للمرة الأولى.. اكتشاف موصلات كهربائية فائقة في النيازك
فكرت المهدي
في سبق بحثي نشر بتاريخ 23 مارس/آذار الجاري في دورية "بي ناس" (PNAS)، اكتشف علماء من قسم الفيزياء ومركز علوم النانو المتقدمة في جامعة كاليفورنيا سان دييغو بالتعاون مع قسم فيزياء المواد وعلوم المواد المكثفة من مختبر بروكهافن الوطني في نيويورك، حبيبات طبيعية فائقة التوصيل موجودة في اثنين من النيازك المميزة التي سقطت على الأرض.
ويشير هذا الاكتشاف إلى كون النيازك أكثر من مجرد حطام فضائي، حيث إنها تحمل أنواعا من المعادن الفريدة والمواد الأقدم في نظام المجموعة الشمسية، لم نواجهها من قبل.
الموصلية الفائقة
تعرف الموصلية الفائقة بأنها مجموعة من الخواص الفيزيائية التي تضمن التوصيل الكهربائي "المثالي" في المادة، مما يعني انعدام المقاومة الكهربائية داخلها.
وتعتبر هذه الظاهرة نادرة جدا ضمن المواد الطبيعية الخام، كما أنها شديدة الندرة على كوكب الأرض.
ولطالما اعتقد الباحثون أن البيئات القاسية في الفضاء تخلق أطوارا مادية غريبة مختلفة عما نرصده على كوكب الأرض، ويعزى ذلك إلى الأحداث الفلكية التي يمكن أن تطلق درجات حرارة عالية بشكل لا يصدق، إضافة إلى المستويات العالية جدا من الضغط.
ولهذا اتجه التفكير إلى ترشيح النيازك كإحدى الكتل الحاضنة لحبيبات ذات خاصية توصيل فائقة، إلا أن الأبحاث السابقة لم تتمكن من تحديد ماهية هذه الحبيبات على وجه الدقة.
وفي إطار تقنية تسمى التحليل المغناطيسي الطيفي المعدل بالأمواج الميكروية، درس العلماء شظايا من 15 نيزكا مختلفا، وذلك بغية الكشف عن آثار الموصلية الفائقة داخل العينات.
وبالاعتماد على طرق قياس المغناطيسية بالاهتزاز (VSM) وطرائق التحليل الطيفي للأشعة السينية المشتتة للطاقة (EDX)، تمكن فريق الباحثين من العثور على كميات دقيقة من حبيبات فضائية فائقة التوصيل، إحداها في نيزك من الحديد في أستراليا ويسمى "موندرابيلا".
ويعتبر "موندرابيلا" من أكبر النيازك التي تم اكتشافها على الإطلاق، وقد ضرب الأرض عام 1911، أما الحبيبات الأخرى فقد تم اكتشافها في نيزك (GRA 95205) الذي ضرب القارة القطبية الجنوبية قبل ربع قرن.
وقد حددت هذه القياسات ماهية تلك الحبيبات على أنها سبائك الرصاص والإنديوم والقصدير.
الكوفلين موصل فائق خام
تجدر الإشارة إلى أنه لا يوجد أي تقرير علمي حتى الآن يفيد بالعثور على عينات من الرصاص الطبيعي الخام ذي الموصلية الفائقة بشكل حر في الطبيعة.
وذكر الباحثون أن ما أثبت علميا حتى يومنا هذا، هو العثور على مادة الكوفلين المعدني -وهو أحد معادن النحاس، ويغلب في تركيبه كبريتيد النحاس- كمادة طبيعية ذات موصلية فائقة.
وبهذا يشير اكتشاف هذه الحبيبات الفائقة التوصيل في اثنين من النيازك المنفصلة، إلى احتمالية وجود المزيد من المواد الخام الفضائية التي تمتلك هذه الخاصية النادرة، والتي قد تؤثر بدورها على الوسط العام في البيئات الفلكية.
حيث يمكن أن يكون للجسيمات الفائقة التوصيل داخل المناطق الباردة من الفضاء، آثار على بنية الأجسام النجمية نفسها.
ويمكن أن تحافظ الجسيمات الفائقة التوصيل على حلقات التيار الميكروسكوبي التي تولدها حقول الشحنات العابرة، كما أنها يمكن أن تساهم في المجالات المغناطيسية القريبة المدى.
وللموصلات الفائقة استخدامات لا تحصى في كافة المجالات التقنية والعلمية، الأرضية منها والفضائية. واليوم تضع هذه الدراسة مساهمة رائدة من نوعها في إضاءة جديدة لمجال بحثي جديد وواعد، للعثور على موصلات فائقة خام فضائية.