دراسة جديدة: دور أساسي لوشاح الأرض والغاز البركاني في نشأة الحياة

منذ حوالي 2.4 مليار سنة تراكم الأكسجين لأول مرة في الغلاف الجوي للأرض، خلال ما يعرف بحدث الأكسدة العظيم (Great Oxidation Event).
كان اللغز القديم هو أن الأدلة الجيولوجية أشارت إلى أن البكتيريا المبكرة كانت تقوم بعملية التمثيل الضوئي وضخ الأكسجين لمئات الملايين من السنين قبل ذلك الوقت، ولكن أين ذهب كل هذا الأكسجين، وهل كان هناك شيء ما يعيق ارتفاع الأكسجين؟
فتشْ عن الوشاح
وجدت دراسة جديدة للصخور التي يبلغ عمرها مليارات السنين أن الغازات البركانية كانت هي المذنب المحتمل. ونُشرت الدراسة التي قادتها جامعة واشنطن، في يونيو/حزيران الجاري في دورية "نيتشر كوميونيكيشنز".
يقول المؤلف الرئيسي شينتارو كادويا، باحث ما بعد الدكتوراه في علوم الأرض والفضاء "البيانات توضح أن تطور وشاح الأرض (طبقة تقع أسفل القشرة الأرضية) كان يسيطر على تطور الغلاف الجوي للأرض، وربما تطور الحياة".
وإذا كانت الحياة متعددة الخلايا تحتاج إلى إمدادات مركزة من الأكسجين، فإن تراكم الأكسجين هو مفتاح تطور تنفس الأكسجين على الأرض.
يقول كادويا "إذا كانت التغيرات في وشاح الأرض قد تحكمت في تغيرات الأكسجين الجوي، كما تشير هذه الدراسة، فإن الوشاح كان يحدد في نهاية المطاف وتيرة تطور الحياة".
ويبني العمل الجديد على ورقة نشرت عام 2019 شارك فيها باحثون من عدة جامعات، ووجدت أن وشاح الأرض المبكر كان أقل أكسدة بكثير، أو احتوى على مزيد من المواد التي يمكن أن تتفاعل مع الأكسجين، أكثر مما يفعل الوشاح الحديث.
وفي هذه الدراسة الجديدة التي شارك فيها فريق البحث السابق ذاته، تم جمع عينات هذه الدراسة من الصخور البركانية القديمة، التي يصل عمرها إلى 3.55 مليارات سنة، من مواقع شملت جنوب أفريقيا وكندا.

الدهر الجيولوجي السحيق
في الدهر الجيولوجي السحيق كانت الحياة الميكروبية فقط هي المنتشرة على الأرض، وكان ذلك الدهر أكثر نشاطا بركانيا من اليوم.
والدهر السحيق (Archean Eon)، هو ثاني الدهور الجيولوجية لما قبل الكامبري، امتد من 4000 إلى 2500 مليون سنة مضت، أي لمدة 1500 مليون سنة تقريبا، حيث كانت تتم تغذية الانفجارات البركانية بالصهارة -وهي مزيج من الصخور المنصهرة وشبه المنصهرة- بالإضافة إلى الغازات التي تهرب حتى عندما لا يثور البركان.
وتتفاعل بعض هذه الغازات مع الأكسجين أو تتأكسد، لتكوين مركبات أخرى. ويحدث هذا لأن الأكسجين يميل إلى أن يكون جاذبا أو ملتهما للإلكترونات، لذلك فإن أي ذرة تحتوي على إلكترون واحد أو إلكترونين تتفاعل معه.
على سبيل المثال، كان الهيدروجين الذي يطلقه البركان يتحد مع أي أكسجين حر، مما كان يزيل الأكسجين من الغلاف الجوي.
وكان التركيب الكيميائي لوشاح الأرض أو الطبقة الأكثر ليونة من الصخور أسفل قشرة الأرض تتحكم في نهاية المطاف في أنواع الصخور المنصهرة والغازات القادمة من البراكين.

عندما تغلب الأكسجين أخيرا
من ثم كان الوشاح المبكر الأقل أكسدة ينتج مزيدا من الغازات مثل الهيدروجين الذي يتحد مع الأكسجين الحر. لكن ورقة 2019 تظهر أن الوشاح أصبح أكثر أكسدة بشكل تدريجي من 3.5 مليارات سنة إلى اليوم.
أما الدراسة الجديدة فتجمع تلك البيانات مع أدلة من الصخور الرسوبية القديمة لإظهار نقطة تحول حدثت في وقت ما، عندما تغلب الأكسجين الناجم عن الميكروبات بسبب الغازات البركانية وبدأ يتراكم في الغلاف الجوي.
وقال ديفد كاتلينج، الأستاذ المشارك في علوم الأرض والفضاء بجامعة واشنطن "بشكل أساسي، كان توريد الغازات البركانية القابلة للأكسدة قادرا على التهام الأكسجين الضوئي لمئات الملايين من السنين بعد تطور عملية التمثيل الضوئي".
"ولكن عندما أصبح الوشاح نفسه أكثر أكسدة، تم إطلاق عدد أقل من الغازات البركانية القابلة للأكسدة. ثم غمر الأكسجين الهواء عندما لم يعد هناك ما يكفي من الغاز البركاني لمسح كل شيء".
وكما يقول كادويا "تشير الدراسة إلى أننا لا يمكننا استبعاد وشاح كوكب ما عند النظر في تطور سطح وحياة هذا الكوكب".