فُقِد ووجدوه.. العلماء يعيدون اكتشاف أصغر نجم نيوتروني حتى الآن

أصغر نجم نيوتروني معروف حتى الآن كان يتلألأ داخل سحابة كثيفة من الغبار وسط بقايا مستعر أعظم (مرصد ألما)

في فبراير/شباط 1987 أضاءت السماء، حيث شاهد الفلكيون نجما ضخما مات في مستعر أعظم مذهل في مجرة "سحابة ماجلان الكبرى"، على بعد نحو 168 سنة ضوئية، ولكن عندما هدأت الأضواء، اختفى ما رأوه أمام ناظريهم، ولم تكن هناك علامة على وجود النجم النيوتروني.

الآن وبعد 33 عاما على الحدث، اكتشف الفلكيون أخيرا لمحة من ذلك النجم الميت، متلألئة في سحابة كثيفة من الغبار في وسط بقايا السوبرنوفا، إنه الحطام المتوهج لأحشائه النجمية.

وقد نشرت نتائج هذا الاكتشاف في دورية "ذا أستروفيزيكال جورنال" (The Astrophysical Journal) يوم 30 يوليو/تموز الماضي، وتناولها تقرير موقع ساينس ألرت (Science Alert).

ميلاد مستعر أعظم

هناك أنواع عدة من المستعرات الأعظمية اعتمادا على نوع موت النجوم. تبدأ تلك التي تنتج نجما نيوترونيا -وهي المستعرات الأعظمية من النوع الثاني- بنجم يتراوح وزنه بين 8 أضعاف و30 ضعف كتلة الشمس، والتي تصبح غير مستقرة على نحو متزايد مع نفاد العناصر لدعم الاندماج النووي.

وأخيرا، تنفجر وتخرج مادتها الخارجية وتطلق الضوء والنيوترينوات عبر الفضاء، في وقت ينهار فيه القلب إلى نجم نيوتروني.

في حالة المستعر الأعظم المكتشف عام 1987، حدث كل شيء كما هو متوقع. نجم كبير عملاق أزرق قديم يدعى "Sanduleak -69 202″، كتلته حوالي 20 ضعف كتلة الشمس، انفجر بعنف في عرض ضوئي مذهل شديد السطوع كان مرئيا للعين المجردة.

إعلان

ترك الحدث وراءه بقايا مستعر أعظم متوهجة تسمى باسم "SN 1987A". ولكن في المركز، لم يتمكن الفلكيون من العثور على أي أثر للنجم النيوتروني حديث الولادة المتوقعة.

خلّف انفجار العملاق الأزرق Sanduleak -69 202 وراءه بقايا مستعر أعظم متوهجة باسم SN 1987A (المرصد الأوروبي الجنوبي)

ثم فجأة، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2019، أعلن فريق الباحثين بقيادة فيل سيجان من جامعة كارديف (Cardiff University) بالمملكة المتحدة، أنهم عثروا أخيرا على بقعة ساخنة ومشرقة في قلب البقايا باستخدام مرصد ألما (ALMA) في تشيلي. وقالوا إن ذلك يتوافق مع نجم نيوتروني تحيط به سحابة كثيفة من الغبار.

يوضح عالم الفيزياء الفلكية ميكاكو ماتسورا من جامعة كارديف "لقد فوجئنا برؤية هذه النقطة الدافئة المصنوعة من سحابة كثيفة من الغبار في بقايا المستعر الأعظم، واعتقدنا أنه يجب أن يكون هناك شيء ما في السحابة يسخن الغبار ويجعله يلمع، ورجحنا أن النجم النيوتروني مختبئ هناك داخل سحابة الغبار".

نيوتروني.. لكنه صغير

ولكن كانت هناك مشكلة، فأيا ما كان ذلك المتوهج داخل سحابة الغبار، فهو يبدو ساطعا جدا بحيث لا يمكن أن يكون نجما نيوترونيا معتادا.

وهنا يأتي دور فريق بقيادة عالم الفيزياء الفلكية داني بيج من الجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك (National Autonomous University of Mexico). كان بيج طالب دكتوراه عندما انفجر "Sanduleak -69 202" وهو يدرس "SN 1987A" منذ ذلك الحين.

ففي ورقة جديدة، أثبت بيج وفريقه نظريا أن النقطة اللامعة يمكن أن تكون بالفعل نجما نيوترونيا، يتوافق سطوعها مع الانبعاث الحراري من نجم نيوتروني صغير جدا، وبعبارة أخرى، لا يزال الجو داخل السحابة حارا حقا منذ انفجار المستعر الأعظم.

النقطة اللامعة المكتشفة يتوافق سطوعها مع الانبعاث الحراري من نجم نيوتروني صغير جدا (مرصد ألما)

قال بيج "على الرغم من التعقيد الشديد لانفجار المستعر الأعظم والظروف القاسية التي تسود داخل النجم النيوتروني، فإن الكشف عن بقعة دافئة من الغبار هو تأكيد لعدة تنبؤات".

إعلان

الحرارة، حوالي 5 ملايين درجة مئوية، هي واحدة من تلك التنبؤات. التنبؤ الآخر هو موقع النجم، إنه ليس بالضبط في مركز السوبرنوفا، لكنه يسير بعيدا عنه بسرعة تصل 700 كيلومتر في الثانية.

هذا ليس غير معتاد على الإطلاق، إذا كان انفجار المستعر الأعظم غير متساو، فيمكنه تمهيد القلب النجمي المنهار عبر المجرة بسرعات جنونية تماما.

استبعاد أن يكون شيئا آخر

قارن الفريق أيضا الملاحظات بسيناريوهات محتملة أخرى، مثل التحلل الإشعاعي للنظائر المشعة. كما فحص مدى ملاءمة المكتشف مع خصائص النجم النابض -وهو نوع نابض من النجوم النيوترونية سريعة الدوران- أو مع خصائص الثقب الأسود.

ولم يجد أن أيا من هذه التفسيرات يتلاءم مع البيانات التي تم جمعها تماما مع استبعاد أن يكون مجرد نجم نيوتروني عادي.

سوف ينتظر العلماء عقودا حتى ينقشع الغبار وتتضح رؤية النجم النيوتروني SN 1987A (مرصد ألما)

ووفقا لتحليل الفريق، سيكون عرض النجم "NS 1987A" حوالي 25 كيلومترا، وكتلته حوالي 1.38 مرة كتلة الشمس، وكلها بيانات طبيعية جدا لنجم نيوتروني. لكنه أيضا أصغر نجم نيوتروني معروف حتى الآن على الإطلاق.

ونظرا لأن النجم النيوتروني المفترض لا يزال محاطا بالغبار، فإن الملاحظة المباشرة التي تؤكد هذه النتيجة مستحيلة في الوقت الحالي. لذا فسوف يراقبه العلماء لعقود قادمة لرؤية ما ينبثق من خلف الغبار.

المصدر : الصحافة الأسترالية

إعلان