علماء سويسريون ينجحون في ابتكار أسلوب ثوري لإعادة تدوير البلاستيك

لا بد من التفكير جديا في تقنيات إعادة التدوير لخلق مواد جديدة تتوافق من متطلبات الاستدامة وهو ما تفعله الطبيعة كل يوم بالفعل.

الباحثون استوحوا هذا النهج من الطبيعة في محاكاة لـ"إعادة تدوير" مكونات البوليمرات العضوية (بيكسابي)

قدمت دراسة حديثة -صادرة عن "المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا" (EPFL) في لوزان بتاريخ 23 سبتمبر/أيلول الماضي- نهجا غير مسبوق لإعادة تدوير البلاستيك، وقد استوحى الباحثون هذا النهج من الطبيعة في محاكاة لـ"إعادة تدوير" مكونات البوليمرات العضوية الموجودة في بيئتنا. وقد نشرت الدراسة بدورية "أدفانسد ماتريالز" (Advanced Materials).

خيط من اللؤلؤ

تعتبر البروتينات واحدة من المركبات العضوية الرئيسية التي تعمل بمثابة لبنات بناء أساسية لكل شيء بيولوجي. وتتكون من سلاسل طويلة من الجزيئات تعرف بالأحماض الأمينية. وتتحلل البروتينات الموجودة داخل البوليمرات العضوية باستمرار إلى أجزاء ثم يتم تجميعها من جديد في بروتينات مختلفة، دون أن تفقد جودة اللبنات الأساسية.

وهكذا يعتقد الباحثون أن الطريقة التي يمكن بها تفكيك هذه الجزيئات وإعادة تشكيلها في الطبيعة تشير إلى إستراتيجية محتملة لإعادة تدوير البوليمرات الاصطناعية.

الباحثون توصلوا إلى نهج ثوري لإعادة تدوير البلاستيك مبني على تسخير البروتينات (الصحافة الأجنبية)

وقد نشر الموقع الرسمي للمعهد الفدرالي السويسري بيانا صحفيا أوضح فيه عالِم المواد سيمون جيافيري عملية إعادة التدوير المستهدفة بطريقة مبسطة بقوله "يشبه البروتين خيطا من اللؤلؤ، وتمثل كل لؤلؤة فيه حمضا أمينيا وهكذا تمتلك كل لؤلؤة لونا مختلفا، ليحدد تسلسل الألوان بدوره بنية السلسلة وبالتالي خصائصها".

وأضاف "تتفكك سلاسل البروتين في الطبيعة إلى الأحماض الأمينية المكونة لها، ثم تجمع الخلايا هذه الأحماض الأمينية معا لتشكيل بروتينات جديدة. وهكذا يتم صناعة خيوط جديدة من اللؤلؤ بتسلسل لوني مختلف".

وقد أطلق الباحثون على النهج المبتكر "إعادة التدوير في إطار الاقتصاد الدائري المستوحى من الطبيعة" (nature-inspired circular-economy recycling) واختصاره "إن إيه سي آر إي" (NaCRe).

وفي إطار هذا النهج تمكن الباحثون من تقسيم عينات من البروتين في المختبر إلى أحماض أمينية، ثم تجميعها في بروتينات جديدة ذات هياكل واستخدامات مختلفة.

وتمكنوا أيضا من تحويل البروتينات من الحرير إلى "بروتين فلوري أخضر" (green fluorescent protein) وهو منتج يستخدم في الأبحاث الطبية الحيوية. ولاحظ الفريق أن جودة البروتينات لا تتأثر بعملية التفكيك وإعادة البناء تلك حيث تبقى ثابتة لا تتغير.

البوليمرات الصناعية يمكن تجزئتها إلى لبنات أصغر وإعادة تجميعها من جديد (بيكسلز)

تحديات البوليمرات الاصطناعية

ويعتقد الباحثون أن بإمكانهم محاكاة ما يحدث في البروتينات الطبيعية على البلاستيك بحيث يمكن تجزئة البوليمرات الصناعية إلى لبنات أصغر وإعادة تجميعها من جديد، ثم تنتج عن ذلك مواد يمكن استخدامها لأطول وقت ممكن، إلا أنهم على يقين بأن تطوير التكنولوجيا اللازمة لتحقيق هذا الهدف لا بد أن يستغرق زمنا طويلا نسبيا.

ويرى عالم المواد فرانشيسكو ستيلاتشي -من المعهد السويسري- أن تحقيق أمر كهذا "سيتطلب عقلية مختلفة جذريا" وأضاف "نعلم أن البوليمرات الطبيعية ترتصف في خيوط من اللؤلؤ بألوان مختلفة، ولكن البوليمرات الاصطناعية مصنوعة في الغالب من لآلئ كلها من نفس اللون، وحتى عندما يختلف اللون -وهو أمر نادر- فإنه لن يكون لتسلسل الألوان أهمية تذكر عندئذ. إضافة إلى أنه ليس لدينا طريقة فعالة لتجميع البوليمرات الاصطناعية من لآلئ مختلفة الألوان بطريقة تتحكم في تسلسلها".

ويتوقع الباحثون أن يكون للتقنية المبتكرة دور في التخفيف من النفايات التي لا بد من تخزينها أو دفنها بعد الانتهاء من عملية إعادة تدوير المواد البلاستيكية القابلة للتحلل.

الفرد الواحد يرمي بحد متوسط ما يقارب من ألفي كيلوغرام من البلاستيك على مدى 70 عاما من العمر (بيكسلز)

ويقدر الفريق بأن الفرد الواحد يرمي بحد متوسط ما يقارب من ألفي كيلوغرام من البلاستيك على مدى 70 عاما من العمر، وبالنظر إلى ما يقرب من 8 مليارات شخص على الكوكب في الوقت الحالي، فإن المجموع التراكمي لناتج الفرد الواحد يمثل مشهدا كارثيا من النفايات.

ووفقا للتقرير المنشور على موقع "ساينس ألرت" (Science Alret) يرى فرانشيسكو ستيلاتشي أنه "لا بد من التفكير جديا في تقنيات إعادة التدوير لخلق مواد جديدة تتوافق من متطلبات الاستدامة وهو ما تفعله الطبيعة كل يوم بالفعل".

المصدر : ساينس ألرت + مواقع إلكترونية

إعلان