موجات الحر العالمية تتسارع وتيرتها بسبب الاحتباس الحراري
في ظل موجة الارتفاع الحراري العالمي التي نعيشها اليوم، قدّم باحثون من مركز دراسات تغير المناخ في جامعة "يو إن إس دبليو سيدني" (UNSW Sydney) في أستراليا، مقياسا جديدا لتقييم الحرارة التراكمية، يقدّم تقييما دقيقا لمقدار الحرارة الزائدة التي يمكن أن تختزن في الموجات الحرارية الفردية والموسمية.
وقد قام الباحثون بإجراء أول تقييم عالمي لموجات الحر على المستوى الإقليمي، ليتبين لهم أن وتيرة ومدة موجات الحر العالمية ازدادت بشكل ملحوظ في كافة أنحاء العالم. وذلك بدءا من خمسينيات القرن العشرين.
وقد نشرت ورقتهم البحثية في دورية نيتشر كوميونيكيشنز (Nature Communications) بتاريخ 3 يوليو/تموز الجاري.
مؤشر الحرارة التراكمية العالمي
يمكن تبسيط مفهوم الحرارة التراكمية وفق المثال التالي: لنفترض أن حدَّ الموجة الحرارية في موقع ما يبلغ حوالي 30 درجة مئوية.
وبالتالي عندما تزداد درجة الحرارة في ذلك المكان لتصل إلى 35 درجة مئوية، فإن الزيادة المرصودة في ذلك اليوم تقدر بـ5 درجات مئوية.
وإذا استمرت موجة الحر لمدة 3 أيام، ووصلت درجة الحرارة في جميع تلك الأيام إلى 35 درجة مئوية، فإن الحرارة التراكمية لهذا الحدث ستكون 15 درجة مئوية.
لطالما كان مصطلح "موجة الحر" مألوفا لدى الأستراليين، حيث إنه يشير إلى ظروف شديدة الحرارة تستمر لمدة لا تقل عن 3 أيام متتالية.
وفي عام 2020 وبالتزامن مع أسوأ موجة حر تعيشها أستراليا، تم رصد ما يقدر بـ80 درجة مئوية إضافية من الحرارة التراكمية في جميع أنحاء البلاد، بينما تجاوزت القيمة المضافة في مؤشر الحرارة التراكمية 200 درجة مئوية في كل من روسيا ودول البحر الأبيض المتوسط.
وقد لاحظ العلماء أن معدلات الحرارة التراكمية تظهر تسارعا مشابها، حيث تزداد عالميا بمعدل درجة واحدة مئوية إلى 4.5 درجات مئوية كل عقد، وتصل هذه الزيادة إلى 10 درجات مئوية للعقد في بعض الأماكن مثل الشرق الأوسط وأجزاء من أفريقيا وأميركا الجنوبية.
ارتفاع وتيرة موجات الحر
ووجد الباحثون أن كثافة الموجة الحرارية هي المقياس الوحيد الذي لم يظهر تسارعا يذكر، حيث تعبّر الكثافة الحرارية عن متوسط درجة الحرارة في الموجات الحرارية، وبرر الفريق ذلك بأننا نشهد تزايدا في عدد أيام موجات الحر على المستوى العالمي.
وبالتالي عندما يتم قياس متوسط درجة الحرارة عبر موجات حرارية أطول، لن يكون من الممكن اكتشاف أي تغيرات في الكثافة تقريبا. وخلص الباحثون إلى أن جنوب أستراليا ومناطق محدودة من أفريقيا وأميركا الجنوبية، تظهر زيادة ملحوظة في متوسط كثافة موجة الحر.
أما على المستوى الإقليمي، فقد وجد الباحثون أن مناطق مثل الأمازون وشمال شرق البرازيل وغرب آسيا والبحر الأبيض المتوسط، شهدت تغيرات سريعة في موجات الحر في الفترة الممتدة ما بين 1950-2017، بينما لا تزال وتيرة موجات الحر في مناطق مثل جنوب أستراليا وشمال آسيا ذات معدل أبطأ.
فعلى سبيل المثال، شهد البحر الأبيض المتوسط ارتفاعا كبيرا في موجات الحر عند قياسه على مدى عدة عقود ما بين 1950-2017، حيث بلغت هذه الزيادة يومين في العقد، إلا أنها تسارعت لتصل إلى 6.4 أيام في العقد في الفترة ما بين عام 1980 إلى 2017.
ما زالت هناك فرصة
وبغض النظر عما إذا كانت هذه التغيرات سريعة أو بطيئة، يبدو أنه لا مفر من أن تتعرض الدول ذات البنى التحتية الضعيفة لضربة قاسية من موجات الحر الشديدة.
وقد توقع علماء المناخ ذلك منذ فترة طويلة كنتيجة واضحة لظاهرة الاحتباس الحراري، تترافق مع تسارع وتيرة موجات الحر.
وبهذا يعتبر هذا البحث دعوة وضاحة صريحة لصانعي السياسات، لضرورة القيام بتدخل عاجل بغية منع تطور أسوأ لنتائج الاحترار العالمي.
ولا يزال بإمكاننا تخفيف هذه الوتيرة المتسارعة من موجات الحر إذا عملنا بشكل جماعي وفعال وسريع للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.