الميكروبات قد تنتج طعاما ووقودا ودواء.. والرياضيات قد تساعد في جعلها أكثر نفعا
يستطيع العلماء تهيئة الظروف المناسبة للميكروبات، لتنفيذ عمليات بيولوجية معينة أو إنتاج غازات أو منتجات كيميائية مرغوبة بكميات وفيرة.
فطن البشر إلى قوة الميكروبات منذ قرون عديدة، واستطاعوا تسخيرها لأهداف شتى، بدءا من استخدامها في إنتاج الخبز والجعة واللبن عبر عملية التخمير، ووصولا إلى استخدامها في إنتاج الوقود الحيوي.
فهذه الكائنات الحية المجهرية تؤدي تفاعلات كيميائية في حياتها اليومية تنتج من خلالها منتجات مفيدة للبشر. ولكن في السنوات الأخيرة وجدت الميكروبات طريقها إلى صناعات مختلفة، لأنها تعزز الاستدامة وتساعد المنتجين والمستهلكين في الحد من آثار القطاع الصناعي على النظم البيئية.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsدراسة علمية: الميكروبات اللزجة تحافظ على صحة الشعاب المرجانية
ميكروبات تهضم 3 أنواع من البلاستيك في كرش الأبقار.. هل تحل أزمة البلاستيك؟
خفايا عقلك الثاني.. الأسرار العجيبة لميكروبات جهازك الهضمي
ويسلط مقال على موقع "ذا كونفرسيشن" (The Conversation) الضوء على تزايد اهتمام العلماء بتحفيز القدرات الإنتاجية لهذه الكائنات المجهرية.
التكنولوجيا الحيوية
وبالتوازي مع تزايد الاهتمام بحماية البيئة، تسابق الباحثون للاستفادة من التكنولوجيا الحيوية في مجال الصناعة. وتُستخدم الميكروبات في الوقت الراهن في إنتاج الكثير من المركبات الكيميائية النافعة، مثل الوقود الحيوي المصنوع من الكتلة الحيوية، أي النباتات أو فضلات الحيوانات.
وأكثر أنواع الوقود الحيوي شيوعا هو الإيثانول الذي تنتجه الميكروبات، مثل الخميرة، من خلال عملية تخمير السكر المستخلص من نباتات، مثل قصب السكر والبنجر والذرة. وتستخدم الميكروبات أيضا في إنتاج بعض العقاقير، مثل المضادات الحيوية.
واكتُشفت طرق لإعادة تدوير مياه الصرف الصحي باستخدام الكائنات المجهرية، مثل طريقة الحمأة المنشطة، وهي إحدى طرق المعالجة البيولوجية لمياه الصرف الصحي. وتتضمن هذه الطريقة حقن الهواء في الحمأة عن طريق التقليب لحث الميكروبات الهوائية على النمو والتكاثر، واستبعاد الأنواع الأخرى من البكتيريا.
ثم تلتهم البكتيريا الهوائية المادة العضوية المذابة وتحول الأمونيا بوجود الأكسجين إلى نترات ونتريت. ثم تُفصل المياه النقية عن الحمأة وتُعالج الحمأة المنشطة المترسبة في القاع لإنتاج الغاز الحيوي، أو تُجفف لتصبح سمادا للأراضي الزراعية.
البيولوجيا التخليقية
وبفضل التطورات في مجال البيولوجيا التخليقية، أجرى العلماء على مدى العقدين الماضيين، أبحاثا عن إمكانية إدخال تعديلات جديدة على الأنظمة البيولوجية الموجودة في الطبيعة، مثل تعديل البكتيريا وراثيا لتقوم بدور مستشعرات حيوية، تضيء في حالة وجود مركبات معينة، مثل الزيوت أو مسببات الأمراض.
فقد عدل باحثون -في دراسة نشرت في دروية "أنيوال ريفيوز" (Annual reviews)- بكتيريا وراثيا لتصبح قادرة على استشعار المؤشرات الحيوية للأمراض بدقة.
ولم يتوقف الباحثون عند هذا الحد، بل عدلوا أيضا أنواعا من البكتيريا وراثيا لتتعاون مع أخرى أو للتخلص من المنتجات الثانوية الضارة التي تفرزها أثناء تأدية مهماتها في عمليات الإنتاج المعتمدة على التكنولوجيا الحيوية.
إذ أدخل باحثون بكتيريا معدلة وراثيا أو منتقاة من الطبيعة إلى تجمعات ميكروبية للتفاعل مع أنواع أخرى من البكتيريا، بحيث تؤدي هذه التجمعات مهام مختلفة تستعصي على التجمعات المكونة من نوع واحد من الميكروبات.
وقد أشار الباحثون في الدراسة إلى أن الأسيتات (وهي مادة سامة) التي تفرزها أنواع من البكتيريا عند إنتاج البروتينات، يمكن التخلص منها من خلال إدخال أنواع أخرى من البكتيريا معدلة وراثيا لتلتهم الأسيتات.
التحكم في الميكروبات رياضيا
لم تجذب هذه الجهود أنظار علماء البيولوجيا فحسب، بل أيضا أنظار علماء الحاسوب والرياضيات. فإن التقنيات المتطورة والذكاء الاصطناعي يساعدان العلماء في فهم سلوكيات الكائنات المجهرية في الأنظمة البيولوجية والتنبؤ بها استجابة للمؤثرات الخارجية.
وبحسب هذه المعلومات، يستطيع العلماء تهيئة الظروف المناسبة للميكروبات لتنفيذ عمليات بيولوجية معينة، أو إنتاج غازات أو منتجات كيميائية مرغوبة بكميات وفيرة.
فمن المعروف أن البكتيريا -على سبيل المثال- تحب الغلوكوز، وكلما زاد الغلوكوز في بيئاتها، تحسّن نموها. وبناء على ذلك، قد يطور العلماء خوارزميات للتحكم في كميات الغلوكوز المطلوبة لتعديل سلوكيات هذه البكتيريا لتحقيق الأهداف المطلوبة.
واستعرضت دراسة نشرت العام الماضي آفاق استخدام علم البصريات الوراثي في مجال الإنتاج الحيوي، إذ يُستخدم الضوء لتحفيز الكائنات المجهرية التي عُدلت وراثيا لتستجيب للضوء.
لكن هذه الأنظمة البيولوجية لا يسهل التحكم فيها، ولا سيما في حالة وجود أنواع مختلفة من الميكروبات، فقد يؤدي التنافس على الغذاء إلى موت بعض الأنواع من الميكروبات في النظام البيولوجي.
ولهذا ينبغي أن تضع الخوارزميات المطورة لتنظيم التعايش بين أنواع الميكروبات في الاعتبار، اتخاذ القرارات التي تضمن بقاء جميع الأنواع على قيد الحياة.