعة ولاية تكساس Texas State University، على دراسة بقايا مهاجرين مجهولي الهوية عثر عليها قرب الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، وتقول "عندما نشير إلى البيانات التي تستخدم مجموعات من السكان المحليين، فهذا يعني التقارب، وليس النسب".
مع ذلك، تعتقد الدكتورة ديغانجي أن التحول إلى مبدأ التقارب قد لا يعالج التحيز العنصري في تطبيق القانون، وتقول إنها لا تريد أن ينحسر الاختيار بين أسلوب تحديد النسب ومبدأ التقارب.
وتنتظر الدكتورة روس رأي مجلس معايير الأكاديمية الأميركية لعلوم الطب الشرعي حول التخلي عن أسلوب تحديد النسب وتعويضه بمبدأ التقارب السكاني، لكن ذلك لن يُنهي الجدل حول التحيز العرقي في مجال أبحاث الهياكل العظمية، وفقا للكاتبة.