الغلاف الجوي له موجات كالبحر ذات رنين كالأجراس
مثلما يسحب القمر مياه البحار في كوكبنا، مما يساهم في حدوث موجات المد والجزر المحيطية فإنه (مع الشمس) يسحب أيضا غلافنا الجوي، وهو ما يخلق موجات في السماء.
وتُظهر دراسة جديدة نشرت في "جورنال أوف أتموسفيريك ساينسز Journal of Atmospheric Sciences" في 30 يونيو/حزيران الماضي أن بعض أنواع "موجات السماء" تلك يتردد صداها حول الأرض، تماما مثل صدى الموجات الصوتية للأجراس.
موجات الماء وموجات الهواء
في الماء يتم عادة إنتاج الموجات عن طريق تمرير الطاقة، فالطاقة التي تتحرك في سمائنا -من أشياء مثل الضغط الناتج عن الحرارة إلى شد الجاذبية للأجرام السماوية- تخلق أيضا موجات في الغلاف الجوي.
لكن موجات الغلاف الجوي هذه لا تتدفق بنفس طريقة أمواج المحيط، ولكن لا يزال من الممكن التعرف عليها إذا كان المرء يدرك ما عليه البحث عنه: تحريك جيوب من الهواء المعبأ بإحكام بطول آلاف الكيلومترات.
وكانت الدراسات السابقة للظاهرة قد ركزت على مساحات محلية ومقاييس زمنية محدودة، مما سمح لها باكتشاف موجات السماء التي يتراوح عرضها بين 1000 و10 آلاف كيلومتر، مع تردد موجي لعدة ساعات، لكن البيانات المتاحة مؤخرا فتحت الآن لرؤية عالمية أوسع بكثير.
البيانات العالمية
وتوفر مجموعة بيانات "إي آر إيه5" (ERA5) الصادرة عن المركز الأوروبي للتنبؤات الجوية متوسطة المدى (إي سي إم دبليو إف) (ECMWF) تقديرات لكل ساعة للعديد من متغيرات مناخ الغلاف الجوي والأرض والمحيط في غضون 5 أيام من الوقت الفعلي.
كما أنها تحتوي أيضا على كميات من الملاحظات التاريخية المعاد تحليلها لهذه القياسات، وترجع مجموعة البيانات تلك إلى عام 1979.
وسمح هذا لتاكاتوشي ساكازاكي من جامعة كيوتو (Kyoto University) وعالم الغلاف الجوي كيفين هاميلتون من جامعة هاواي (University of Hawaii) باستكشاف بيانات الضغط الجوي على مدار 38 عاما.
وقد شملت تلك البيانات موجات السماء بترددات تتراوح بين ساعتين ويومين، وأطوال موجة أكبر من 5 آلاف كيلومتر.
وعلى هذا المقياس، استطاع الباحثون ملاحظة موجات الغلاف الجوي القمري والشمسي المكتشفة سابقا جنبا إلى جنب مع "أنساق رنين جياشة على المستوى العالمي" سبق أن تنبأ بها لأول مرة في القرن الـ19 الفيزيائي الفرنسي الشهير بيير سيمون لابلاس.
أنساق الرنين
فإذا كانت الموجات تنتقل عبر الهواء بالارتفاع والسرعة المناسبين فقد تتناغم مع الغلاف الجوي، مما يخلق صدى، وهذا يسمح لها بتشكيل نمط مستقر بما يكفي للاهتزاز عبر الغلاف الجوي العالمي بأكمله، مثل الموجات الصوتية التي ترن كالجرس.
وبالفعل، وجد الباحثون مجموعات من موجات السماء الرنانة أنساق الرنين (resonant modes) امتدت في جميع أنحاء العالم، وساهمت في بناء طبقات نغمية للغلاف الجوي شبيهة برنين الجرس، ويتضمن هذا أنساق رنين متعددة تدور حول المناطق الاستوائية.
وقال هاميلتون "إن تحديدنا للعديد من الأنساق في البيانات الحقيقية يظهر أن الغلاف الجوي له بالفعل رنين مثل رنين الجرس".
كما اكتشف الفريق أيضا اختلافا بسيطا بين الترددات المرصودة والمتوقعة لهذه الموجات الرنانة، والتي خلصوا إلى أنها ناتجة عن تقارب الموجات من بعضها البعض في اتجاه سفرها، وبالتالي تزداد وتيرتها.
ويقول ساكازاكي إنه "بالنسبة إلى أنماط الموجات سريعة الحركة هذه فإن تردداتنا وأنماطنا العالمية تتطابق مع تلك المتوقعة نظريا بشكل جيد للغاية".
ويضيف أنه "من المثير رؤية أفكار لابلاس وفيزيائيين رائدين آخرين تم التحقق من صحتها تماما بعد قرنين من الزمان".
وإن تأكيد هذه النظريات حول دوران الغلاف الجوي والضبط الدقيق اللاحق سيسمح للعلماء بوضع نماذج أكثر قوة للتنبؤ بالمناخ والطقس.